الأدب

فتاة تتحدث بالشوكة والسكينة .. الجزء الثاني من الحكاية الثانية

كتب في : الخميس 18 نوفمبر 2021 - 3:01 مساءً بقلم : حنان فاروق العجمي

مسحتُ دموعي وواصلت قراءة الرسائل..

التي ما زِلْت أحتفظ بها على هاتفي ..

لماذا تفعل ذلك؟

أتبيع عشرة العمر ؟

من أجل ماذا؟

لماذا الآن تريد أن تتركنا ؟

أهان عليك بناتك؟

فجأة لم تٰعُد تناسبك تلك الحياة؟

فجأة لا أصلح لأكون زوجة؟

أتترك لحمك ودمك ؟

تركتنا هكذا لا تريد الإنفاق على بناتك؟

تهددني وتريد أن تسلبنا أنا وبناتك فلوس شقتنا لماذا تفعل بنا ذلك بدون أسباب؟؟

ماذا بشأن ابنتك المريضة وحالتها الخطرة التي تعلمها جيدًا؟؟

أجاب بعد فترة طويلة وقال:-

حوِّلي الفلوس في حسابي وبعدها أرجع البيت نتكلم واشتري الشقة اللي حجزتها في الشقق إللي طرحتها وزارة الإسكان

كلمت الناس في الوزارة وهناخد الشقة اللي اخترناها وروحنا شوفناها"

تستمر بطلة الحكاية وتقُص علينا حكايتها وتقول :-

أثناء الفترة الطويلة التي انقطع فيها

عن الكلام ولم أكُن أعرف عنه شيء

كان كل همِّي هو شفاء ابنتي والاطمئنان عليها وأداء امتحاناتها على خير هي وأختها

امتنع عن إرسال السائق بالعربة لإيصال بناته لمدارسهم ودروسهم بالمراكز التعليمية ومركز العلاج الطبيعي حيث تذهب ابنتي يوميًّا لعمل جلسات العلاج الطبيعي كلها أماكن متفرقة تبعُد كثيرًا

عن شقتنا المستأجرة بأحد المدن الجديدة

لم أٰعُد أعرف ماذا أفعل كيف أقوم بإيصال بناتي بوقت واحد بالمواصلات بتلك الأماكن لم يٰعُد معي أي نقود كيف أتصرف ؟هل أذهب للبنك لأسحب

من فلوس الشقة لأصرف على بناتي

أنا عمري ما ذهبت للبنك وإذا فعلت ذلك سوف يدلل على صدق كلامه بأنني أتحكم به كيفما أشاء وأني أعيش عيشة خيالية كما يصور لكل الناس وكأني سرقت ماله ثم أعود وأحدث نفسي هذه نقود شقتي ماذا أفعل ؟ولكنني لم أذهب للبنك ولم أسحب جنيه واحد بل استعنت بأهلي للإنفاق على بناتي وابنتي المريضة التي يحتاج نقلها من مكان لآخر أن أقوم بحملها صعودًا وهبوطًا للدرج والمشي بها بالشارع وأنا أحملها للذهاب لمدرستها ودروسها الخاصة

وذهابي بها للعلاج الطبيعي لتتمكن

من الحركة وقد أوصى طبيبها بذلك وشدّٰد على ضرورة عمل هذه الجلسات لتعود لطبيعتها وتستطيع السير على أقدامها

بلغت من العمر ثمانية عشرة عامًا فتاة صغيرة في ربيع العمر ضعيفة لا ذنب لها فيما أصاب أبيها من جنون وقسوة

لا يوجد لها ولأختها ذات الخامسة عشرة عامًا غيري أنا كل شيء بحياتهم

هل هذا يرضي الله ؟

حالة من الحنق والاختناق والألم الجسدي والنفسي والمجهود المضاعف وتحٰمُّل أمر لا يمكن لأحد تٰخٰيُّله والإحساس بقلة الحيلة لقد توقف عقلي عن التفكير لم يٰعُد يهمني شيء سوى بناتي وألا يقوم بتفريقهم عَنِّي

يحتاجون لرعايتي فأنا مٰنْ تذاكر دروسهم وأقوم برعاية ابنتي المريضة حتى أني بحالة إصابتها بأزمة صدرية أقوم بعمل جلسات الاستنشاق والتنفس بالأكسچين وأضع الدواء بنفسي بالجهاز وإسعافها لتستطيع التنفس هو غير متواجد بصفة مستمرة لطبيعة عمله حتى قبل إصابته بهذا الجنان بعد هذا العمر الطويل لا يوجد لديه وقت لرعاية بناته أو الاطمئنان عليهن

كل هذا يدور برأسي أنا من تُعد الطعام وتذاكر وتهتم بالدواء كل شيء

ماذا إن لم أرضخ له بعد تهديده لي وإيذائه لعائلتي بسطوته ونفوذه ؟

إذا لم أترك له فلوس شقتي لن يتركنا بحالنا طالما وصل إلى هذه الدرجة من القسوة والحُمق وإيذاء الناس بدون ذنب وانعدام الضمير والإلقاء بعشرة عمره دون أن يرف له جفن أو يبالي

التفكير يكاد يقتلني ...قُمت توضأت وصليت وقرأت القرآن سجدت لله بكيت دموعي أغرقت سجادة الصلاة توسلت

ياالله يا رب السموات والأرض ارشدني للصواب اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله

يا رب اهديه أو ابعد شره وأذاه عَنِّي

وعن بناتي وأهلي يا رب استجب دعائي

وبعد أن هدأت قررت أن أُرسل له رسالة لعله يرجع عما برأسه ويعود لصوابه

كل هذه الأحداث لا ينساها عقلي استعدت ذكراها القديمة وكأنها حدثت اليوم وأنا أقرأ الرسائل التي احتفظت بها أعلم أن مٰنْ يستمع لحكاياتي ويقرأها يقول أنها قصة جوفاء وما هذه البلهاء كيف تترك له فلوس شقتها وهي بإسمها بالبنك ؟

لسنا بغابة وهناك قانون لماذا لم تُبلغ

عن تهديده لها؟

رُبّٰما هناك أشياء أخرى أقوى مما تتخيلون لم يٰكُن تهديدًا عادي يملك من السطوة والنفوذ ما يمكنه من فعل أي شيء

ولا تشوبه شائبة ولا دليل على أفعاله غير أقوال وحكايات لجبناء يخشون التصريح بها حتى لا يقوم بإيذائهم والجميع يحافظ

على لقمة عيشه بهذا الزمن

قرأت رسالتي إليه ...

"لن أترك لك فلوس شقتي أنا وبناتي

حرام عليك في أب يعمل كدا في بناته

قرأت الرسائل الدامية وهي غارقة ببحر الدموع الذي يعلو موجه في صراع معها

ثم تابعت القراءة ... رسالتها له التي تُعٰبِّر عن انعدام ثقتها فيه بعدما قال وفعل

"أنا إيه يضمن لي إن نيتك سليمة وانت سايب البيت وتركتنا شهرين من غير

ولا مليم ....إيه يضمن إني لما أحول الفلوس في حسابك هتشتري الشقة اللي حلمنا بها طول عمرنا ...ولو كانت نيتك سليمة ليه عايزني أنقل الفلوس في حسابك فجأة!! دي فلوس شقتي وشقة بناتي

أنا لو نقلت فلوس شقتي في حسابك وغدرت اعرف إن ربنا مش هيسيبك

وإنه عزيز ذو انتقام عشان أنا عمري

ما عملت فيك حاجة وحشة

ووقفت في ظهرك طول عمري

إذا جزائي منك الغدر مش هسامحك طول عمري ولا بناتك هيسامحوك"

كان عقلي وقتها وكأنه إنسان آخر بداخلي يتكلم معي ويدق أجراس الإنذار المتتالية المتتابعة بدون راحة بالفعل حالة انهيار أصابَتنِي أخذ عقلي يحدثني ...

معقول ممكن يتركنا بدون شيء ؟

لا جدران لا مال لا دواء؟

يلقينا هكذا بالعراء؟

نعم أتذكر كل كلمة وحرف قتلني بغير رحمة

واصلتُ قراءة الرسائل والدموع تُبلل ملابسي وصوت الأنين يصرخ داخلي

لقد احترف الضغط على أعصابي

الهواجس التي حدثتني إن لم أحوِّل المال بحسابه سيأخذ بناتي مني ولن أراهن مرة أخرى بحياتي ..أشعر بذلك سيطلقني وينتزع روحي لا أستطيع العيش بدونهم

لقد بدأ بالفعل امتنع عن دفع إيجار الشقة التي نعيش فيها ،جعل الغرباء يساومونني اتركي له فلوس الشقة ...أرسلي بناته له

لن تستطيعي الإنفاق عليهم لا تعملين

ولا تملكين أي مصدر للدخل

بعد الضغط الرهيب ورسائل تهديده المتتالية ...."هو مش أنا وِحِش ومليش لازمة ومِش بتحمل مسئولية ولا عملت حاجة عشانكوا خلاص رٰبّٰيهُم انتِ "

"انقلي الفلوس في حسابي ....

وإلا هتشوفوا مني الوِش التاني"

"لو حولتي الفلوس في حسابي هرجع البيت... مش حاسس إني راجل البيت

انقلي الفلوس في حسابي عشان أشعر إني راجل البيت ...كل الستات بيضحوا عشان أزواجهم ويقفوا جنبهم "

قرأت الرسائل الدامية وهي غارقة ببحر الدموع الذي يعلو موجه في صراع معها

بعد كل هذا الضغط منه ومن الأقارب الذين تمكن من خداعهم حتى يصدقونه أني أخذت ماله وأنها ليست نقود شقتي أنا وبناتي التي أراد الاستيلاء عليها بالتهديد المباشر والصريح ولكن ما زال عقلي لايستوعب أنه يستطيع أن يغدر ويرمينا بالشارع بعد عشرة العمر ومعاملتي الطيبة له وسذاجتي وتضحيتي بالجلوس بالمنزل وتفضيلي رعايته وبناتي عن العمل

نعم لقد أضعت مستقبلي بيدي وكرست حياتي كلها له ولبناتي ...بعد تفكير طويل

قررت وأرسلت له "سوف أحوّٰل فلوس شقتي في حسابك وسوف أتركك لضميرك"

ضحيت بفلوس شقتي وحولتها

في حسابه كي يترك لي بناتي وإذا أراد الانفصال عَنِّي يتركنا بسلام

ولكن للأسف الشديد نقاء وصفاء روحي

لآخر لحظة تصورت ستنتهي ثورة غضبه التي لم أعهدها ويعود للبيت نادمًا معتذرًا ويشتري شقة نعيش فيها بدل الشقة الإيجار بالفلوس اللي عِشت أدخرها وأحلم معه بالسكن بمكان راقي وبيئة صحية لابنتي المريضة والحياة الخيالية الوهمية وكلامه عن علو شأنه ومنصبه الرفيع وقوله دائمًا

"ادعيلي أترقى شوفي لنا رؤية حلوة كدا جاي لنا فلوس ولا ترقية ما دام أحلامك بتتحقق"

كنت بمنتهى السذاجة أصدقه وأسجد وأدعو الله بعلو شأنه ،نعم أنا تلك الزوجة الغبية المخلصة المُطيعة التي تحملت مسئولية فوق طاقتها من أجل أنانيته وحبه لنفسه هو ذلك الإنسان القاسي المشاعر المتحجر القلب الذي لا يأبه بأي شيء

في الدنيا إلا مصلحته الشخصية فقط

أكملت قراءة الرسائل

أرسل رسالة بعدما حولت الفلوس

في حسابه وقال:-

أنا عملت استخارة وشايف إني مش مرتاح لرجوعي البيت"

أجبتُه بحالة هستيرية

يعني إيه عايز تسيبني أنا وبناتك بعد ما أخدت فلوس شقتي

أليس هذا المال هو لشراء شقتنا التي طالما حلمنا بها ؟؟

أنت من كنت تضع هذه النقود بحسابي

لم أذهب للبنك حتى ولو مرة واحدة

أهكذا عملي انتهى؟

كنت مجرد محفظة

أوفر لك النقود لنعيش عيشة كريمة

والآن بعد ضياع عمري تتركنا بهذه الطريقة

وتأخذ كل حاجة بأنانية وتتركنا؟؟

هذا هو قرارك ؟

أخذت ترسل الرسائل له وهي بحالة ذهول وتجيب نفسها وهو لا يكلف نفسه عناء رؤية الرسائل أو الإجابة عليها

أي حقارة هذه ...

اخترع أسباب وهمية للإنفصال

أرسل رسالة قال فيها:-

"مش أهلك عايزينك تطلقي...خلاص

أنا مش راجع البيت"

أرسلتُ له وأنا بحالة شديدة من الإعياء والانهيار لقد حدث ما توقعته من غدر وظهر على حقيقته بعدما أخذ فلوس الشقة

"يعني إيه ؟أنا وبناتك محتاجينك ليه بتعمل كدا فينا ..مش قادرة أصدق وبيت الله والكعبة اللي حجيت لها فين ضميرك

دا آخر ضياع عمري معك

إن الله عزيز ذو انتقام "

أجاب برسالة مقتضبة محتواها جعلني أشعر بالغثيان ودارت الدنيا حولي انتابني ألم شديد برأسي وكأن صخرة وقعت فوقي

قال"تحملي أنتِ مسئوليتهم ابقي خٰلِّي أهلك يصرفوا عليهم"

أخذ يحدث الأقارب والأهل عبر الهاتف عني يقول أنا السبب وقد أهملته وأني طمعانة فيه وفي فلوسه وحدثهم عن العيشة الخيالية التي أعيشها ولا ينقصني شيء

وقعت في شراك خُبثه وخطته المحكمة

هكذا عزيزي القارئ

ارتمت بطلة القصة الفتاة المتحدثة بالشوكة والسكينة كما وصفها بطل حكايتنا سابقًا بعد ظهور أول فجوة بينهما

في دوامات لا نهاية لها بين خراب بيتها ومرض ابنتها التي أصبحت المشفى جزء

لا يتجزأ من حياتها لمرضها المزمن الذي

لا علاج له سوى الصبر والدعاء

والجنون الذي أصابه بعد هذا العمر الطويل

لتندفع وتقرر أن تترك له كل ما وفرته بعلمه وتحت مرأى ومسمع منه بل هو من كان يقوم بإيداع النقود بنفسه بالبنك هكذا كان يأخذ الفلوس ويقول لها أودعتها بالبنك لتوفير المبلغ اللازم لشراء شقة للعيش فيها مع بناتهم بعد هذا العمر والعناء في حي راقي ...أصابتها حالة من الذهول وكأنها أُلقيت في قاع بئر مُظلم لا خروج منه

لا تدري إن كانت أزمة منتصف العمر يعاني منها أم أنه بعدما رأت منه من قسوة،

وتغير حاله هو غدر يُحٰضِّر لَهُ منذ زمن؟

وسط تكهنات عائلتها بعد رؤية تصرفاته الغريبة غير المعهودة منه بأنه ينوي

على الغدر بمجرد أن ترضخ وتنقل الفلوس من حسابها إلى حسابه

فلم يهتم بمرض ابنته أو حتى تعرضها لخطر الموت أو العيش بعجز دائم باقي عمرها وهي بعمر زهور ربيع لم يأت ولم تتفتح بعد

صدمة عمرها التي لم تحسب لها حساب

كل ما أرادته هو العيش بمكان ملائم يصلح صحيٍّا لابنتها وأن تصمم ديكورات الشقة بنفسها كما تحلم أي واحدة مكانها بعد العمر الطويل لقد سرحت بخيالها كثيرًا

انتظرت اليوم الذي يأتي بعد هذه السنوات الطويلة لتمتلك شقة تختار كل شيء فيها بنفسها وتقوم بفرشها كما كانت تحلم دائمًا

لتعيش معه بعد العناء ببيت هادئ وينعمون بالسعادة مع بناتهم ولكن

يبدو أن القدر أراد أن يكشف لها الوجه الآخر له لتفيق من غفوتها على حقيقته المريرة وقناعه المزيف الحريص

على ارتدائه أمام الناس قناع الطيب الأمير

تُرَى ما هي أسباب هذه الصدمة القاسية؟

كيف واجهت فتاة الشوكة والسكينة البطلة الحياة بعدما تعرضت له وما أصابها

من فاجعة وغدر لم تتوقعه؟

كل هذه الأسئلة انتظروا إجابتها ستحكي البطلة ما حدث لها

انتظروني بحكاية جديدة من حكايات

فتاة تتحدث بالشوكة والسكينة.

 

بداية الصفحة