كتاب وآراء

الذكاء الإجتماعى

كتب في : الثلاثاء 17 يناير 2017 - 12:41 صباحاً بقلم : محمد عبد الواجد

بعض الأفكار المتداولة في المجتمع تحثنا على الاعتماد على النفس بصورة مبالغ فيها، تحثنا على الأنانية، مثل “إنّ الضعيف هو من يحتاج للآخرين” أو “أن الرجل الحقيقي هو من لا يحتاج إلى أحد ” أو أنّ “الأسد يمشي وحيدا، أما الخراف تمشي في قطيع” هذه عينة من تلك الأفكار التي تحثنا على السعي للقوة والسيطرة والبعد عن الضعفاء ونبذهم وتطوير أنفسنا بقدر الإمكان لنصعد إلى القمة ولنكون فوق الآخرين . ومع انتشار تلك الأفكار وتداولها رسخت في عقولنا قوانين وقواعد مثل “القوي يأكل الضعيف” وأن “الغاية تبرر الوسيلة” كأننا حقًا نؤكد تفسير نيتشه ومكيافللي للوجود ! هل قانون الغاب يصلح كقانون للبشر ؟! هل من الطبيعي أن تكون القوانين التي تحرك الحيوانات هي نفس القوانين المحركة للبشر ؟ أن تكون المنفعة والمكسب المادي هو ما يقيم المجتمع ؟ طبقا لنظرية الذكاءات المتعددة لهاورد جاردنر لكل إنسان مجموعة من القدرات أو الذكاءات، فالإنسان يمكن أن يتميز في نوع من هذه الذكاءات على الأنواع الأخرى ولكن يبقى لديه كل الأنواع ويمكنه تطوير كل منهم . على سبيل المثال إذا كانت لدى الفرد القدرة على استخدام جسده بمرونة وسرعة وقوة فنسبة ذكائه الحركي مرتفعة، وهذا النوع من الذكاء يتضح عند الرياضيين والممثلين والعاملين في المعمار، وإذا كان الفرد لديه القدرة على استخدام اللغة قراءة وكتابة بمرونة وطلاقة ويمكنه اللعب بالألفاظ وكتابة القصص والشعر فنسبة ذكائه اللغوي مرتفعة، ويتضح هذا الذكاء لدى الشعراء والكتاب والمعلمين، وإذا كان للفرد القدرة على إدراك أبعاد المكان بصورة دقيقة ولديه حساسية عالية لإدراك الألوان والأشكال والمساحات والفراغات وعلاقاتها ببعضها فنسبة الذكاء البصري المكاني مرتفعة عن باقي أنواع الذكاء الأخرى لديه ( الذكاء الموسيقي، المنطقي الرياضي، الاجتماعي، … إلخ ) ويتضح هذا الذكاء لدى المهندسين المعماريين ومهندسي الديكور ورجال المرور وأصحاب الحرف اليدوية المرتبطة بالملابس مثلاً . وهناك بعض الدراسات التي تؤكد أن أفضل طرق الحفاظ على المعلومات واسترجاعها هي بمشاركة هذه المعلومات مع أشخاص آخرين، ومن الجدير بالذكر أن الإنسان عندما يشارك الآخرين المعرفة التي حصل عليها يكتشف أبعاد جديدة ورؤى مختلفة لهذه المعرفة . وهذا يعني أن الإنسان مهما كانت له من قوة في مجال ما بسبب قدراته والتي ستكون مرتبطة بنوع أو بعض من أنواع الذكاء فإنه سيكون مفتقرا إلى عدة أنواع أو قدرات .. إذن ؛ فالإنسان شاء أم أبى دائما بحاجة إلى قدرات الآخرين. نحن مصمَّمون أو مبرمَجون لنحتاج إلى بعضنا البعض، نحن بحاجه إلى قدرات بعضنا البعض للاستمرار والبقاء والارتقاء، نحن بحاجه إلى قدرات بعضنا البعض لننهض ونتكامل، فالتلميذ بحاجه لمعلم يقدر العلم ويعي أهميته ودوره في بناء هذا التلميذ والمعلم بحاجة إلى هذا التلميذ الذي قد يغير ما لم يستطع المعلم تغييره، عامل النظافة يحتاج إلى المهندس في بناء مسكن آدمي له يؤويه ويُشعره بالأمان بقدر ما يحتاج المهندس لعامل النظافة ليعيش سالما من القمامة وآثار انتشارها في الشوارع . إن القوي بحاجة لقدرة الضعيف بقدر حاجة الضعيف لقدرة القوي . وكلما زادت قدرتك وقوتك في مجال ما ؛ كلما زادت مسؤوليتك تجاه من هم ضعفاء في هذا المجال .

بداية الصفحة