أخبار عاجلة

العائدون من 'داعش' بيع الوهم وصدمة عودة الوعي!

كتب في : الجمعة 24 يونيو 2016 بقلم : رشا الفضالى

بعد انضمامه لتنظيم "داعش" في سوريا ثلاث أشهر، يمثل هاري إس في هذه الأيام أمام محكمة في هامبورغ. التهمة الموجه له هي عضوية منظمة إرهابية. ما الذي دفعه إلى هذا المنزلق؟ وكيف كانت صدمته حين احتك بـ "داعش" على أرض الواقع؟

عند بدء محاكمته، أعترف المتهم هاري إس بكل التهم الموجهة إليه. وقد روى بشكل مفصل ما الذي دفعه للانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، والمعروف إعلامياً باسم "داعش". ويتعين على المتهم، الذي يمثل أمام المحكمة العليا في هامبورغ، تحمل تبعات انضمامه إلى منظمة أجنبية إرهابية وخرق القانون الألماني لحمل وحيازة السلاح. وكان هاري إس قد أخبر المحققين بقصته قبل بدء المحاكمة. وبلغ عدد صفحات الاستجواب ما يناهز الـ700 صفحة.

ثلاث أشهر في معسكر تدريب

ويواجه هاري تهماً بالانتماء إلى المجموعات السلفية في مدينة بريمن، شمال ألمانيا، وبالذهاب إلى سوريا في أبريل/ نيسان من العام الماضي. وحسب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا فإن هاري انضم هناك لــ "داعش" وتدرب على القتال على يد أحد الوحدات القتالية الخاصة بالتنظيم الإرهابي.

ويوجد فيديو باللغة الألمانية على شبكة الانترنت يظهر فيه المتهم هاري، البالغ من العمر 27 سنةً، وهو في الأراضي الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" في سوريا، حاملاً علم تنظيم ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" وملوحاً به. يعود الفيديو الوحشي إلى حزيران من عام 2015 وفيه تظهر مشاهد كيفية قيام "داعش" بقتل العديد من الأسرى. وقد كان الفيديو من الوحشية بحيث دفع هاري إلى الفرار من معسكر التدريب بعد الانتهاء من تصوير الفيديو، وبعد أن كان قد أمضى ثلاث شهور هناك.

 

وقبل بدء محاكمته، كان هاري قد تحدث إلى عدة وسائل إعلامية عما عايشه في سوريا. "لم يعد البشر بشرا"، يقول هاري لإحدى مراسلات القناة الثانية الألمانية ZDF، التي أجرت معه مقابلة صحفية في سجن التحقيق. ويتابع هاري: "بالطبع كنت أعرف أن هناك حرباً في سوريا، ولكني لم أقرر إدارة ظهري لـ "داعش" إلا بعد تصوير الفيديو. لقد تركت "داعش"، فأنا لا أريد أن أموت ويداي ملطختان بالدماء".

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي أوصل هاري إلى ما وصل إليه؟ يمكننا استخلاص الجواب من إلقاء نظرة على سيرة حياة "الداعشي" التائب. تبدو بعض جوانب سيرته مشابهة لباقي سير المتطرفين النمطية. فقد نما وترعرع هاري، الألماني-الغاني، في لندن وبريمن في أحياء تعج بالمشاكل الاجتماعية. بعض أصدقائه مجرمون. وهو نفسه دخل السجن بجرم سرقة. واعتنق الإسلام في العشرين من عمره.

وفي السجن تعرف على بعض السلفيين من بريمن وبدأ ينحو باتجاه التطرف. وبعد خروجه من السجن أخذ هاري بالتردد بانتظام على مسجد للسلفيين في المدينة التابع لجمعية "الثقافة والعائلة". وكانت السلطات الألمانية قد أغلقت المسجد في عام 2014. في ذلك المسجد تم تجنيده في "داعش". وفي أبريل/ نيسان عام 2015 سافر صحبة أحد معارفه عبر تركيا إلى معقل التنظيم الإرهابي في الرقة السورية. "لقد هربت من مشاكلي هنا، بوهم كاذب مفاده أن كل شيء سيكون أفضل هناك"، يقول الإرهابي السابق في مقابلته مع القناة

صدمة واقع "داعش"

وتبقى المسألة العصية على الفهم لماذا يعرض شبان مثل هاري حياتهم وحيوات الآخرين للخطر ويسافرون بمحض إرادتهم إلى مناطق الحروب والنزاعات. يدلي المختص بالشؤون التربوية توماس موكي، والذي يعمل في "شبكة منع العنف"، بدلوه في حديث خاص بـ DW: "ليس بالضرورة أن يكون المنشأ الاجتماعي هو سبب انجراف الأشخاص إلى السلفية. فالكثير من الشبان، كهاري، لديهم شعور بأنهم غير مقبولين في المجتمع الألماني"، حسب رأي موكي، الذي يعمل على ملف العائدين من "داعش". ويمضي الخبير قائلاً: "يعرف السلفيون كيف يلبون الاحتياجات العاطفية للشبان ثم يستخدمون هؤلاء لأغراضهم". وقد قال هاري أن ما أوقعه في الشباك هو "توقه لنوع من السلام الروحي".

وبعد وصولهم لأراضي "داعش" يتعرض الكثير من المنضمين الجدد للصدمة. وهذا ما حدث مع هاري أيضاً. "يدركون عند ذلك أنه تم استغلالهم وأن طريقهم مسدود". وقد يتعرض بعضهم لاضطرابات ما بعد الصدمة، وغير أن الوهم يزول من رؤوس الكثيرين منهم.

ليس من السهولة بمكان التخلص من إيديولوجية "داعش" وتنظيف عقول منتسبيها. وهنا لا بد من طرح عدة أسئلة على الأعضاء السابقين في "داعش": ما هي مشاكلهم التي دفعت بهم إلى حضن التنظيم الإرهابي؟ ماذا تشربوا من أفكار هناك؟ وما هي الحياة التي ينون عيشها بعد خروجهم من السجن؟ يجيب هاري على هذه الأسئلة بهدوء وتفكير ملي- ويبدو أنه نأى بنفسه عن أيدلوجية "داعش": "حلم وإيديولوجية الخلافة غير صحيح، إنه محض هراء وكذب بالمطلق"، يقول هاري في مقابلة مع تلفزيون بريمن.

ما المعلومات التي بحوزة هاري عن "داعش"؟

هاري ليس أول عائد من "داعش" يتوجب عليه المثول أمام المحكمة وتحمل تبعات أفعاله. كما أن ليس أول عائد يتحدث على الملأ عن معايشاته المرعبة عند "داعش". غير أن قصته على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للسلطات. فهناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها، وعلى رأسها: هل شارك هاري بالقتال مع "داعش"؟ هل أزهق أرواحاً؟ وماذا في حوزته من معلومات عن اعتداءات محتملة في ألمانيا؟ عن ذلك يجيب هاري لوسائل الإعلام: "بالتأكيد ألمانيا مستهدفة". وعند سؤاله عما إذا كان مستعداً لتنفيذ هجمات في ألمانيا، رفض ذلك بالمطلق.

ومن المقرر أن تُعقد، في إطار محاكمة هاري، تسع جلسات أخرى حتى نهاية يوليو/ تموز القادم. وقد يكون معرفة بنية التنظيم والخطر المحتمل له في ألمانيا من المواضيع ذات الجانب الكبير من الأهمية. على أية حال، فبحسب تقديرات السلطات الأمنية الألمانية سافر حتى الآن أكثر من 800 ألماني للقتال في سوريا والعراق. وقد عاد 260 منهم إلى ألمانيا، والكلام دائماً للسلطات الأمنية الألمانية.

بداية الصفحة