تقارير

خالد العدل يكتب - قصة موت عنوانها سوريا

كتب في : السبت 17 مارس 2018 - 9:43 مساءً بقلم : خالد العدل

قصة بدأت عندما تقاسمها الطامعون كأنها قطعة حلوي ، مستهترين بمستقبل أجيالها ، ومتلاعبين بدمائهم وآلامهم ، ووصلت فصولها الآن الى عجز مجلس الأمن عن فرض هدنة لمدة شهر واحد فقط لمساعدة المنكوبين على إلتقاط أنفاسهم ، وفشل الوساطات الدولية في إخراج عشرات الجرحى من ذوي الحالات الحرجة والخطيرة من مناطق الحصار ، الذين سقطوا من المدنيين والأطفال ، بسبب غارات النظام وحلفائه الهمجية والكثيفة على أرياف دمشق وإدلب ، أو نتيجة الإجتياح التركي لمنطقة عفرين .

قصة سنوات من الإعتقالات والقتل والتدمير ، من دون أن يبالي أحد أو يهتم ، قصة أمل ورجاء ممن يئنون تحت وطأة الخراب بأن تتوقف هذه الإستباحة ، وذاك الإستهتار المخزي بأرواح البشر ، وسؤال مرير يحدوه مناشدة أخلاقية للضمائر ، أليس هناك ما يمكن قوله أو فعله ، لكي لا تؤرخ قصتنا كهزيمة للعقل والحياة والإنسانية ، كهزيمة لوطن حلم أبناؤه بالخلاص من القهر والعيش كغيرهم ، آمنين .!.

قصة مشاهد روتينية يتابعها الملايين من دون إكتراث ، ربما وهم يحتسون قهوة الصباح ، كأن ما يجري بسوريا لا علاقة له ببشر مثلهم ، لهم حق الحياة ويشاركونهم العيش على سطح هذا الكوكب ، حين يغدو قتل السوريين وخراب بلادهم مجرد عناوين عابرة في نشرات الأخبار، وتصبح صور استباحة دمشق بالقنابل المدمرة ومشاهد الضحايا وهم يخرجون مشوهين من تحت الأنقاض ، أو يستغيثون مذعورين لإنقاذ من إلتهمتهم الحمم من أهلهم وأطفالهم ، صوراً ومشاهد روتينية يتابعها الملايين من دون اكتراث .

قصة  أكبر الأزمات الإنسانية التي واجهتها دوله عربية خلال تاريخها ، تقف عاجزة اليوم عن وصف حال أكثر من عشرة ملايين سوري تعرضوا لأضرار مختلفة ، ما بين مئات الآلاف من الجرحى والمشوهين ، ومثلهم من المعتقلين والمفقودين ، وملايين باتوا بلا مأوى وفي حالة قهر وفقر شديدين وقد فقدوا كل ما يملكون أو يدخرون ، منهم من نزحوا داخلياً إلى أماكن أقل عنفاً ويعانون الأمرين ، ومنهم من لجأوا إلى بلدان الجوار ليعيشوا في معازل لا تليق بالبشر، وفي مخيمات لا تقيهم برد الشتاء ولا الانتهاكات الجسيمة وظواهر الإذلال التي يتعرضون لها، ناهيكم عن إخضاع حياتهم لمعونات أممية تتقلص تدريجاً وتعجز عن تلبية أبسط احتياجاتهم ، وأسوأ النتائج فقدان أكثر من ثلاثة ملايين طفل سوري فرص التعليم والرعاية الصحية، ما سهل استغلالهم جسدياً، ليصبح وجعاً مألوفاً انتشار الزواج العرفي للقاصرات في مخيمات اللجوء ، أو ازدياد عدد العاملات والخادمات السوريات ، أو انتشار الصبية والفتيات الصغيرات في شوارع مدن اللجوء لبيع مواد استهلاكية بسيطة كي يعيلوا أنفسهم وأسرهم !.

قصة التاريخ الحديث الذى يشهد بؤرة صراع  دموي ، أُهملت من قبل العالم أجمع ، وعرفت هذا الاستهتار المخزي بالأرواح التي تزهق ، وباتت مرتعاً لصراعات النفوذ وتقاسم الحصص ، هذا التاريخ الحديث الذى يرعي ثورة الاتصالات ولغة الصورة التي تصل إلى كل بيت ، وتكشف للبشرية ما يعجز اللسان عن كشفه وقوله ، ليتكرر السؤال ، لماذا تركت سوريا تحديداً لهذا المصير المرعب ؟، ولماذا كانت هي من دون سواها ، محط حقد أو إهمال الجميع ، ومسرحاً للفرجة على دوامة الفتك اليومي ونهر الدماء الجاري وأنات الضحايا والمعذبين ؟

قصة سلطة إستبداد أنانية رفضت تقديم التنازلات لشعب طالب بأبسط حقوقه ، ودأبت على تحويل الحراك السلمي إلى صراع مسلح مشحون بالغرائز والاستفزازات الطائفية ، وتصرفت كأنها في معركة وجود أو لا وجود ، وبأن ليس من رادع يردعها في استجرار ما هب ودب من قوى قمع خارجية وتوظيف ما تمتلكه من أدوات القهر والتنكيل ، كي تحافظ على سطوتها وامتيازاتها

قصة معارضة ضعيفة ومشتتة ، تقاسمت جلد الدب قبل إصطياده ، وفشلت في نيل ثقة الناس وقيادة ثورتهم ، وحكمت مواقفها رهانات على دعم خارجي حاسم ، والأوهام بإنتصار سريع ، ونزاعات على المناصب ، وإستحضار مريب لجماعات الجهاد وإمارات لداعش والقاعدة تمارس أعمال إرهابية وتصفوية تنضح بتعصب مذهبي بغيض يناقض ثقافتنا الدينية وإعتدالها ، ودعمها بمال سياسي لا يخفي على أحد شروطه وإملاءاته .

 

بداية الصفحة