المصريين العاملين في الخارج

كتب في : الجمعة 11 ديسمبر 2015 بقلم : عبد الرحيم حشمت
عدد المشاهدات: 15276

من عجائب الجهاز الإداري للدولة الذي ليس له مثيل في العالم .. إذ يتجاوز عدد موظفيه ستة ملايين ، ويستأثر بنصيب الأسد من الميزانية العامة ، وما زال ينتشر فيه الفساد المالي والإداري الذي أفقر العباد ، وأخر البلاد على مدى ثلاثين عاما تحت قيادة الديكتاتور المستبد الأسبق .. الذي كان يصرح دائما بقوله " السنة دي سوده والسنة اللي بعدها أسود منها " .. أقول من عجائب الجهاز الإداري تضارب الإحصائيات الصادرة من بعض الهيئات والوزارات المعنية بإحصاء المصريين العاملين في الخارج بشكل يندى له الجبين .. فمن هذه الهيئات من توصلت إلى أن عدد العاملين في الخارج يبلغ 6 مليون مصري ، ومنها من أعلنت بأن عددهم 8 مليون مصري ، ومن هذه الهيئات أيضا من أقسمت على أن عدد العاملين في الخارج أكثر من 10 مليون مصري .. ولأننا أمة وسطية ، ولأن خير الأمور الوسط يجب علينا أن نأخذ بإحصائية الهيئة التي ذهبت إلى أن تعدادهم ثمانية ملايين فقط . تنتشر هذه الملايين الثمانية من الأيادي المصرية الماهرة في شتى أصقاع الأرض من أقصاها إلى أدناها ، يكدون في أعمالهم ، ويشقون ليل نهار ، ويواصلون العمل إلى ما لا نهاية ، حياة شاقة مستمرة ، ومعاناة شديدة متواصلة ، لا فرصة لديهم للراحة ، ولا أمل عندهم في الخلاص من هذه الدوامة الروتينية القاتلة ، فغابت عنهم الابتسامة ، وحلت محلها الكآبة .. بعدما ساءت أحوالهم ، وتيبست حياتهم حيث لا جديد فيها فما يمسون فيه يصبحون عليه ، خصوصا من طالت غربتهم ، أما من يقفون على أبوابها ، وما زالوا في بدايتها ، فهم غارقون في الديون ، ومثقلون بالهموم ، وماضون إلى مستقبل مجهول .. من أجل تكوين أنفسهم ، وتوفير قوت أسرهم ، وتأمين مستقبل أفضل لأبنائهم يضمن لهم حياة كريمة وسط تقلبات هذا الزمان ، في ظل لهيب الأسعار الذي يواصل ارتفاعه بسرعة شديدة إلى عنان السماء في مجتمع - للأسف الشديد - أصبح كل شيء فيه بمقابل !! .. لدرجة جعلت البعض يتندر قائلا لم يبق إلا رد السلام مجانا في هذا الزمان .. والخشية كل الخشية أن يأتي اليوم الذي ما أن يرد فيه أحد الناس عليك السلام قائلا وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حتى يقول لك " شخلل " . لكن ألا تضع هذه الفروقات التي وصلت إلى حد الملايين في إحصائيات المصريين العاملين في الخارج علامة استفهام حول القيادات التي تدير الجهاز الإداري للدولة ؟ .. إذ كيف لدولة محترمة لا تعرف عدد أبنائها العاملين في الخارج ؟ .. ثم ألا يشير هذا التضارب الرسمي إلى رخص أبناء الشعب المصري في نظر الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها ؟ .. وألا يشير هذا التضارب إلى أن الدولة لا تقيم وزنا للعلم ولا تحترم العلماء خاصة إذا علمنا أن من بين العاملين في الخارج أكثر من مائة ألف عالم في جميع التخصصات النادرة ؟ .. فهل نحن شعب لا قيمة له ؟ .. أم أننا شعب عبقري فعلا لكنه يحتاج لمن يكتشفه ؟ .. فهل يكتشف الرئيس عبدالفتاح السيسي عبقرية هذا الشعب وينحاز للمصريين المسحوقين الذين يمثلون الغالبية العظمى التي تمثل الحصن الأعظم الذي حمى مصر على مدى آلاف السنين .. كما اكتشفه من قبل محمد على باشا فبنا بأيادي أبنائه السمراء مصر الحديثة علميا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا وزراعيا واجتماعيا ؟ . ثم بعد ذلك كله أليس من حق المصريين العاملين في الخارج عموما وعلى وجه الخصوص الفئات المطحونة محدودة الدخل ألا وهى فئة العمال ومن في حكمهم الذين يمثلون الأغلبية الساحقة المسحوقة في الداخل والخارج .. إذ ربما لا يعرف الكثيرون أن العامل المصري في الخارج بالكاد يوفر قوت يومه ، وإيجار سكنه ، ومصاريف أولاده .. أقول أليس من حق هؤلاء العمال البسطاء أن تقرر لهم الدولة مكافأة نهاية خدمة ، ومعاشا شهريا خاصا بهم .. على أن يصرف المعاش المقترح للعامل بعد بلوغه السن القانوني ، أو عودته بشكل نهائي إلى أرض الوطن أيهما أقرب .. خصوصا في ظل هذه الحقائق المهمة الغائبة ، أو بالأحرى التي غيبتها - عامدة متعمدة - حكوماتنا المبجلة المتعاقبة الخاصة بالمصريين العاملين في الخارج منها ما يلي : - الحقيقة الأولي : أن الدولة لم ولا ولن توفر فرص عمل لأبنائها العاملين في الخارج ، أو تحافظ على كرامتهم ، أو تحمي حقوقهم ، أو تدافع عن مصالحهم بالشكل الذي يليق بتاريخ هذا الشعب العظيم .. باستثناء المدرسين والأئمة والقضاة المعارين .. بما يعني أن معظم المصريين العاملين في الخارج فروا من جحيم البطالة ، وشدة الغلاء ليلقوا بأنفسهم في دوامة الغربة وما أقساها من دوامة حيث لا مخرج منها ، ولا نهاية لها .. نعم يسافر معظم المصريين العاملين في الخارج اعتمادا على جهودهم الذاتية في غياب كامل لأي دور للدولة المصرية لا قبل السفر ، ولا أثناءه ، ولا بعده . الحقيقة الثانية : أن المصريين العاملين في الخارج يعتبرون المصدر الأول للدخل القومي للبلاد من العملة الصعبة .. وهذا معناه أنهم يمثلون قيمة مضافة للصالح العام دون أية تكلفة تتحمل أعبائها ميزانية الدولة . الحقيقة الثالثة : أن العاملين في الخارج لم يغتصبوا أملاك الدولة ، ولم ينهبوا مقدرات الشعب ، ليس هذا فقط بل إنهم منتظمون في دفع ما عليهم من ضرائب ، وطوابع ، ورسوم ، وجمارك ، وإكراميات . الحقيقة الرابعة : أن العاملين في الخارج يوأدون ما عليهم من الواجبات ويوفرون على الدولة جميع حقوقهم المكتسبة اللصيقة بالمواطنة .. في الصحة ، والسكن ، والغذاء ، والتعليم ، والمواصلات . الحقيقة الخامسة : أن المصريين العاملين في الخارج اضطروا إلى السفر إلى الخارج لأن الدولة ببساطة شديدة عجزت عن توفير عمل لهم في الداخل .. ويا لها من دولة تتفنن في طرد السواعد الفتية ، وتحرص على الاستغناء عن العقول الذكية .. بينما ينعم فيها اللصوص بما نهبوه من المال العام ، ويتمتع فيها الفاسدون بالاستقرار والجاه والسلطان . والأدهى والأمر مما سبق أن إحدى الحكومات السابقة التي لم تطبق ضرائب تصاعدية على دخول رجال المال والأعمال الذين استولوا على المال العام ، ولم تفكر في فرض ضرائب خاصة على رواتب ضباط الجيش والشرطة والقضاة والصحفيين وأساتذة الجامعة " اللي بياكلوها والعة " .. لكنها – أي إحدى الحكومات السابقة – درست إمكانية فرض ضرائب على العاملين في الخارج كما أشيع في حينه .. وهكذا دائما تكون السياسات العشوائية التي تفرز قرارات خاطئة تبدأ بإشاعة وتنتهي بكارثة .

بداية الصفحة