كتاب وآراء

العبودية الفكرية من صناعة الرأي إلى صناعة القطيع..

كتب في : السبت 16 نوفمبر 2019 - 5:39 مساءً بقلم : وليد حاجي

   تعتبر آراء الجماهير و تصوراتهم صناعة بأبعاد مختلفة تحترفها وسائل الإعلام و السلطات الحاكمة، و نظرا لأهمية الرأي العام و قياس درجة الرضا عند الشعوب فليس غريبا أن تجد في أعتى الديمقراطيات مؤسسات للدعاية و لسبر الآراء تمولها الحكومات بملايين الدولارات سنويا، و تولي معظم الأنظمة السياسة في العالم أهمية بالغة لصناعة الرأي العام، لكن تصطدم حاليا بالإعلام البديل و الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي و روادها باقتدار. و له دور جوهري لا يمكن إنكاره في توجيه الرأي العام. صناعة الرأي علم قائم بذاته، و عمليه معقدة جدا لها نظريات و أسس و دراسات معمقة، و لا يمكن أن نعتبر كل شخص له أتباع و معجبيين بشخصية قومية أو بصانع رأي، لأن صناعة الرأي نظام شبكي مترابط، لكن لها أهداف واضحة، و تشبه نظرية المنعكس الشرطي للعالم الروسي إيفان بافلوف، فكل فعل إعلامي بخلفيات سياسية أو اجتماعية بالضرورة له رد فعل جماهيري مدروس مسبقا و معروفة نتائجه، و تستخدم السلطات الحاكمة برعاية المؤسسات الأمنية و الاستخاربتية عادة الدين و علمي النفس و الاجتماع و المؤسسات الإعلامية و شركات الدعاية و العلاقات العامة لرسم حدود مجتمعاتها الفكرية، لأنه لا يمكن التحكم في الجماهير دون معرفة رغباتهم و تصوراتهم، فالأفكار الرشات لصناعة الرأي العام و أردوا من كل شخص أن يعتنقها بإراداته الحرة. مع بروز مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت صناعة الرأي تختصر في كاميرا هاتف نقال، و بث مباشر لصفحات يتابعها الملايين، فحملة أو هشتاع بكلمات معدودة قد يدعو لها شخص غير معروف أو ناشط سياسي أو صحفي أو معارض بالخارج كفيلة أن تجمع مئات الألاف من الناس على كلمة واحدة، و قد تدخل الشك في نفوس رؤساء و حكام دول يمتلكون أسطولا إعلاميا و عسكريا، لكن قد تجد أتباعا لهذه الحملات لا يعرفون دلالاتها السياسية أو التاريخية أو السميولوجية، و يعد هذا أحد سلبيات الإعلام البديل. إن الهدف الأساسي الذي وجدت من أجله صناعة الرأي هو برمجة عقول الشعوب لغايات سياسية بحتة، لكن الأنظمة الديكتاتورية و الشمولية تعتبر صناعة الرأي عكازا تستند عليه لضمان استمرارية وجودها، و جهاز تحكم تسير به شعوبها سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا، و لا يختلف مبدأ و منهجية التنظيمات السياسية و الشخصيات التي تعتمد على المؤسسات الإعلامية الخاصة و وسائل التواصل الاجتماعي لايصال صوتها و لاستقطاب أنصار و معجبيين عن الأنظمة الاستبدادية، و ذلك من خلال حظر الرأي المخالف و استمالة الطبقات المسحوقة و الفئات غير المثقفة و التي لا تمتلك مستوى فكريا و تعليميا يؤهلها لتحليل الرسائل و الاتجاهات الفكرية. و قد تعتبر صفحات التواصل الاجتماعي جنة للإشاعات و الأخبار الكاذبة و وسيلة جديدة لصناعة القطيع، بعد أن كانت حكرا على الأنظمة الحاكمة و مؤسساتها الإعلامية، حسابات و حملات و هشتاغات، قد يتابعها و يتأثر بها الآلاف من الناس تساهم بشكل مباشر في توجيه عقولهم و أفكارهم، و قد حولت وسائل التواصل الكثير من زوارها إلى تابع مسلوب الإرادة، و إلى متلقي سلبي لا يمتلك القدرة على السؤال و البحث، و يكمن خطر صناعة الرأي العام من طرف مواقع التواصل الاجتماعي في كونها منبرا غير خاضع لمعايير أخلاقية أو أيديولوجية، و يمكن لحسابات و همية أن تصنع أزمة من فراغ، و أن تمارس عمليات التشويه و التلميع، و خلق الأعداء و الأنصار، بصفة مجانية و دون أدنى جهد فكري أو عضلي، بعد أن كانت صناعة الرأي العام عملية علمية و إدارية، تشرف عليها مراكز بحث و مؤسسات مختصة، و تصرف عليها الدول و الحكومات أموالا طائلة، أضحت في عصر مواقع التواصل عملية غير مدروسة و مجهولة العواقب، تقف خلفها جهات مجهولة و مشبوهة هدفها استعباد فكري للجماهير و تكريس لمبدأ القطيع في صورة جديدة.

 

بداية الصفحة