أخبار عاجلة

هل أخطأت الدولة بتعويلها على السعودية في 'رؤية مصر 2030' ؟

كتب في : الأربعاء 07 ديسمبر 2016 بقلم : منى مجاهد

النسخة القديمة من إستراتيجية التنمية المستدامة أبرزت المملكة والإمارات في محور السياسة الخارجية لعام 2030

 

شبه القطيعة مع السعودية دليل على "ضيق الرؤية".. ووزارة التخطيط حذفت محوري الأمن القومي والسياسة الداخلية

 

في فبراير الماضي، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي ما سُمي إستراتيجية للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030"، التي أعدتها وزارة التخطيط، لبلورة تصور مستقبلي للبلاد بعد 14 عاما.

 

شملت الرؤية وقتها اثنى عشر محورا رئيسيا، هي الاقتصاد، الطاقة، الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، التعليم، الابتكارات والمعرفة والبحث العلمي، الصحة، الثقافة، العدالة الاجتماعية، البيئة، التنيمة العمرانية، الأمن القومي والسياسة الخارجية، والسياسة الداخلية.

وبدت هذه الخطة كأول محاولة واضحة لنظام السيسي لوضع تصور واضح للبلاد منذ توليه الرئاسة في 2014، لكن بدا أيضا أنه شابها ثغرات وخلل واضح، وتجلى ذلك قويا في محور السياسة الخارجية والأمن القومي.

 

وحددت الإستراتيجية، التي نشورها موقع وزيارة التخطيط، في الجزء الثاني من المحور، 3 أهداف تحت عنوان "بناء محاور ارتكاز مؤثرة خارجية"، وسبق ذلك مقدمة تقول إن "مصر دولة ذات سيادة وقدرات عالمية تحمي مصالحها بالكيفية التي تضمن لها اتخاذ وتنفيذ قراراتها باستقلالية"، من خلال "سياسة خارجية نشطة وفعالة ومتوازنة على المستويات: الدولية، الإقليمية، الثنائية، والمحافل الدولية". وذكرت الإستراتيجية أنها تسعى إلى "التفاعل الإيجابي مع منظامات المجتمع المدني بما يسمح بتحقيق مصالح مصر الخارجية"، وهو هدف تؤكد عليه الحكومة على لسان وزرائها دائما، وإن كانت هناك اتهامات تطال ها بالتضييق على هذه المؤسسات، في حين تلقى تشجيعا من أصوات بتقييم عمل هذه الجمعيات والتقصي حول مصادر تمويلها.

 

لكن النقطة التي ظهر فيها ما يمكن وصفه بقصور رؤية هو الهدف الثاني للإستراتيجية في السياسة الخارجية، وهو "التحرك دوليا وإقليميا من خلال محاور ارتكاز دولية وإقليمية (الصين في آسيا- روسيا في شرق أوروبا- بريطانيا وفرنسا في غرب أوروبا- السعودية والإمارات في الخليج- البرايل والأرجنتين في أمريكا اللاتينية).

ففي المحور الرابع، أبقت الإستراتيحية على العلاقة التي قامت بين الدولة بعد ثورة 30 يونيو 2013 وبين المملكة السعودية والإمارات العربية، وهما الداعمتان القويتان للقاهرة وللسيسي بشكل أساسي قوتها، دون أي طموح لانجاز آخر في هذه المنطقة ينبني على توقعات، بالنظر إلى خطورة الرهان على السعودية والإمارات، لاختلاف القاموس السياسي مع الأولى، إلا في أوقات المصالح التي تبدو أنها مؤقتة، وهو ما ظهر بالفعل بعد ذلك.

 

وتشهد العلاقات بين مصر وبين السعودية حاليا ما يشبه القطيعة، التي مهدت لها خلافات كثيرة، بعضها كان في وقت صدور "رؤية 2030"، لكنها تفاقمت منذ شهرين بعد اعتراض حاد من المملكة على تصويت مصر لمشروع قرار روسي في مجلس الأمن بشأن هدنة في سوريا، تبعه وقف شركة "أرامكو" السعودية للشحنات البترولية التي كان من المقر أن ترسلها إلى مصر في شهري أكتوبر ونوفمبر وفقا لاتفاق تجاري وقع بين البلدين في أثناء زيارة الملك سلمان للقاهرة في أبريل من العام الجاري.

 

وبدا أن العلاقات وصلت إلى ما يشبه القطيعة فعلا عندما زار الرئيس عبد الفتاح السيسي الإمارات منذ أيام للمشاركة في الاحتفال بعيدها الوطني وغادرها في نفس اليوم الذي وصل فيه الملك سلمان، وتحدثت تقارير صحفية عن أن محاولات إماراتية عدة للمصالحة بينهما باءت بالفشل، في ظل ما يتردد عن طلب مصر اعتذار ملكي عن الانتقادات الحادة للقاهرة في وسائل الإعلام، وشعور الرياض بـ"الخديعة" من السيسي.

تتقاطع علاقات مصر مع البلدين الخليجين، ملف سوريا على وجه التحديد، لأن المملكة تنادي وتدعم رحيل بشار الأسد عن السطلة فورا، ومعها الإمارات، في حين لا تعتبر القاهرة ذلك أولوية قبل القضاء على الجماعات المسحلة هناك.

ولم تتطرق الإستراتيجية إلى فتح علاقات أوسع مع دول إقليمية أخرى مثل إيران أو تركيا، أو الهند، أو قطر على الصعيد العربي، أو دولية مثل الولايات المتحدة، لكن في الهدف الثاني أنه يجب "إيجاد ظهير قوي من الدول المتشابهة الفكر مع مصر".

 

وقال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريحات سابقة لـ"اليوم الجديد"، أن رؤية إستراتيجية 2030 للعلاقات الخارجية لمصر لا تتمتع بالرحابة، موضحا أن من وضعها اعتمد على الأوزان النسبية للقوى الدولية حاليا، دون استشراف للتغيرات التي ستحدث في المستقبل بعد 14 سنة من الآن.

 

 

التغيرات التي يتحدث عنها هريدي حدثت بالفعل بعد أشهر وليس بعد 14 عاما، وإن كانت متوقعة في الأساس، ليبدو أن سؤال ما موقف "رؤية 2030" من المملكة حاليا بعد الخلافات الحادة مع مصر؟

المفارقة هنا أنه بالرجوع إلى محتوى الإستراتيجية الذي نشرته وزارة التخطيط وقتها أو على الموقع الإلكتروني الذي أعد خصيصا لها، وجدنا أنه جرى استبعاد محوري "السياسية الخارجية والأمن القومي" و"السياسة الداخلية".

 

واقتصرت "الرؤية" حاليا على 10 محاور فقط موزعة على ثلاثة أبعاد، اقتصادي واجتماعي وبيئي، بعد أن كانت تستند في البداية، وفقا لرسم توضيحي على هيئة منزل، على السياسة الداخلية كأساس تحتي من فوقه السياسة الخارجية، ثم حوائط من العشر محاور الأخرى، كما هو واضح في الصورة التي أخذناها من النسخة الإلكترونية القديمة للرؤية.

ومن خلال البحث أيضا، نكتشف أن وزارة التخطيط استبعدت محوري السياسة والخارجية والأمن القومي والسياسة الداخلية بعد نحو 3 أشهر من إطلاق "الرؤية" في فبراير، الأمر الذي لا يؤكد الربط بين الخلافات مع السعودية وبين استبعاد المحور التي ذكرت فيه في الإستراتيجية.

 

وعلى أي حال، يبدو ما حدث، مفيدا للحكومة ولنظام الرئيس السيسي، وإن كان التراجع عن المحورين غريبا، لكن على الأقل لن يكون على الحكومة أن تبرر بقاء اعتقادها بأولوية السعودية وضرورة أن تعول مصر عليها في المستثبل كثيرا.

وحاول "اليوم الجديد" التواصل مع المتحدث الإعلامي باسم وزارة التخطيط، لسؤاله عن التغيير في محاور الإستراتيجية في صيغتها الأولى، لكنه لم يجب على الاتصال، حتى كتابة هذه السطور.

بداية الصفحة