أخبار عاجلة

من وثيقة حماس إلى اتفاق ليبيا.. ضربات سياسية مصرية موجعة

كتب في : الأربعاء 10 مايو 2017 - 12:00 صباحاً بقلم : رضا المغازى الطنطاوى

مصر تورط الحركة رسميا فى المشاركة فى مواجهة الإرهاب الداعشى وخطط التحريض الإخوانية مقابل منحها «الشريعة السياسية»

 

عندما حطت طائرة الرئيس عبد الفتاح السيسى مطار أبو ظبى الدولى امس الماضى، بدت الأجواء وكأن المسرح قد أعد لاجتماع مصرى إماراتى للحصاد أو بالأحرى لإحصاء المكاسب فى ملفين ملغومين، هما حماس وليبيا.

 

لقاء رأس الدولة المصرية بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى العهد ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات، كان وجوبيا فى تلك اللحظة، وبخاصة بعدما تمكنت القاهرة وأبو ظبى من إدارة معركتين، لا ترتبطان فقط بأمن مصر والمنطقة العربية بأثرها، ولكن تنعكس آثارهما السياسية بعنف على الحسابات المعقدة إقليميا ودوليا.

 

زيارة السيسى للإمارات تزامنت أيضًا مع نجاح مصرى فى ملف آخر شديد الحساسية بالنسبة للقاهرة وللخليج أيضًا، وهو حماس.

 

فنظريا، وثيقة السياسات العامة الجديدة لحماس، إنما تمثل تغييرًا جذريا لا ريب فيه بالنسبة لتوجهات وأهداف ومنطلقات حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية.

 

لكن يبقى السؤال، هل الوثيقة الجديدة تكتيك وقتى خادع حددته أطر السياسات الإقليمية والدولية الجديدة، أم أنها تبديل جلد حقيقى للثوابت يقر بالهزيمة، ويرمى لطرح مغاير للحركة فى المشهد العربى والعالمى والإسلامى، يقوم على التعاطى الفاعل المستقل والذاتى لا الذى يعبر عن أجندات أو توجهات دول وأنظمة ما؟

 

الركيزة الأكثر لفتًا للانتباه بالوثيقة، أنها فكت عمليا ورسميا ارتباطها العضوى والفكرى بجماعة الإخوان، وبكونها ذراعها العسكرى والسياسى فى فلسطين.

 

الوثيقة السياسية الجديدة لحماس، خلت من أى إشارة لأى علاقة بالإخوان، وذلك على عكس ما كان عليها بيانها التأسيسى الأول قبل ثلاثين عامًا، الذى وضع بمعرفة مؤسسها الروحى الشيخ أحمد ياسين، حيث تم ذكر الصلة بالتنظيم العالمى لرجال المرشد فى 6 مناسبات صريحة، لعل أبرزها فى باب التعريف بالحركة، المادة الثانية: «حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين. وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمى، وهى (الإخوان) كبرى الحركات الإسلامية فى العصر الحديث، وتمتاز بالفهم العميق، والتصور الدقيق والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية فى شتى مجالات الحياة، فى التصور والاعتقاد، فى السياسة والاقتصاد، فى التربية والاجتماع، فى القضاء والحكم، فى الدعوة والتعليم، فى الفن والإعلام، فى الغيب والشهادة، وفى باقى مجالات الحياة».

 

العلاقة والصلة التنظيمية الواضحة بالإخوان، انتفت تمامًا فى وثيقة السياسات الحمساوية الجديدة.. بل إن الأخيرة تضمنت فقرة مطمئنة ولو ظاهريا لنية جديدة للحركة لعدم الاستمرار فى دور الجماعات الوظيفية التى تدير معارك بالوكالة لصالح فصائل وأنظمة حكم فى بلدان أخرى، على غرار ما فعلته قبلًا لصالح الإخوان وقطر وربما تركيا أو إيران، فى مصر أو فى غيرها، حيث جاء بصيغة واضحة لا تحتمل التأويل فى البند السابع والثلاثين:

«تؤمن حماس بالتعاون مع جميع الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطينى، وترفض التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، كما ترفض الدخول فى النزاعات والصراعات بينها. وتتبنى حماس سياسة الانفتاح على مختلف دول العالم، وخاصة العربية والإسلامية؛ وتسعى إلى بناء علاقات متوازنة، يكون معيارُها الجمعَ بين متطلبات القضية الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطينى، وبين مصلحةِ الأمَّة ونهضتها وأمنها».

ربما، وعلى الأرجح تطمئن حماس مصر، بحثًا عن إعادة التناغم التام مع بلاد النيل سياسيا وأمنيا، بعد سنوات من الشد والجذب وعمل الحركة فى معية الأجندة الإخوانية، ناهيك بالأصابع والبصمات الكثيرة التى رصدت لها فى فورة الإرهاب بأرض الكنانة، وبالأخص فى سيناء.

وتسعى حماس منذ عامين لإعادة الوفاق مع القاهرة، وخلال تلك المدة زار وفدان سياسيان رفيعا المستوى مصر، والتقيا مسؤولين أمنيين ومخابراتيين لحل القضايا العالقة، وكان أبرزها التوقف عن دعم الإرهاب الداعشى وغير الداعشى فى سيناء، وفك الارتباط العضوى والاستراتيجى بالإخوان، ما أثمر فى النهاية عن إجراءات حمساوية تراجعت بها عمليا عن دعم أنصار بيت المقدس (ولاية سيناء)، بل وبدأت تضرب بيد من حديد لمنع التحاق العناصر المتسربة من عز الدين القسام أو من رموز السلفية الجهادية النشطة بقطاع غزة، بمقاتلى جماعات العنف الدينى بأرض الفيروز.

 

وكان حرص الحركة على القاهرة فى تلك النقطة وفى عدد من المناسبات ملحوظًا، ومن ثم أبدت تجاوبًا غير مسبوق فى هذا الملف، وأقدمت على خطوة لم تكن تفعلها مطلقًا منذ عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، حيث أعلنت فى شبه إخبارية للأمن المصرى عن أن بعض عناصر من كتائب عز الدين القسام، وعلى رأسهما أبو مالك أبو شاويش، قد وصلوا سيناء للانضواء تحت راية الدواعش فيها.

هذا يفسر العداء الكبير الحالى بين دواعش سيناء وحماس، ومحاولات الفريق الأول إشعال معارك جانبية مع حركة المقاومة الإسلامية أو توريطها مع إسرائيل بإلقاء صورايخ عليها عبر أقران بيت المقدس بغزة، ناهيك بالكشف عن هوية القساميين الكثر الموجودين فى شبه الجزيرة المصرية، على أمل ضرب توافق فريق إسماعيل هنية وخالد مشعل مع القاهرة.

 

وعليه دخل أبو هاجر الهاشمى قائد دواعش سيناء الغامض فى تناحر علنى مع حماس، على أثر توقف ما للأخيرة عن دعم الجماعات العنف المسلح المصرية عبر أنفاقها.

فلم يتردد أبو هاجر فى محاولة إحراج حماس بالكشف عن صور وأسماء مقاتلين حمساويين يعملون تحت إمرته بسيناء قتلوا خلال الفترة الماضية على يد الجيش، فى إشارة منه واضحة إلى أنهم دخلوا الأراضى المصرية فى السابق بعلم ومباركة الفصيل الفلسطينى.

 

من جانبها، باتت مصر، وخصوصا فى طبقاتها العليا فى السلطة وأجهزتها المعلوماتية، تفصل بين الإخوان، وذراعها العسكرية المسيطرة على قطاع غزة، حماس، حتى من قبل إعلان الأخيرة لوثيقتها الجديدة، وذلك لاعتبارات الأمن القومى بالنسبة للقاهرة، وكذا أمن حلفائها فى الخليج.

بالأحرى القاهرة تتعامل حاليًا مع الكيان السياسى لحركة المقاومة الفلسطينية، بحسابات الاحتواء، حتى ولو أقرت بتورط الأجنحة المسلحة فيها، بعضها أو كلها، فى الإرهاب النشط على ضفاف النيل.

مصر عادت فى الأغلب إلى استراتيجية ئائب رئيس الجمهورية ورئيس الاستخبارات الأسبق، عمر سليمان، ومفادها تضييق على حماس الإخوانية وحصار كبير لها، مع فتح قنوات اتصالات مع أجنحتها الأمنية والسياسية النافذة، وخصوصا مع تلك التى لا تلعب وفق المعسكر المناوئ للقاهرة، سواء فى الدوحة أو أنقرة، أو فى غيرهما كطهران.

 

على ذكر طهران، فإن الأخيرة لم تمل من محالات احتواء دعم أجنحة حمساية كمحمود الزهار لتظل لبلد الملالى رسل فى بقعة حيوية بالعالم العربى السنى، ومن ثم لعبت الرياض، العدو الأول لدولة الفقيه، وكذا الإمارات، على إتمام محادثات التقارب بين الحركة والقاهرة، على أمل أن تنجح الأخيرة فى فرملة هرولة الفصيل الفلسطينى نحو إيران، وهو ما بدا وقد تحقق فى الأخير.

القاهرة تريد تسكين الملف الفلسطينى على طريق الاستقرار، ومن ثم استعادة الهدوء على الحدود الشرقية لمصر.

 

على هذا النحو، لا تفاهمات بغير حماس، وإذا كانت هناك أجنجة فى الحركة تعادى القاهرة، فإن فيها نوافذ قابلة لـ«الترويض».

 

وتحركت القاهرة منذ فترة، وبتنسيق مع باقى الرباعية العربية التى تشمل إلى جانبها كل من السعودية والأردن والإمارات، من أجل حل ملفات التناحرات الفلسطينية الداخلية، سواء على مستوى حركة فتح ومنظمة التحرير (صراع أبو مازن - دحلان)، أو على مستوى فتح وحماس.

 

مصر تريدها صفرًا كبيرًا فى الخلافات الفلسلطينية الداخلية، ومن ثم يمكن تحريك عجلة مفاوضات السلام المجمدة مع إسرائيل، وبالأخص فى ظل تحمس الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى يستعد لزيارة المنطقة آخر الشهر، بما يمنح العمق المصرى نوعًا من الاستقرار بعيدًا عن أحاسيس التربص، جراء عدم «ترويض» حماس على وجه التحديد، وبالمرة تجنيب البلاد ويلات شدة الأعصاب جراء حرائق الجوار، أو حتى رغبة فى عدم الاضطرار إلى التدخل العلنى أمنيًا أو سياسيًا فى الشأن الفلسطينى لضبط الأجواء واستعادة الزمام على مشارف سيناء الملتهبة بنيران المواجهة العصيبة مع الإرهاب الداعشى.

 

وجود قيادات مرنة وقابلة لصناعة الصفقات فى فتح ومنظمة التحرير (ولو كانت لا تتولى مناصب رسمية فيهما حاليًا) كمحمد دحلان مهمة لمصر.. ذراعه نافذة إعلاميا وماليا بالمنطقة، ولديه كلمة على قيادات عسكرية فتحوية كانت يومًا على رأس كتائب الأقصى قبل حلها، إلى جانب قدرته على جذب مؤيدين بين عموم الفلسطينيين، ودرايته الكبيرة بالأوضاع كافة فى غزة، على أساس أنه وقبل أن يختطف القطاع من الحمساويين فى انقلاب دموى فى العام 2007، كان يشغل موقع رئيس الأمن الوقائى فيه.

 

خلال العامين الماضى والجارى تعددت زيارات دحلان للقاهرة تحت غطاءات إعلامية، بينما لم تتردد السلطات المصرية، ممثلة فى أجهزتها السيادية فى فتح أبواب شتى لتلطيف الأجواء مع حماس، حتى ولو كانت وزارة الداخلية مصرة على تورط كوادرها فى عمليات الدم السائل على الأرض.

 

على ما يبدو أن مصر تمكنت من صنع توافقات، بين حماس ودحلان، أو كلاهما توافقا، ومصر لم تمانع.

 

مصر تريدها متلاحمة فى فلسطين، ومن ثم لا تبقى حماس شوكة فى ظهرها عبر قطاع غزة.

 

مصر تريد مصالحة، ومن ثم انتخابات تشريعية وشراكة جديدة فى الحكم، بين حماس وفتح.. ساعتها ستصبح الأولى أحد مكونات فلسطين الشاملة، لا فصيل نافر غير مرود وممزق بين أجندات عدة، منها القطرية والتركية المتحفزة ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى.

يبدو أن حماس لم تمانع.. وبواسطة مصرية أفرجت عن قيادات فتحوية محسوبة على دحلان كانت فى سجون القطاع منذ نحو 9 سنوات.. القاهرة ردت الجميل بتسهيلات غير مسبوقة منذ سنوات بعيدة بخصوص معبر رفح.. بابه لم يعد يوصد طويلًا لا أمام سكان القطاع، ولا حتى فى وجه قادة الحركة.

 

كوادر حمساوية شابة وأمنية فى قبضة الأمن المصرية، قد ترى طريق العودة إلى القطاع قريبًا.

ربما مصر ممتنة لإعادة هيكلة حماس وعودة الأسماء المناوئة إلى الخلف خطوات.. الإزاحة الحتمية واللائحية لخالد مشعل من فوق كرسى رئيس المكتب السياسى، أرفع مناصب الحركة، واستبداله على الأرجح بإسماعيل هنية، إنما هى إشارات تلقى استحسان القاهرة.. فك الارتباط الحمساوى مع الإخوان هدية ستكون مقبولة حتمًا من قبل الأخيرة.

إعلان حماس فك الارتباط بالإخوان، من قلب قطر، وحتى لو كان ذلك برضا من جانب نظام الأمير المدلل تميم، فإنه فى حد ذاته انتصار سياسى ومعنوى للقاهرة على الدوحة.

 

سبب آخر مهم لحماس ربما دفعها لفك الارتباط بالإخوان، وهو مغازلة إدارة الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب، فى ظل الحديث عن نيتها تحريك ملف السلام قريبًا عبر لقاء قمة يجمع زعماء عرب ذى شأن بالقضية.

 

فك الارتباط بالإخوان، على الأقل نظريا، بدأ منذ فترة، بإزالة شعارات حسن البنا والجماعة وصور رموز الإخوان ومرسى، من ميادين غزة، ثم التعاون الأمنى مع القاهرة لضبط الحدود مع سيناء، وقبلها وبعدها، تنحية رجال المشروعات الملونة، وبخاصة أصحاب الهوى الإيرانى المؤمن بفقه الجماعات الوظفية التى تعمل كشوكة فى الظهر تحت الطلب لمن يدفع أو حتى لم يدعم الهوى الإيديولوجى، كمحمود الزهار، عن القيادة العليا.

 

اقتراب إسماعيل هنية من خلافة مشعل فى حكم حماس، اختيار ذكى بالنسبة لهدف احتواء القوى والدول المؤثرة، وفى مقدمتها مصر.

 

وبعيدًا عن نقطة الإخوان، بدا التحول الحمساوى فى وثيقة الحركة الجديدة، بقبول دولة فسطينية، ولو بشكل مؤقت، فى حدود الرابع من يونيو 1967، مع التخلى عن هدف تدمير إسرائيل.

 

صحيح أن الحركة، حافظت فى وثيقتها على عدم الاعتراف بإسرائيل، وبتمسكها بحق عودة اللاجئين، وأن حدود فلسطين التاريخية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، بما فيها الأراضى الواقعة حاليًا تحت سيادة تل أبيب، فضلًا عن التمسك بسلاح المقاومة، وبرفض اتفاقية أوسلو وما ترتب عليها، إلا أن قبول دولة فى حدود 67 لا يعنى سوى أنها تبدى مرونة نحو التعاطى السياسى لا العسكرى مع القضية الفلسطينية، وهو هدف مصرى خليجى لضبط المنطقة دون تكلفة مريرة.

بداية الصفحة