كتاب وآراء

أخلاق الفرد وتأثيرها على نفسه وعلى مجتمعه

كتب في : الأحد 02 ديسمبر 2018 - 9:10 مساءً بقلم : محمد عبد الواجد

 




ما هو الخُلق ؟
 

الخُلق هو حال للنفس داعيةُ إلى أفعالها من غير فكرٍ ولا روِّية، كما قال ابن مسكويه.

بمعنى أن صاحب الخلق إرادته تابعة لخُلقه، والفعل تحت طوع الخُلق.

فعلى سبيل المثال؛ أحد الجيران يشتعل بيته، فنجد أنَّ جاره الذى كان يجلس فى نفس اللحظة -يتناول الطعام مع أطفاله- يقوم مُسرعًا ملهوفًا لنجدة جاره بدون تفكير فى أى شئ غير ذلك. يُسيطر على إرادته أن نجدة جاره هو الفعل المُسيطر والمهيمن فى هذه اللحظة وليس الجلوس مع أطفاله.

ونحن-البشر- نلحظ الأخلاق بآثارها الخارجية على أصحابها، ففى المثال السابق نستطيع أن نقول أن هذا الرجل مُتخلق بخلقٍ نجدة الملهوف، ونستطيع أيضًا أن نقول أنه صاحب خلق حسن بالمعنى الخاص، و هو إنسان خلوق بالمعنى العام.

 


ونستطيع التمييز أيضًا بين الخلق الحسن والخلق السئ.

فهذا واحد آخر لديه محل تُجارىّ ولديه عمال مساعدون بالمحل، وجل تعامله معهم يكون بالفظاظة والغلظة واللؤم.

ولذلك نستطيع الحكم عليه بأنه رجل فظ، غليظ، لئيم.

وأنه كذلك صاحب أخلاق سيئة.
 


فالأخلاق كالنبع الذى يروى النباتات، فإن كان نبعًا صافيًا زلال؛ كانت النباتات يانعة صالحة جميلة المظهر، وإن كان النبع عكرًا فاسدًا مُلوّثًا؛ لرأينا نباتات صفراء فاسدة .

فالأخلاق إنعكاس للنفس البشرية.
 


ولأن الإنسان العاقل محب لكل ما هو خير وجميل وحسن؛ يسعى دائمًا لتنقية نفسه مما انطبعت عليها من أخلاق سيئة.

فهو كما ينقى ثوبه من الأدران والأوساخ، ينقى نفسه مما انطبع عليها من موبقات ورذائل.

لأنه يريد أن يكون سعيدًا بنفسه كما هو سعيدًا بجسده المنتصب القامة عن سائر الكائنات.
 


تأثير أخلاق الفرد على صاحبها والمجتمع
 

والأخلاق منها ما يترسَّخ بالنفس حد الثبات، ومنها ما هو مؤقت لم تُتَحْ لها الفترة اللازمة حتى تتمكن بالنفس وتكون صفة راسخة.

فإن كانت هذه الصفات الراسخة حسنة؛ فأنعم بها وأكرم لصاحبها ومن حوله.

وإن كانت سيئة فبئس لصاحب الخلق ومن حوله.
 


فالأخلاق لها انعكاسان أحدهما خاص والثانى عام؛ فهى تنعكس على صاحبها وتُكون شخصيته بشكل خاص، كما أنها أيضًا تنعكس على المجتمع ككل؛ فصاحب الخلق هذا يتعامل مع غيره فى الشركة، فى المصنع، فى المدرسة، فى المستشفى … إلى آخره.

فلنتخيل سويًا ماذا سيحدث لشركة ما فى بلد ما إذا كان مديرها طيب الخلق، عطوف، مُقدِّر لمجهود موظفيه ؟

وماذا سيحدث لهذه الشركة إن كان مديرها سئ الخلق ومقدر لمجهود موظفيه ؟!

لا شك أننا أدركنا أن الأخلاق تأثيرها لا يرتبط بالفرد وحده بل بمن حوله ومحيطه أيضًا.

والفرد الخلوق نواة لمجتمع صاحب أخلاق قويمة.
 


ولنضرب مثلًا على تأثير الأخلاق الفردية على المجتمع؛ ففى إحدى الدول الغربية حدث أن انقطعت الإضاءة عن المدينة بأكملها، ويذكر صاحب مطعم فخم أنَّ مطعمه كان مزدحمًا فى تلك الليلة بالعُملاء ولِيُفَاجأ صاحب المطعم بعد عودة الإضاءة للمدينة ولمطعمه بأن جميع العملاء قد تركوا المطعم جميعًا دون أن يحاسبوا على ثمن وجباتهم !!

فالأخلاق إن لم تكن حاكمة فى مجتمع، لرأينا أكثر المجتمعات تقدمًا علميًا تُقاسى الويلات بسبب انعدام الأخلاق.
 


وكما أن النبتة تُراع وتتابع حتى نحصل على أجود الثمر، فكذلك الخلق الحسن يحتاج أن يُراع ويتابع حتى يتمكن فى النفس وتحصل السعادة الفردية لصاحب الخلق، وكذلك السعادة والنفع لمجتمعه بمشاركته النافعة.
 


التكرار والأخلاق
 

ومتابعة الأخلاق الحسنة وغرسها بالنفس، ونبذ الأخلاق السيئة تحتاج إلى إخلاص وصبر دؤوب.

فالإنسان عندما يبدأ الكذبة يُطلق عليها مسميات من شأنها أن تخفى حقيقة خلق الكذب السيئة، فيطلق مثلًا لفظ “كذبة بيضاء” يبرر لنفسه أنه لا يفعل شيئًا مشينًا، ثم يستمر ويستمر حتى يصبح الكذب صفة راسخة فى نفسه.

فكذلك الخلق القويم الحسن بالضبط.
 


عندما يبدأ الإنسان بمعالجة خلقه السيئ كالبخل مثلًا؛ فإنه يبدأ بالضغط على نفسه لأنه يخالفها فيعطى ولو القليل، ثم يعطى، ويعطى حتى يبدأ بالتحلى بصفة الكرم.
 


فالأخلاق الحسنة تُرَقِّى الإنسان وتُعلى من قدره وترفعه إلى كماله حتى يستحق بذلك خلافة الإله الحكيم فى الأرض.

والأخلاق الحسنة هى الكاشفة دائمًا إلى طريق الحقيقة.

بداية الصفحة