ثقافه وفنون

'يوم للستات'.. أحلام الغلابة في حمام السباحة

كتب في : الأربعاء 23 نوفمبر 2016 بقلم : سالى سامى

تخيل أن يدخل فى حياتك عنصر جديد لن تستطيع الاستغناء عنه بعد ذلك، وسيصبح هذا العنصر هو كل ما تعتمد عليه لتستكمل مسيرتك فى الحياة، هذا هو الحال مع حمام السباحة فى فيلم كاملة أبو ذكرى «يوم للستات» الذى افتتح الدورة الـ38 من مهرجان القاهرة السينمائى منذ أيام، فالحياة فى حارة الفيلم مختلفة صادمة غير واقعية، وحمام السباحة هو عمودها الفقرى وكل شىء يبدأ وينتهى عنده.

الفيلم يبدأ بمشهد لعدد من الشباب فرحين بافتتاح حمام سباحة فى مركز الشباب، يتبعه اختراق عزة أو زوزا (ناهد السباعى) للجموع وتقفز فى حمام السباحة، وقد تخلت عن بنطالها، الإشارة الهامة الأولى التى ترسم تفاصيل الحارة الغريبة التى يتكاتف كل سكانها معًا لمواجهة الفقر وتردى الخدمات، بركة الماء الآسن التى تحتل منتصف الحارة وتجبر القادم والغادى على اختراقها باستخدام أحجار بارزة وضعت خصيصا كوسيلة لتفادى الخوض فى المياه العكرة التى يلعب فيها الأطفال، الحارة التى على الرغم من فقرها الظاهر والواضح لا يغلب رجالها فى توفير المال اللازم للمكيفات والخمور، جميع الشبابيك والأبواب مفتوحة لا حواجز ولا حدود بين سكانها وحتى لا يخجل سكانها من تعرية مشاعرهم الدفينة أمام بعضهم البعض بكل أريحيه، وأصبح حمام السباحة فى حياتهم شيئا أساسيا ويوم الأحد المخصص للسيدات أكثر خصوصية وفرصة للعلاج والنقاهة.

 

الفيلم شاعرى يستخدم صورة نانسى عبد الفتاح وموسيقى تامر كروان التصويرية فى التعبير على حساب حوار هناء عطية، لذلك لن تخلو المشاهد المتتابعة من الموسيقى التى تعد مفتاحا أساسيا فى الفيلم وأداة مساعدة فى تضخيم وتوصيل الإحساس بالشخصيات وانفعالاتها المتقلبة دونها سيبدو أداء الممثلين ناقصًا ونفس الشىء يمكن تطبيقه على التصوير خصوصا فى المشاهد التى تم تصويرها تحت الماء فى حمام السباحة، التى كانت تخدم فقط التأكيد على حالة الضغط والكبت التى تعانى منها المرأة المصرية، والتى خرجت بها كاملة أبو ذكرى من إطار ما يصطلح على تسميته السيطرة الذكورية لأبعاد أوسع متخطية ما أصبح «كلاشيه» لما له علاقة بالقيود القادمة من المجتمع نفسه الذى أصبح يحتفى جيله الجديد بقطعة من الملابس الداخلية النسائية وجدها شاب صدفة فى مكان خلع الملابس المجاور لحمام السباحة والتى قامت بسببها مشاجرة كبيرة فى الحارة كمثال فى إسقاط مباشر على الكبت الجنسى الذى يتسبب فى ممارسات تؤدى فى النهاية لاحتقار المرأة وكما الحال فى مشهد محاولة الشخصية التى يقدمها أحمد الفيشاوى فى الفيلم مراودة عزة عن نفسها وعندما ترفض يتهمها ويشنع بسمعتها فى الحارة، وشخصية على نفسها تمثل قيدا مجتمعيا آخر على المرأة قادم من الفكر الدينى المتشدد والتيارات الفكرية السلفية ونظرتها الدونية للمرأة.

 

على الرغم من أهمية عنصرى الصورة والموسيقى فى الفيلم فإنهما يكتملان بالأداء التمثيلى لأبطاله، حيث قدمت تلك الأشياء مجتمعة أداء مميزا كل بطريقته وعلى اختلاف خبرته على الرغم من التحديات التى واجهت كل شخصية، فمثلا شخصية ليلى (نيللى كريم) قليلة الكلام والسبب يرجع لغرق زوجها وابنها فى حادثة العبارة الشهيرة، حالة من الاستسلام والرغبة فى الموت والتقشف تحيط بالشخصية ودون الحوار يصبح الأمر على عاتق نيللى أن تقدم أداء تمثيليا يعوض هذا الفارق لصالح الشخصية وصل ذروته فى مشهد نزولها للمرة الأولى حمام السباحة الذى تعرضت فيه للغرق بعد أن شاهدت شبح ابنها، فى المقابل صديقتها المقربة شامية (إلهام شاهين) المقبلة على الحياة التى تعمل كموديل رسم منذ سنوات مراهقتها الأولى، الشخصيتان كلتاهما على النقيض، على الرغم من صلة صداقتهما القوية، الشخصيتان أفردت لهما نصف الفيلم كاملا تقريبا فى العرض وتعريف المشاهدين بتفاصيل حياتهما، وأخرت الحديث عن حب كل منهما القديم المتمثل فى بهجت (إياد نصار) بالنسبة للأولى، والثانية أحمد (محمود حميدة)، الأمر الذى أثر بشدة على إيقاع النصف الأول من الفيلم، فالتركيز على ليلى وشامية ومعهما بالتوازى عزة استهلك وقتًا طويلًا على الشاشة وتسبب فى حالة من التشبع فى تلقى مفردات كل شخصية ولم يفلح وجود شخصيات أخرى مثل مدربة السباحة فى يوم السيدات (هالة صدقى) أو شيماء سيف جارتهم بالحارة، ووالدة أحمد الفنانة الكبيرة رجاء حسين فى كسر حالة الملل فى نصف الفيلم الأول على الرغم من أدائهم الجيد لشخصياتهم وحضورهم المميز على صغر مساحة أدوارهم، الأمر الذى تحسن كثيرًا فى النصف الثانى من الفيلم بداية من مشهد السهرة الذى يجمع العاشقين أحمد وبهجت ليضفى حوارهما بعدًا إنسانيا ليس على كل منهما -بعد أن ظلا تماثيل من شمع فى النصف الأول لا نعرف أهمية وجودهما فى شريط الفيلم- ولكن على حبيبتيهما شامية وليلى أيضًا.

 

النصف الثانى من الفيلم لم يخلُ من المشكلات أيضًا، فمصير علاقة عزة وإبراهيم مجهول، اختفى العاشق الثالث فجأة، ومصير أخو ليلى الذى خرج من الحارة ولم يعد دون أن نعرف اسمه أيضًا مجهول وذلك على الرغم من ثراء الخطين الدراميين لكل شخصية منهم لكن التركيز عليهم ضاع وسط المساحة الضخمة المنتصرة للبطولة النسائية فى النصف الأول من الفيلم، لكن هذا لا يمنع أننا أمام تجربة مميزة تحمل الكثير من المشاعر والكثير من الإسقاطات المفتوحة على مجتمع يعانى من مشكلات نفسية وازدواجية شديدة تؤثر على صحته وعلى وضع المرأة فيه بشكل عام، ولا يمكن تجاهل رؤية كاملة أبو ذكرى فى الفيلم ككل التى إن شابها بعض المشاكل فإن الفيلم فى النهاية مهم ويعرض وجهة نظر من زاوية مختلفة مدعومة بكم هائل من المشاعر التى ستوثر فى الجميع بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف على جودة الفيلم.

بداية الصفحة