عالم

قصة أول فتاة تطير من إريرتيا لإثيوبيا بعد أعوام من الانفصال

كتب في : الأربعاء 18 يوليو 2018 - 12:32 صباحاً بقلم : أشرف عبد المولى

في 1991، نالت إريتريا استقلالها عن إثيوبيا، عام سبقته سنوات من الدم والدموع سقط خلالها قتلى من الطرفين في حصيلة كانت من بين الأعلى في صراعات أفريقيا.

 

وبينما كانت إثيوبيا تحتفل بسنوات ما بعد الحرب والاستقلال، كانت إحدى الأسر الإريترية التي تسكن إقليما على الحدود مع إثيوبيا تحتفل بمولودتها هيوان، أي حواء في اللغة العربية.

 

ولم تمض سنوات كثيرة على ميلاد الدولة الإريترية وهيوان، حتى اندلع صراع حدودي بين إثيوبيا وإريتريا، صراع أضاف آلاف الأسر في البلدين، إلى قائمة القتلى والمشردين والمختفين.

 

أسرة هيوان المكونة من أخ وأخت، بالإضافة لوالديها، كانت إحدى ضحايا هذا الصراع. هيوان وشقيقتها كانا رفقة والدهما عندما ألقت قوة تابعة لإريتريا القبض عليه، فيما بقيت شقيقتها ووالدتها ضمن حدود إثيوبيا.

 

انفصال استمر لأكثر من 20 عاما، هي عمر القطيعة بين البلدين. سنوات كبرت خلالها هيوان وتزوجت وأنجبت دون أن تتمكن من احتضان شقيقتها في فرحها ووجعها طيلة هذه السنوات، فقط وسائل التواصل الاجتماعي وفرت للأختين فرصة لقاء افتراضي يخلو من حميمية اللقاء المباشر.

صفحة جديدة

 

الآن قرر الساسة في إريتريا وإثيوبيا وضع خلافاتهم جانبا، وفتح صفحة جديدة برغبة منهم ودعم من الأشقاء، كدولة الإمارات العربية المتحدة، التي ساهمت في إنجاح مسيرة السلام بين البلدين.

 

وقرر ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، أن يقتسم فرحة عيد الفطر مع الإثيوبيين، عندما زار أديس أبابا يوم العيد، للقاء رئيس وزرائها آبي أحمد. زيارة أسست لاحقا لهذه المصالحة التاريخية.

 

وبعد هذه المتغيرات، كانت هيوان ترصد المشهد عن كثب. عندما وصل آبي أحمد إلى أسمرة لإنهاء هذه القطيعة، كانت الشابة تجوب وكالات السفر بحثا عن تذكرة سفر.

 

وبينما كان الساسة في القصر الرئاسي في أسمرة يوقعون إعلان المصالحة ويبتسمون أمام الكاميرات، كان موظف مكتب الحجز التابع لشركة طيران فلاي دبي يقوم بتحرير تذكرة سفر هيوان.

 

للمرة الثانية تظهر دولة الإمارات في الصورة، أية مصادفة هذه، التي تجعل هذا البلد حاضرا في كل مناسبة وفعل إنساني. وبالتزامن مع إنجاز القادة في البلدين المصالحة، كانت هيوان قد أنهت حزم أمتعتها.

 

وفي الوقت الذي كانت عجلات طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي تصدر صريرا وهي تسرع على مدرج مطار أسمرة، كان آبي أحمد يلقي نظرة الوداع على إريتريا من النافذة.

 

ولم يتمكن آبي أحمد من رؤية السيارة التي تقل هيوان إلى المطار، ولو أتيحت له هذه الفرصة، لما تأخر في اصطحابها، فقد كانا يقصدان الوجهة نفسها.

 

كان فريق العمل في "سكاي نيوز عربية"، يحزم أمتعته في تلك اللحظة بعد تغطية حدث تاريخي أنهى نزاعا عمره نحو عقدين بين إريتريا وإثيوبيا.

على متن الطائرة

 

وصل فريق "سكاي نيوز عربية" إلى مطار أسمرة، وكانت سماء إريتريا تدمع بغزارة وكأنها فرحة هي الأخرى بما حدث. وفي صالة المغادرة، كان عدد المسافرين لا يتجاوز 13 شخصا، هم كل من سيستقل طائرة "فلاي دبي" المتجهة إلى دولة الإمارات.

 

وفي إحدى زوايا صالة المغادرة، كانت شابة تجلس وحيدة، لا تتحدث إلى أحد، تضع سماعات في أذنيها تجعلها منفصلة عن العالم حولها، لكنها بالتأكيد متصلة بعالم آخر خاص بها.

 

مررت أمامها في طريقي نحو غرفة التدخين، رمقتني بنظرة شعرت فيها توترا وحماسا وترقب. من خلف زجاج الغرفة الممتلئة بالدخان، كنت لاأزال قادرا على شم رائحة القصة وراء هذه الفتاة. فحاسة الشم الصحفية عندي قوية.

 

ومع نداء مكبر الصوت على المسافرين بالتوجه نحو البوابة، لا أعرف ما الحاجة لمكبر الصوت فلم نكن كثر ولم يكن هناك مسافرون آخرون، اصطف الجميع للصعود إلى الطائرة.

 

وحينها، تعمدت التلكؤ حتى أكون قرب الفتاة. وبدأت أمارس فضولي المعتاد. صعدنا الطائرة فاكتشفت أن مقاعد كثيرة تفصلنا عن بعضنا، لم أفقد الأمل في الوصول إليها، فقد كانت جميع المقاعد خالية على كل حال، وأمامنا ساعات قبل الوصول إلى دبي.

 

وطلب طاقم الطائرة من الركاب الاعتدال في جلستهم حتى تنطلق الطائرة، ربما كنت الوحيد الذي لا يحتاج إلى هذا النداء، فقد كنت مرتفع الرأس كأسد يراقب فريسته.

 

كنت أضع هيوان نصب عيني طوال الوقت، لأن شيئا في داخلي يقول لي أنني على موعد مع قصة مميزة. ولم يمض الكثير من الوقت حتى وجدت هيوان شخصا يجلس إلى جوارها.

 

وبدأت بالأسئلة السهلة والمعتادة لأي فضولي مثلي، لأدرك بعد حوار طويل تفاصيل حكاية هيوان مع الانفصال الطويل عن شقيقتها.

 

هيوان أخيرا في طريقها للقاء أختها والفضل في ذلك يعود بالطبع إلى آبي وأفورقي، ومن خلفهما الشيخ محمد بن زايد.

 

هيوان هي أول من يغادر إريتريا إلى إثيوبيا، ففي هذا اليوم لم تغادر مطار أسمرة سوى طائرة رئيس الوزراء الأثيوبي وطائرة فلاي دبي.

 

لم أندم على شيء في حياتي أكثر من ندمي على عدم وجود تأشيرة سفر صالحة إلى إثيوبيا، أستطيع بها مرافقة هيوان إلى أديس أبابا حتى أكون شاهدا على بقية القصة.

بداية الصفحة