ثقافه وفنون

تنوعت المدارس والفن واحد.. ألعاب الأطفال بريشة الفنانين

كتب في : الاثنين 28 نوفمبر 2022 - 7:51 مساءً بقلم : آية مجاهد

 

تعتبر لوحة «الطفل الباكي» من أشهر اللوحات العالمية التي رسمت للأطفال والتي انتشرت انتشارا واسعا، ورسمها معظم من تعاملوا مع الألوان الزيتية  ينجذب إليها ويتعاطف معها كل من يشاهدها لروعة أدائها وقوة تعبيرها،  الفنان الإيطالي جيوفاني براغولين  - واسمه الأصلي برونو أماديو – هو الذي رسمها عام 1969 واحتفظت بقيمتها وشهرتها الواسعة حتى الآن،  وستظل كذلك. أما قصتها فتقول إن أماديو وهو في مرسمه سمع صوت بكاء متقطع ليرى من الشرفة صبيا يبكي،   فناداه ثم اصطحبه إلى مرسمه وأطعمه ثم رسم له «بورتريه» وقد زاره الصبي عدة مرات كان يحظى فيها برسمه. أخبر كاهن محلي الرسام حينما زاره في بيته بعد أن رأى اللوحة بأن هذا الصبي اسمه دون بونيللو وقد هرب إلى الشوارع بعدما رأى والده يتفحم حتى الموت عندما التهم حريق بيتهم،  وقد نصح الكاهن الرسام بأن يدير ظهره لهذا الصبي إلا أنه تبناه،  وقد بيعت نسخ كثيرة من البورتريه على نطاق واسع في أوروبا وأصبح الرسام ثريا،  وذات يوم فوجئ بحريق يلتهم منزله ومحترفه اتهم فيه الصبي بتعمد إشعال الحريق ليهرب الصبي من البيت ولم يعرف عنه شيئا بعد ذلك،  وارتبطت اللوحة باللعنة،  وأشيع بأن هناك 28 صورة مختلفة تحمل الاسم نفسه«الطفل الباكي». 

 أسوق هذه القصة التي تقفز إلى الذهن حينما نتحدث عن الطفولة والحنين إلى براءتها وجنونها،  صخبها وجمال ألعابها التي تتنوع من بيئة إلى أخرى في ارتباط بالعادات والتقاليد التي تهيمن على تلك البيئة وترتبط بها حيث تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.. وقد اختلفت باختلاف الأجيال وتطورها حتى صارت التكنولوجيا التي سيطرت على كل شيء هي البطل ووصلت إلى حد جعلت معه الطفل يستطيع أن يتبارى مع صديقه الخصم من دون لقائه وجها لوجه، حتى أصبحت تدار وكل شخص في بيته أو بلدته أو دولته لتحقق الحلم الذي كان يسعى إليه المهتمون بأن يكون العالم قرية صغيرة.. إلا أن تلك الألعاب الشعبية كانت تمتاز بالحركة وإعمال العقل للخوض في مساراتها،  كما امتازت بالبساطة من دون تعقيد حتى كان بعضها لا يحتاج إلا إلى بعض الخطوط والمربعات التي يتم الانتقال بينها بالقدم،  وهي ما تعرف بـ«الحجلة». «الحجلة» كانت عنوانا لمجموعة من أعمال الفنانة جاذبية سري التي جذبتها هذه الألعاب - بعد أن عاشتها - لتسجلها في أعمالها الفنية والتي أصبحت رموزا وتاريخا يحكى بالفرشاة واللون، استخدمت منظورا خاصا بكل فتاة من الفتاتين داخل التكوين المحكم وقد طغت على اللوحة الألوان الدافئة. وللفنانة جاذبية سري العديد من الأعمال في هذا الإطار اقتنت مؤسسة الأهرام العديد منها منذ الستينيات من القرن الماضي،  أما لوحة «الطيارة» التي رسمتها عام 1960 وكانت أشهر لوحة رسمتها عن لعب الأطفال،  فتعبر عن طفلة تطلق طائرتها الورقية في الهواء وتبدو هذه الطفلة من حركتها وكأنها تسعى للتحليق معها،  إلا أن أشهر أعمالها لوحة «المراجيح» التي اتسمت بالحركة والدينامية في حبكة التكوين وثراء التلوين،  واتخذت من المراجيح التي تحمل الأطفال وتطير بهم في الهواء ذهابا وإيابا عنصرا رئيسيا لعدد من أعمالها في الستينيات اتسمت بالدينامية والحركة،  كما امتازت بإحكام التكوين وقوة الألوان وصراحتها بما يناسب موضوع العمل المرتبط بالأطفال وحبهم للألعاب المتنوعة. الفنان زهران سلامة الذي اتسمت أعماله بالواقعية من خلال الالتزام بقواعد العمل الفني الأصيلة كالنسب والظل والنور والأبعاد والمنظور اتخذ من الأطفال موضوعا رئيسيا في بعض أعماله؛ فها هو طفل صغير يرتدي قبعة يلهو في مرح وسرور على شاطئ البحر،  وطفلة أخرى من القرية ترتدي الزي الأحمر فرحة بعد حصولها على بضع ثمرات تقبض عليها بيديها تغمر وجهها ابتسامة عريضة.الفنان فريد فاضل أفرد مساحات كبيرة من أعماله للأطفال اتسمت بالحيوية والحركة؛ فرسم لوحة تجمع عدة أطفال بأعمار مختلفة أكبرهم تحمل طفلا وتقف إلى يسارها طفلة تصغرها قليلا في العمر يقف إلى جوارها طفل يرتدون ملابس الفلاحين بألوانها القوية البراقة، استخدم في خلفيتها البيئة الزراعية التي يعيشون فيها والممتدة في العمق يزينها النخيل والبيوت الريفية البسيطة،  كما اقتنص لحظات من الفرحة أثناء لعب الأطفال أمام منازلهم تارة وعلى منحدر يتسابقون من خلال الألعاب الشعبية الشهيرة لديهم تارة أخرى،  وقد رسمهم كوجوه منفردة في لوحات شخصية وشغل الخلفية بالطبيعة الريفية الخلابة، يستكمل فيها المناخ المناسب والذي يعتبر مكملا للعمل. الطفولة كانت الموضوع الأثيري للفنانة زينب السجيني، واشتهرت برسم الأطفال في لحظات لعبهم ومرحهم،  وفي فترات استراحاتهم،  واختارت البنات فقط ليتخذن أماكنهن بين أطر لوحاتها المزدانة بالألوان المبهجة المحيطة بهن،  تقتنص اللحظة المناسبة لتسجلها برؤيتها،  واختارت الطبيعة الخضراء الرحبة لتكون المناخ المحيط بهن.

ولعل أشهر الفنانين الذين تعاملوا مع دنيا الأطفال من خلال ألعابهم وأنشطتهم حتى أصبحت تمثل جل اهتمامهم الفني كانت الفنانة عطية مصطفي، التي تنتمي أعمالها إلى المدرسة الواقعية واشتهرت بهذا النوع من الموضوعات وامتازت بإضفاء الحركة والحيوية التي تميز طبيعة الأطفال،  وكانت تشارك بها في المعارض الجماعية وتقدمها في معارضها الخاصة. الطائرات الورقية واحدة من الأدوات التي تنضم إلى ألعاب الأطفال؛ فقد كانوا يتفننون في صنعها بمزيد من الزخرفة و«الدندشة» والأوراق الملونة وقصاصاتها وهي تصنع من خامات بسيطة تكاد تكون مهملة لكنها في هذا العمل تنشر الحب والبهجة وتجمع الأحباب والأصحاب  ليتابعوا انطلاقها ومسيرتها فترة من الزمن حتى تعود،  وقد رسمها الفنان ممدوح عمار حينما اتجه لرسم قريته، حيث اتخذ مجموعة من الأطفال سطح منزلهم لينطلقوا مع طائراتهم المتنوعة متنافسين في تحليقها لأعلى ارتفاع،  وقد جاءت على ارتفاعات مختلفة. وبالوسائط المتعددة رسم «الفتاة ذات الضفيرة» يخيم الحزن على وجهها في لحظات تأمل وتفكير.


وللفنانة إيمان حكيم صولات وجولات مع الأطفال في لوحاتها منفردين أو في مجموعات من خلال لمساتها اللونية القوية المعبرة عن روح المرح والمغامرة التي يتسم بها الأطفال في ألعابهم المتنوعة؛ فرسمت مريم الصغيرة وهي تحمل أحلامها في زهرية الورد - حملت اللوحة الاسم نفسه – تمسك أذني الزهرية بيديها ويتجه نظرها إلى أسفل نحو فوهتها وكأنها تمتلك شيئا ثمينا يمثل مصباح علاء الدين يحمل العديد من الذكريات التي تسترجعها في فرحة واندهاش، وزينت الخلفية من الورد الأحمر الذي تمم درجات الأزرق في ردائها. أما اللوحة الثانية فهي لطفلة تجلس وتضع أحد كتبها على رجليها تستذكر دروسها امتازت بقوة الألوان وتباينها بين الحارة والباردة  بوعي وتمكن في الأداء مما يميز أعمال الفنانة.الفنان جلال الحسيني بمائياته الأثيرة عبّر عن عالم الأطفال من خلال طبيعتهم التلقائية في حركاتهم والبساطة في تصرفاتهم أثناء اللعب واللهو كما تجمعهم البراءة والمرح والحزن واللهو وحب التطلع والاكتشاف،  وكذلك تمثيل الأحداث حولهم التي يتعايشون معها يوميا في حوارات تحمل لغة غامضة لا يفهمها أحد سواهم،  وقد جاءت تجمعاتهم في لقطات و«كادرات» وتكوينات اتخذها من زاوية خلفهم وكأنه يسترق أكثر اللحظات تعبيرا،  لذلك عبر الحسيني بسلاسة الألوان المائية ورغم صعوبة استخدامها فإنه استطاع بخبرته تطويعها كتقنية وإبراز جمالياتها في تناول متميز لتخدم أفكاره وموضوعاته التعبيرية بأسلوبه الواقعي وتقنياته المتفردة وإحساسه المتدفق.

بداية الصفحة