تقارير

بحيرة البرلس تسترد أنفاسها .. مع بدء تطهيرها

كتب في : الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 - 3:01 مساءً بقلم : المصرية للأخبار

ضفاف ساحرة وخير وفير في بحيرة البرلس، كل هذا الجمال تعرض للتشويه والتلوث بفعل الإهمال في معالجة مشكلات الصرف الصحي والصناعي، وبمرور الوقت استفحلت الأزمة وأثرت فى مستوى البحيرة وكفاءتها وساعد على ذلك عمليات الصيد الجائر والتعدي على الزريعة إلى أن جاءت المبادرة الرئاسية لتعيد روح الجمال من جديد إلى البحيرة، حيث بدأت عملية تطهير موسعة لها مع اتخاذ كافة الإجراءات والخطوات العملية لزيادة الإنتاج من الثروة السمكية مما سيساهم فى توفير فرص عمل كبيرة في البرلس وخلق حالة من الرواج في المنطقة.  

 كنا نخترق الشوارع بسرعة لنصل إلى البحيرة ولم يكن يسابقنا في الطريق شبه الفارغ إلا أشعة الشمس التي بدأت فى الشروق لتمنح المكان جمالا لا يوصف خاصة عندما بدأت تظهر لنا ملامح البحيرة وانعكاس هذه الأشعة الذهبية على مياهها الزرقاء..

الشيخ عبدالنبى عبدالمطلب.. كبير  الصيادين بدأ فى التحرك نحو عمق البحيرة داخل ممر مائى عرضه حوالى خمسين مترا على جانبيه بعض الأشجار الصغيرة التى كانت تلقى بظلالها على الممر وعدد من الأكواخ المعدودة المتناثرة التى يسكنها بعض الصيادين..

 

وقد وصل إلى عمق البحيرة فى دقائق معدودة..

 

المشهد هناك كان عبارة عن المراكب البسيطة بعضها شراعية والأخرى عادية وتعتمد على التجديف، ونحن نقترب منهم قال لنا الشيخ عبدالنبي.. كبير الصيادين هؤلاء مجرد صيادين صغار وبسطاء يبحثون عن لقمة يومهم بيومهم..

 

وكان هناك مركباً صغيراً وبسيطاً يتواجد به شخصان وطفل صغير يحاولون مساعدة بعضهم فى جذب الشبكة من المياه بينما كان الطفل الصغير الذى لم يتعد العشر سنوات يقوم بتحضير الشاى لهم..

 

كان يبدو على وجوههم التعب وملامح الإرهاق إلا أن ابتسامتهم العريضة التى كست وجوههم وهم يرحبون بك ويعرفون من أنت ولماذا جئت إليهم تشعرك أن كل التعب قد ذهب واختفى تماما.

 

مجدى أبوسالم وهو أكبر من كان على المركب سنا ــ حيث يبلغ من العمر 61 عاما ــ يقول: أشعر دائما بالرضا على الرغم من أنى أعول أسرة مكونة من خمسة أفراد وتضم زوجتى وأولادى وبناتى ولهم احتياجاتهم المختلفة ..لكن الحمدلله على كل حال وأبنائى يعملون معى فى مهنة الصيد ويساعدوننى على مواجهة الحياة وظروفها الصعبة حتى زوجتى تساعدنى بقيامها ببيع ما أصطاده من أسماك لكى نستطيع أن نعيش فكل فرد فى أسرتنا لديه إحساس المسئولية كاملة تجاه الكل حتى ابنتى الطفلة فى المرحلة الابتدائية..

 

إن أحوال معظم الصيادين هنا مثل أحوالى ولا تختلف كثيرا..

 

يومي يبدأ عند انتصاف الليل عندما أخرج من بيتى فى منطقة الكوم الأخضر مستقلا المركب ومتعمقا داخل البحيرة قبل أن نبدأ برمى الشباك فى المياه وننتظر رزقنا ولا نغادر البحيرة قبل الساعة الثالثة عصرا.

 

بعدها نتجه إلى أحد الأسواق لكى نبيع الأسماك التي اصطدناها مع الاحتفاظ بكمية بسيطة من الأسماك لأكلها ومع حلول الشتاء يكون الصيد فى البحيرة قليلاً − فكما ترى فنحن لم نصطد غير هذه الكمية القليلة من السمك منذ الواحدة صباحا وعندما يضيق الحال فإننا نذهب من هنا إلى البحر وهناك نعمل بالأجرة على مراكب كبيرة.

لكن راحتي هنا..

الصيد فى البحيرة أكثر متعة من البحر بالرغم أننى أعمل على مركب بسيط لكنه ملكى ويضيف لا أستطيع أن آخذ إجازة حتى يوم واحد لأن رزقنا يوما بيوم، وإذا تقاعسنا أو مرضنا لا نستطيع أن نعيش لذلك فالصيد هو كل حياتنا..

ويشير إلى البحيرة فيقول: قبل تطهيرها كان الصيد فيها محدودا جدا بسبب البوص والحشائش التى كانت تعوق عملية الصيد، ولكن بعد تطهيرها أصبح الصيد بها سهلا والخير فيها وفير..

 

  وعندما تتعمق أكثر فى البحيرة وتقترب من مركب آخر كان يستقله الصياد أيوب الشعيرى 63 عاما − الذى يعمل فى مهنة الصيد منذ خمسين عاما وبصحبته ابنه الصياد الشاب إبراهيم الذى يقول: مهنة الصيد تحتاج إلى الصبر والعزيمة ونحن كصيادين صغار نكسب قوتنا يوما بيوم وعايشين.

يدخل والده في الحوار ويقول: الصيد ساعدنى فى تربية أبنائى وتعليمهم على مقدار الرزق لكنه وبكل صراحة لا يعيننى على تجهيز بناتي.. فالمكسب بسيط يكفى بالكاد الأكل والشرب وغيرها من المصاريف الأساسية.

وإن شاء الله تطهير البحيرة وزيادة إنتاج السمك فيها يوسع دائرة الرزق والخير من وراه .. ونطمع إضافة مع هذه الجهود هو القضاء على بعض المشكلات الأخرى مثل  وجود مافيا الصيادين المخالفين فى البحيرة الذين يقضون على الثروة السمكية من خلال اصطيادهم للزريعة وهذا غير مشروع.

 ويجذب ابنه إبراهيم طرف الحديث مرة أخرى ويقول:  هذه الأيام يكون العائد من السمك المصطاد قليلا فنحن لم نصطد إلا حوالى 4 كيلو من الأسماك وهى كمية قليلة أقوم ببيعها بنفسى ولا أعطيها لتاجر وأبيع كيلو السمك البلطى الوسط بعشرة جنيهات..

حياتى أصبحت مرتبطة بالصيد والبحيرة بشكل كبير ولا نستطيع الاستغناء عنه لأنه مصدر رزقنا الوحيد وأحسست بالأمل عندما تم تطهير البحيرة لأننى أعلم جيدا النفع الذى سوف يعود منها على الجميع..

ويقترب مركب آخر يقوده الصياد معوض المهر ويرحب بنا وما إن علم أننا صحفيون حتى انطلق فى الكلام عن أحواله: أنا صياد ومتزوج ولدىّ أربعة أولاد وأعاني من أمراض القلب وبالرغم من أن المجهود يشكل خطرا على صحتى إلا أنني لن أجلس في المنزل منتظرا من يساعدني.

 

الصيد صنعتي والبحيرة مصدر الدخل..

يواصل المهر كلامه ويقول: ولآخر العمر سأظل أعمل وأعيش هنا ..صحيح أن البحيرة تشهد حاليا عملية تطهير موسعة وبدأنا نشعر بمردود ذلك من زيادة السمك هذا مع العلم أننا فى موسمالزريعة لكن تظل معاناتنا من الصيادين المخالفين، انقلوا شكوانا منهم إلى السادة المسئولين الذين نعلم ونثق فى أنهم لن يتركونا فريسة سهلة للصيادين المخالفين الذين يستخدمون كل السبل والأدوات غير المشروعة للصيد..

مشهد الست المصرية الجدعة والمكافحة التى تقف إلى جوار زوجها وتساعده وتسانده كان حاضرا بقوة ولم يغب عن مكونات المشهد فى بحيرة البرلس..

أم دنيا متزوجه من أحد الصيادين ــ ولديها ثلاث بنات أكبرهن فى الصف الأول الابتدائى والصغرى رضيعة ــ تقول لنا: هموم الحياة وصعابها توجب علىّ مساعدة زوجى فى العمل، إذا كنا نخرج للصيد فى الواحدة صباحا فإن يومى يبدأ قبل يومه بساعات حيث أقوم بتجهيز الطعام والشراب الذى سنأخذه معنا لأننا سنمكث فى المياه فترة طويلة وعندما ننتهى من عملية الصيد تقريبا فى حوالى الساعة الثالثة عصرا أو قبل ذلك بقليل حسب الرزق أضع السمك فى وعاء كبير وأتجه إلى السوق لأبيعه لنشترى طلباتنا بعد ذلك سواء كانت من الخضراوات أو غيرها ثم أعود بعد ذلك لبيتنا.

الشيخ عبدالنبى عبدالمطلب كبير ورئيس الصيادين فى البرلس : يقول أنا أعشق هذه المهنة بل وأغار عليها.. إنها عمر آخر وصل إلى 51 عاما عاصرت فيها كل رؤساء مصر ومن قبلهم الملك فاروق..

وحاليا الرئيس عبدالفتاح السيسى.. هذا الرجل يعرف قيمة وطنه مصر جيدا ولا أقول هذا الكلام مجاملة بل يعرف قيمة ما أقوله من عاصر هذه البحيرة وقد طالتها يد العبث والإهمال قبل أن تبدأ مراحل التطهير لتعود فيها الحياة من جديد، عودة حياة لكل تفاصيل الحياة المرتبطة بالبحيرة.. سيعود الجميع إلى الصيد وستختفى البطالة بإذن الله بل وستكون هناك مشاريع أخرى لكل ولاد مصر.

نحن ندين بالعرفان لمن يزرع شجرة واحدة بالبرلس فما بالك بالرئيس السيسى الإنسان الذى شعر بالصيادين الغلابة .. وكل ما نطلبه الآن هو الحسم وبشدة مع الصيادين المخالفين ومستخدمى مصارف الصرف غير الصحية وبيئية.

 

بداية الصفحة