عالم

أيام ومشاهدات في إريتريا الغامضة (الجزء الأول)

كتب في : الخميس 12 يوليو 2018 - 1:50 صباحاً بقلم : نادر مجاهد

إلى إريتريا، تلك الدولة المميزة، الغامضة أيضا، الواقعة شرقي القارة السمراء، سافر مراسل، رحلة تزامنت مع تطورات سياسية تاريخية، ومشاهدات تنفل لنا أحوال بلد مميز.. ومثير.

 

 "يرن جرس الهاتف، واضعا نهاية لجولة صراع فكري محتدمة بين الحاضر والمستقبل، شاشة الهاتف المهشمة كتجاعيد تسعيني لم تعجز بعد عن كشف هوية المتصل.

 

إنه رئيس التحرير، الوقت حينها تجاوز العام إلى الخاص فهي السابعة مساء، ضغطت على زر الإجابة أملا في الحصول على إجابه، ما القصة؟

 

القصة أن أخبارا تتحدث عن زيارة محتملة لرئيس وزراء إثيوبيا الجديد آبي أحمد إلى إريتريا، هل يمكن أن تسافر للتغطية؟ نعم كانت إجابتي.

 

لم أفكر، لأن آخر مرة زار فيها مسؤول من إثيوبيا جيرانه في إرتيريا كان قبل وقت لا أذكره، لابد أن تكون هذه التغطية مميزة عن عشرات المهام الصحفية التي كنت جزءا منها. فرصة السفر إلى "كوريا أفريقيا" كانت تراودني منذ زمن.

 

لم أنم طيلة الليل، شعرت أن الصباح لن يأتي من كثرة النظر إلى الساعة في انتظار أن انطلق إلى سفارة إرتيريا طلبا لتأشيرة الدخول. بعد ساعات كنت وحقيبتي وتساؤلاتي الكثيرة نهبط مطار أسمرا.

 

بطء إجراءات العبور إلى المجهول بالنسبة لي ولكثيرين أعادني إلى مربع القلق مما ينتظرني على بعد خطوات من بوابات منقوش عليها بحروف لا أفهمها، اللهم إلا عبارة واحدة بالإنجليزية هي التي جعلتني أقف أمام نافذه واحدة دون غيرها، حيث يسمح عبرها فقط بدخول الغرباء مثلي.

 

على يساري اصطف رجال ونساء وأطفال كثر يحملون نفس الملامح، لكنهم يتحدثون لغات شتى. لابد أنهم بعض من نصف تعداد سكان إرتيريا البالغ عددهم مليونين، الذين غزوا العالم بحثا عن الأمان أيام الحرب.

 

وبينما أنا غارق في تتبع مسار هجرة كل واحد من هؤلاء، التقطت أذني الأخرى صوت ينادي اسمي، مرحبا بك في دولة إرتيريا.

 

عبرت كمن استبد به الشوق إلى أهله. صعدت إلى حافلة لا تمت إلى فندق ذي أربع نجوم بصلة، المسافة بين المطار وحيث سأقضي ليلتي ليست بعيدة على أي حال.

 

في الصباح خرجت إلى شوارع نظيفة تزدحم بأجساد نحيلة ووجوه شاحبه لكنها مبتسمة.

 

عند أبواب وزارة الإعلام أخرج رجل رأسه من نافذة لن تتسع له لو كانت أذناه أكبر قليلا، إلى أين؟ سألنا الحارس. إلى السيد باولوص. فأعاد رأسه من حيث جاءت.

 

رفع سماعة الهاتف القديم قدم أزمات هذا البلد، تحدث عبره بلغة لابد أنها أصوات النقوش التي لم أفهمها في المطار. أغلق السماعة فكنا داخل الوزارة.

 

عند المدخل استقبلنا السيد باولوص، بلغة عربية فصيحة، هو أيضا كان له نصيب من التيه في بلاد الغير لكن يبدو أنه لم يبتعد كثيرا عن حدود إرتيريا.

 

رحب بنا ودخلنا إلى مباني الوزارة التي تضم أيضا مبنى التلفزيون، لفتت نظري لوحة كبيرة عليها شعار التلفزيون الإرتيري، وتحتها عبارة بالإنجليزية تقول (Serving The Truth) بمعنى نقدم الحقيقية.

 

هل في هذا البلد يمكن أن ينطق أحد بالحقيقة؟ سألت نفسي شكوكها.

 

باولوص، وجميع من التقيتهم في الوزارة حتى لحظة مغادرتي لها، وأنا أحمل تصريح العمل في هذا البلد العصي على الصحفيين، كانوا حريصين على تقديم كل التسهيلات الممكنة حتى أنجز العمل الذي جئت من أجله".

 

 

بداية الصفحة