كتاب وآراء

100 عام من الغربة ' العربي المهاجر بين عالمين '

كتب في : الأحد 20 مايو 2018 - 1:05 صباحاً بقلم : مصطفى كمال الأمير

هناك مقولة شهيرة من حكيم أفريقيا المناضل الراحل نيلسون مانديلا ” إني أتجول بين عالمين أحدهما ميت والآخر عاجز أن يولد وليس هناك مكان بينهما حتى الآن أريح عليه رأسي ”
هذه الكلمة تلخص ربما حالة المهاجر العربي الي الغرب في رحلة شاقة طويلة وبعيدة عن جذور الوطن الذي يعيش الآن ضياع أحلامه وأحلك أيامه بعد ضربات الارهاب الدولي الأخيرة في اوروبا وأمريكا في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ والتصاقها بالعرب والمسلمين دائماً
من الصعب التحديد بدقة توقيت بدء الهجرة العربية للغرب ولكنها على أية حال بدأت منذ ما يزيد عن مائة عام 
وقد بدأت من بلاد الشام سوريا ولبنان وفلسطين واليمن أيضا
فهاجروا أفرادا وجماعات للبحث عن حياة أفضل واستوطنوا في الأمريكتين شمالا وجنوبا واندمجوا تماما ببلدانهم هناك حتى الجيل السادس منهم وحققوا نجاحات كبيرة هناك حتى أنهم نجحوا في الوصول للرئاسة في بعض البلدان مثال كارلوس منعم في الأرجنتين وعبدالله كرم ورينيه معوض في بيرو و الاكوادور
وأيضا كان هناك مبدعين كالشاعر جبران خليل جبران والمغنية الكولومبية الشهيرة شاكيرا والامريكي الراحل ستيف جوبس المعروف بتطويره للأي فون بشركة أبل الأمريكية وكارلوس غصن رئيس شركة رينو نيسان كبري شركات صناعة السيارات 
وأغني أغنياء العالم حاليا المكسيكي من أصل لبناني كارلوس سليم والمصري محمد الفايد في بريطانيا التي وصل بها جاويد لوزارة الداخلية مع صادق خان عمدة لندن وابوطالب عمدة روتردام مع خديجة غريب رئيسة البرلمان الهولندي 
وآخرون يضيق بهم المقال والمقام
ومن العجيب والغريب أن التوقيت لهجرة العرب الي الغرب كان قد تزامن مع هجرة عكسية لليهود الي اراضي فلسطين المحتلة حاليا 
كأنها كانت دعوة ضمنية مفتوحة معهم لتبادل الأوطان.
أما الموجة الثانية للهجرة فقد بدأت بعد الحاجة للأيدي العاملة الرخيصة لتعمير وبناء أوروبا في مشروع مارشال الامريكي بعد دمار الحرب العالمية هناك  فأتوا بالعمال "الضيوف" من جنوب أوروبا ( اسبانيا وايطاليا واليونان والبرتغال ) 
ومن المغرب وتونس والجزائر وتركيا أيضا من دول المستعمرات الأوروبية السابقة في آسيا وأفريقيا
وهنا قصة تحتاج للتدقيق أنه كان قد طلب من الرئيس جمال عبد الناصر عمالة مصرية ولكنه رفض ذلك تماماً
وربما كان محقا وقتها لأن مصر علي مدار تاريخها لم تكن أبدا طاردة للمهاجرين من ابناءها 
بل جاءت جميع ملل وأجناس الأرض من اليهود مع يوسف الصديق واليونان والأتراك والأرمن والشوام والسودانين والمغاربة والطلاينة الذين أثروا العامية المصرية حتى الآن
ولكن دورة عجلة الزمن دفعت المصري للعمل بالخليج والأردن والعراق وليبيا وحتى الهجرة غربا لأمريكا وأوروبا
عودة لأوروبا الغربية فأنه بعد أن تم تعميرها وبنائها بعد الحرب وتحسن الحال في جنوبها عاد المهاجرون الطلاينة والاسبان والبرتغاليين إلى بلادهم  وتبقي فيها المغاربة والأتراك بثقافتهم ومساجدهم وأسواقهم 
ومن هنا ظهرت التيارات اليمينية العنصرية في كل اوروبا من حركة بيجيدا في ألمانيا وماريان لوبان في فرنسا ويورج هايدر في النمسا ورابطة الشمال في إيطاليا والرابطة الفلمنكية في بلجيكا  (هانس يانمات، بيم فورتن، الصوماليةحيرسي علي وخرتيت فيلدرز في هولندا ) 
ونجحت تلك الأحزاب العنصرية في الوصول إلى الحكم والبرلمان بشعار وحيد هو كراهية الإسلام والمسلمين وموالاة اسرائيل قدس الأقداس لإحساس الأوربيين بعقدة الذنب تجاههم حتي أنهم يمكنهم قبول إنكار وجود الله  لكنهم لا يقبلون مجرد الحديث او التشكيك في محرقة الهولوكوست بعد كراهية هتلر اليميني لليهود فقد سألوه لماذا لم تقتلهم جميعا وننتهي منهم؟؟
فأجابهم لتعلموا لماذا قتلتهم فليس من سمع كمن رأى  وقد رأينا منهم ما يكفي للحكم عليهم.
يظهر الآن سؤال كبير عن مستقبل الهجرة العربية في أوروبا والغرب لأن وضع المهاجرين العرب الآن ليس مثاليا فمثلا في هولندا نسبة المسلمين لعدد السكان يقارب 6% ولكن نسبتهم في السجون تزيد عن 60 % كذلك في فرنسا واسبانيا وايطاليا
وهذا الخلل الكبير يجب علي وزارات الهجرة وعلماء الدين والاجتماع إصلاحه بخطوات عملية
مشكلتنا أننا نتكلم كثيرا ولا نفعل شيئا لتوصيل صوتنا وقوتنا للاستفادة من عشرات الملايين من المسلمين المهاجرين في الغرب
لا سيما في فرنسا التي بها أكبر جالية مسلمة بأوروبا وبريطانيا أيضا من باكستان والهند ودول آسيا وأفريقيا 
ثم ألمانيا التي يتواجد فيها ملايين الأتراك المسلمين واسبانيا وايطاليا 
وبلجيكا التي يتركز فيها وجود مغاربي كبير جدا من أجل تحديد الأفق الجديد للتعاون لتكوين جماعة ضغط علي غرار “الايباك” باجتماع دوري للتشاور وتبادل الرؤى والخبرات وللضغط علي صناع القرار من الساسة خصوصا في بروكسل عاصمة أوروبا الجديدة وقلبها النابض لوجود مقر الناتو والاتحاد الأوروبي بهيئاته.
ولنتفاءل أن أعداد أبناء المهاجرين من الأجيال الجديدة قد بدأت بالتزايد في الجامعات والمعاهد العليا والتميز في مهن راقية مؤثرة وفي مجالات فنية ورياضية أيضا من أشهرهم زين الدين زيدان وغيره الكثير الذين نجحوا في الوصول الي مناصب وزارية مثل رشيدة داتي في فرنسا واحمد أبو طالب في هولندا 
والجدير بالذكر أن العقود الأخيرة قد شهدت هجرة عكسية للعمالة الآسيوية بالملايين إلى دول النفط في الخليج العربي من الهند والفلبين وأحدثت خللا هائلا بالتركيبة السكانية والثقافية والاجتماعية.
العجيب أن أعداد هذه العمالة الآسيوية المستوردة من الخارج يساوي تقريبا أعداد العاطلين عن العمل في الدول العربية
للإيجاز فقد بدأت الهجرة العربية أولا بالأيدي العاملة 
فيما يعرف بهجرة السواعد لبناء اوروبا ثم بالعقول والكفاءات العلمية الجامعية فيما يسمى بهجرة العقول وانتهاء بالأموال والرساميل العربية الهائلة 
التي تدير عجلة الاقتصاد في العالم حاليا وخاصة في أمريكا وأوروبا حتى شراء أندية كرة القدم المفلسة بدون الاستفادة الحقيقية للعرب من حشد خير هذه الموارد والطاقات لخدمة بلادنا الأم
غير أن تكون مجرد محطة كبري للوقود في العالم الجديد 
بعد أن كانت مركز قيادة ومنارة العالم القديم

بداية الصفحة