الأدب

النفــاق التطــوعــى

كتب في : الأحد 28 يناير 2018 - 5:45 مساءً بقلم : محمد عبد الواجد

النفاق أسوأ ما قد يوصف به الإنسان الذي يعتبر خلية في جسد المجتمع ، وانتشار هذا المرض القلبي والنفسي في المجتمع لا يعود إلا بما هو سيء، فينتج مجتمع ضعيف ومفكك، بحيث يخلو من الوئام والثقة فيما بين أفراده .

 

والقوة الاجتماعية في أي تجمع إنساني كنز يصعب إيجاده، حيث تحتاج إلى تربية حكيمة للأجيال منذ صغرها لتستمر وتنمو، فالأجيال التي تعلمت الصدق والمروءة والإخلاص هي أجيال قوية ومحبة للوطن، تسعى لرفعته وتحسينه، وتحارب ضد اللاأخلاقية، وتنبذ كل صفة إجتماعية تمسه بسوء، ومنها النفاق الإجتماعي الذى أصبح شائع في زماننا وهو التصنع والتلون في العلاقات وعدم الوضوح في المواقف والمبادئ والأحاديث والكذب والخداع، وحب الشهرة وطلب المناصب، والصعود على ظهور الآخرين من أجل المصالح الشخصية لغرض الإفساد أو الإنتفاع الشخصي .

 

حيث تحل الأنانية أمام الشعور بالأخرين واحتياجاتهم، فضرورة الوصول للمظاهر والمفاتن والمراكز الإجتماعية جعلت من الكماليات أساسيات، وطغت فيها الماديات على المعنويات، وأصبح الشخص يبحث عن نفسه في عيون مجتمعه، ليصبح بعدها إنسان محكوم عليه بدرجة في سلم اجتماعي يرثه الشخص جيل عن جيل، لاغيًا بذلك تميزه ودوره كفرد في جماعة، وكإنسان ميزه الخالق بإختلافه عن الآخرين، ومن المؤسف أن هذه الظاهرة أصبحت شعبية ومن المسلمات، خاصة مع الانفتاح وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعتبر المنصة الأولى لعرض صور النفاق الإجتماعي .

 

الذى ينتج عنه إختلاف طبقي ونظرة دونية لمن ليسوا مثلهم، والكثير من المظالم، وحرمان الأخرين من حقوقهم، والإبتعاد عن قيم العدل والمساواة، والشعور بالنقص وقلة الثقة لدى الأشخاص الذين لا يمارسون النفاق الإجتماعي، مما يدفعهم للدخول في دوامته والإبتعاد عن الأخلاق والقيم والمبادئ، وإنتشار الحقد والكراهية بين الأفراد نتيجة المقارنات المستمرة، وبحث الناس عن الكماليات والرفاهية دون الاهتمام بالأساسيات، مما يؤثر على الحالة الاقتصادية والراحة النفسية للأفراد، وبالتالي للمجتمع بشكل عام .

 

وتزيد رغبة هؤلاء المنافقين كثيراً لما يحملوه من الرغبة في المبالغة والكذب بلا حدود من خلال ابداء ارائهم بشكل اوسع، على سبيل المثال في مواقع التواصل الاجتماعي وينشغلون ليلاً ونهاراً بسب وشتم وتلفيق الأخبار، وفرحين بما يقومون به، وبعد أن تهدأ الاحداث وتعود المياه الى مجاريها نراهم جميعاً قد رجعوا الى ما كانوا عليه من الهدوء ورفع الشعارات الرنانة ، الديمقراطية ، الحرية ، المساواة ، العدل وحق الشعوب بالعيش في رفاهية وراحة البال .

 

هؤلاء هم منافقون متطوعين يظهرون بين الفترة والآخرى ، وشعارهم هو النفاق التطوعي

و فى النهاية فإن النفاق الإجتماعي عامة الذى وصل إلى اعلى درجاته و هو النفاق التطوعي هو من الظواهر السلبية والآفات الإجتماعية الخطيرة التي تتفشى وتتفاقم في مجتمعنا المصري وتفتك بقيمه ومبادئه وحضارته، لما يتركه من آثار ضارة تدمر ما تبقى لدينا من اخلاقيات .

 

فقد اضحى كل شيء في حياتنا نفاق في نفاق ، نفاق في التعامل، في العلاقات، في الممارسات، في الاخلاق، في الحب، في الصداقات، وفي القبل المصطنعة المتبادلة، اصبحنا نؤمن بالمظهر ونكفر بالجوهر ، نحارب الصدق ونتعاطى الكذب، والكذب هو السائد في هذا الزمن ، واصبحت الغاية تبرر الوسيلة .

 

الغالبية منا تجيد النفاق والمداهنة ، واكثر الناس نفاقاً وتملقاً تراهم يرتادون المساجد ويقفون في الصفوف الامامية ويحجون ويعتمرون اكثر من مرة ..!

 

المأساة هي اننا غارقون في الدجل والرياء والزيف والخداع ومسح الجوخ والولاء الكاذب والسطحية الفارغة ، وتخلينا عن الكثير من قيمنا الانسانية والدينية النبيلة .


ما يجري في مجتمعنا هو امر مؤلم وشيء محزن ومقلق ، فقد خدعتنا المظاهر، وشدتنا المفاتن، واستبدت بالناس الانانية ،واختفت روح الجماعة، وتلاشت المحبة والمودة الخاصة ، وغاب الوفاء، واستشرى حب المال، وبات النفاق امراً طبيعياً، بينما صار الصدق مرفوضاً وعملة نادرة ، ومن يسلك طريق الحق ويتبع الصدق نهجاً في عمله وتعامله وسلوكه وافكاره وقيمه ومبادئه هو انسان غريب وشاذ عن القاعدة وليس من ابناء العصر ..!

 

وأمام هذه الكارثة الأخلاقية الإجتماعية ، وهذا الواقع الإجتماعي البائس المتردي كم نحتاج الى الجرأة والمصداقية والمواجهة العنيدة ومحاربة كل مظاهر النفاق وإجتثاثه من جذوره .

 

وقد آن الآوان لمجتمعنا النهوض من سباته ، بمثقفيه وأكاديمييه، بالتثنوير والتثقيف والتوعية والتنشئة الإجتماعية الصحيحة ، بهدف التخلص من العادات والظواهر الإجتماعية الضارة التي تفتك به وتهدد مستقبله ، والعمل على بناء حياة مدنية عصرية على أسس جديدة يحكمه العقل والتفكير العلمي وقائمة على الصدق والنقاء والقيم الأخلاقية الحضارية والتعاليم الدينية الحقيقية .

بداية الصفحة