أخبار عاجلة

(تقرير ) في ذكرى أحداث 3 يوليو.. الإعلام المصري مُتهم

كتب في : الاثنين 04 يوليو 2016 بقلم : نادر مجاهد

"ولقد استشعرت القوات المسلحة -انطلاقا من رؤيتها الثاقبة- أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته".. كلمات نطق بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطاب شهير أُذيع مساء 3 يوليو 2013. كانت الجُمل الرنانة التي قيلت في ذلك الخطاب، مُجرد بداية لما هو آت،إذ لم ينقسم فقط الشعب المصري بين مؤيد ومعارض لعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، فقد لحق الإعلام بركب التخبط، ما جاء على حساب المهنية والأمانة في نقل الأحداث.

وادعى كل طرف أن لديه الحقيقة المُطلقة. وفيما مرت 3 أعوام على ذكرى ذلك اليوم، فقد ظل توثيق الحدث باقيا، يشهد على الأداء الإعلامي التليفزيوني والصحفي وذاك المعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.
لم تتمالك الإعلامية هالة سرحان دموعها، عقب إعلان عزل "مرسي"، متابعة ترديد الأغاني الوطنية برفقة ضيوفها احتفاءً بالحدث. لم يكن ذلك رد الفعل هو الوحيد، فقد صرخ الإعلامي عمرو أديب، مُمسكا بالعلم المصري قائلا: "غُمة وانزاحت يا مصريين.. علمي حبيبي نور عيني.. بيضربوا بيك المثل"، وبنفس الوقت ظهر الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى يحتفل على الهواء، برفقة من في استديو التصوير وقالت الإعلامية لميس الحديدي: "ارقصي يا مصر وطبلي يا مصر.. محدش يقدر يغتصبك يا بهية".

قبل ذلك بسويعات، وفي صبيحة يوم 3 يوليو، قالت المذيعة أماني الخياط، إن الشباب المصري أبهروا العالم بإصرارهم على رحيل "مرسي"، موجهة سؤال للسيدات المشاركات في اعتصام رابعة العدوية: "مين المحرم بتاعك انتي وهي؟.. انتوا قاعدين في الشارع مع مين؟.. ولا الضرورات تبيح المحذورات في الحالة دي؟". قبل 3 يوليو بأيام بدأت نبرة تحريضية تظهر في تصريحات الشخصيات المحسوبة على الإخوان المسلمين، من خلال تهديدات تم إذاعتها على القنوات الدينية فحذر صفوت حجازي، من نزول ذلك اليوم، موضحا أن "مرسي" خط أحمر "يعني اللي هيرشه بالمياه هنرشه بالدم"، فهو الرئيس الشرعي المنتخب، حسبما أضاف، ناهيا حديثه بأن من سيشارك، لا يلوم إلا نفسه.

خلال أحداث يوليو، ظهرت في الصحافة المصرية مصطلحات تُحدد اتجاه الوسيلة إن كانت مؤيدة لبيان "السيسي" أو معارضة، فاعتمدت المواقع المؤيدة لـ"مرسي" على كلمات مثل: "انقلاب.. قائد الانقلاب.. الإعلام الانقلابي"، واعتمدت بعض المعارضة على توصيف الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية. فيما كانت تغطية الوسائل المؤيدة لـ"مرسي" تُبالغ أحيانا دعما للمتظاهرين الموجودين بميدان رابعة العدوية، إذ يروي شاب-تحفظ على ذكر اسمه- كان يعمل بأحد تلك المواقع لمصراوي، عن تجربته خلال هذه الفترة فيقول: "في التظاهرات أحيانا كان يُقال إنها في 6 أماكن بينما هي في ثلاثة فقط"، إلا أن تعامل تلك المنابر مع الأحداث لم يصل لدرجة التدليس، حسبما يحكي الشاب.
آلية العمل داخل بوابة الحرية والعدالة تباينت أيضا عقب 3 يوليو، كما يقول صحفي سابق بالموقع –رفض ذكر اسمه. لم تكن التغطية الحاملة لرأي المؤيدين لـ"مرسي" قائمة على تعليمات مباشرة من مسئولي بالمكان، إنما سياسة عامة. بالإضافة للالتزام بالكلمات المُعبرة عن رفض ما جرى في 3 يوليو "مثل تسمية السيسي بإنه قائد الإنقلاب وهكذا.."، الاتفاق على المسميات تحديدا، تم بشكل عرضي، إذ يؤكد الصحفيان لمصراوي أن ما أسمياه بـ"الانقلاب" ليس فيه وجهة نظر تحتمل النقاش أو اختلاف التوجهات السياسية.
 
في المقابل يعتقد مُحرر "الحرية والعدالة" أن ثمة سياسات قد يراها البعض خاطئة، ولكن لها مُبرر "الأمر كان أشبه بمعركة بين جهاز إعلام ضخم وبين أفراد عددهم وظروف عملهم صعبة"، كما يظن أن الإعلام في تلك الفترة بشكل عام، سواء المؤيد أو المعارض، كان قائما على قناعات الأفراد "وقتها كان كلٌ يغني على ليلاه".
الطرف الآخر –المعارض للإخوان المسلمين- لم يكن أمينا في نقل المعلومة برأي المحررين "رصد القلة الموجودة في الميادين على أنهم ملايين.. ولا ينشر عن التظاهرات السلمية، بل العنف فقط"، ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ طال التحريض برامج "التوك شو"، فيرى الصحفي السابق بالحرية والعدالة أن "الأهالي تصدوا للمظاهرات في الشوارع بعنف بناءً على تحريض الإعلام".
وإذا كان الإعلام المؤيد لـ"30 يونيو" قد أخطأ، فيقول الصحفي إن الإعلام المؤيد للجماعة ساهم أيضا في حشد المواطنين "لتحقيق أهداف يراها مشروعة في نظره كالدفاع عن الشرعية وما إلى ذلك"، أما عن وجود مقاطع مصورة لعنف يرتكبه متظاهرو الإخوان فقد نفى الصحفي سابقا بـ"الحرية والعدالة" أي مشاهدة لذلك العنف على أرض الواقع، لذا لا يعلم كيف كانت البوابة ستتعامل معها صحفيا، لكنه يضيف أن "كل طرف كان يجتهد ليثبت أنه يملك الحقيقة وبناء عليه فلا حديث هنا عن المهنية".
فيما استمرت تغطية القنوات والصحافة لما يحدث في يوليو 2013، اتخذ مشروع "ويكي ثورة" مسلكا آخرا، إذ رصد ما حدث في الميادين المختلفة، من اشتباكات وتظاهرات وغيرها، بالأرقام والصور والفيديوهات والشهادات الحية، محاولا إقصاء أي انتماء سياسي للقائمين على المشروع المتوقف منذ 2014.
بموقع المشروع الذي وثق الأحداث منذ يناير 2011، كتب أصحاب الفكرة أهدافهم المتمثلة في "حرية تداول المعلومات والشفافية الكاملة, وإظهار الحقائق بطريقة حيادية لتجنب محاولات تزييف التاريخ, والمساهمة في دعم مشروع العدالة الإنتقالية"، مؤكدين أنهم ليسوا مصدر المعلومة وإنما فقط هم قناة لنقلها، وأن ثمة إتاحية لأي شخص كي يوثق شهادته أو ما بحوزته في سياق الأحداث المتفاوتة.
صفحة تحوي تفاصيل متشعبة لأحداث 3 يوليو، وضعها "ويكي ثورة" على موقعه الخاص. معتمدا على مصادر محايدة ومؤيدة للجماعة ومعارضة، خاصة بالأحداث التي سقط فيها قتلى من أي طرف، كما أن الفيديوهات التي نشروها، تُركت بنفس تعليقات أصحابها الذين صوروها، لأسباب متعلقة بالحصر والتوثيق، ورصد الموقع تغطية الصحافة أيضا، بدءً باشتباكات أعقبت 3 يوليو مباشرة، مرورا بأحداث كرداسة، أو قبل خطاب العزل، كاقتحام مكتب الإرشاد بالمقطم أو اشتباكات بين السرايات وقتل الشيعة في أبو النمرس، أواخر يونيو 2013.
بطبيعة الحال لم تكن جميع منابر الإنترنت حيادية؛ فموقع ويكيبيديا يسمح بإضافة مقال أو تعديله، دون التحقق من صحته. لذا صنع أحدهم صفحة بعنوان "انقلاب مصر يوليو 2013"، شارحا فيه الأحداث السابقة والتالية لذلك اليوم، وما كان من القائمين على الموقع سوى وضع تحذير يقول: "إن حيادية وصحة هذه المقالة وهذا القسم مُختلف عليها"، فيما تم إنشاء صفحة أخرى على الموسوعة الحرة بعنوان "مصر بعد انقلاب 3 يوليو"، وتم تدشين صفحة ثالثة تسرد فقط البيان الذي قرأه "السيسي" بذلك اليوم.
يقول الخبير الإعلامي، ياسر عبد العزيز، إن الإعلام المصري باختلاف وسائله المرئية والمكتوبة وحتى الإنترنت، كان أداة اقتتال بين طرفين، أولهما مؤسسات الدولة والمجموع العام من المواطنين، وثانيهما فريق مؤيدي الرئيس الأسبق "مرسي"، لذا كان طبيعيا حينما يختفي دور الإعلام الأوحد وهو الإخبار، أن تحل مكانه أدوار أخرى، كالتحريض والتعبئة، والحشد وإلحاق الصفات السلبية بالطرف المعارض لمجرد الاختلاف في الرأي.
ويوضح "عبد العزيز" لمصراوي أن الإعلام المصري ليس معزولا عن المشهد السياسي، الذي شهد انقساما في تلك الفترة. لكن ذلك لا ينفي انحرافه عن مهامه، ما جعله يعاني إلى الآن من أزمات "مازال السياق المحيط بالإعلام يجعله غير رشيد في التغطية وبالتالي هو بوق سياسي ولهذا فالقصص تُروى بصياغات عديدة"، ويؤكد الخبير أن دور الإعلام خطر في تلك الظروف، لأنه يؤثر بشكل مباشر على المواطن العادي، كما حدث أثناء ثورة يناير، حين كان هو الوسيلة الوحيدة للربط بين الناس وما يجري على أرض الواقع.

 

بداية الصفحة