الأدب

قصة قصيرة ' كــــذا الاحــلام كالاغصـان تورق مــن جـديــد'

كتب في : الاثنين 04 فبراير 2019 - 1:26 صباحاً بقلم : فاضل محمد ربيعى

كانت الاغصان ملئى بهمسات دافئة كزفرات روح , رغم خيوط الضحى الواثقة , التي لا تخلو من جرأة ترسلها شمس نقية عبر غيوم خجلة ثلجية اللون فرحة , وأصوات رفيف الطيور , وهي تغزوا الشجيرات بخفة ورشاقة , كانت عيناها تلاحق كل ذلك , ويتعالى وجيب قلبي حين اتابعها , تمرر أصابعها على أمكنة تحسها , أغصان , ورق اشجار , مسطبة عارية خشبية , تلك الحديقة المشبعة بالذكريات , كنت ادرك الرسالة ناصعة الملامح , ويبقى همي يتشظى بين الحنين , والحاضر , صوتي مثقل يصدري حبيس ضلوعي , كنت أتملق المكوث رغم عيناها , تقودني لهمس الذكريات , تخبىء أنفعالها المفضوح , تشاطرني شجوني , مع محاولاتي الهروب من أن اكون ضعيفا , عيناها , حتى مع نظارتهما وحلاوتهما , تحكي صمت أبلغ من قصيدة , تذهب بعيدا بنظراتها عني , خجلة في أذكاء أحاسيسي , تلاحق الطيور ,وتختلس اهتمامها بي , بذكاء حاد , جالسة على كرسيها المتحرك , زهرة بين الازاهير , تحسها نظرة شفافة تلامس شغاف القلب , تتكسر همهماتي , لما أذكرها باحضان امها , وديعة , مسترسلة الهدوء , كل المحبة وأنامل الود تحيط بها , كانت الاصغر والاكثر رعاية , حتى أخيها الاكبر يكن لها عاطفة ممزوجة بخيوط الدفىء والحنو , عيناه تهمس رقة وعذوبة كلما احاطها بنظره , كانت الشمس ترسل وهجا خجولا من بين قطع الغيوم , يتساقط على وريقات ندية , وورود فتية , تلك الحديقة المنزوية في متنزه كبير , حملت خواطرنا , ولهونا حين كنا نرتمي باحضانها بين الفينة والاخرى , هنالك تعالت ضحكات , وهنــا اكلنا , وتــلك الاغصان جردنا يعضها , نعم , البحث بين دقائق الحديقة واركانها زادني ضيما وارهقني تعبا , وباتت محطات ذاكرتي قاصرة عن لملمة أشيائي المفقودة , وبدا تنفسي قلقا وأعماقي محملة بالاسى , وكنت فاشلا , في طرد الصمت الصدىء المترسب بين تلألأ دموعي واكتسبت أساريري ألما خارقا , مهما حاولت أن أخفي أطراف الماضي , تعصرني جنباتي , وتنتفخ أوداجي , وأهيم بين الاغصان العاريات , اه أية كابة يشرب قلبي , وهــو يقلب صور تائهة فــي تلك البقاع الخضراء , تكاد تظهر أشباح الصور , لتختفي بين وجيب خافقي , كانت عيناي تحط حول طفلتي القابعة على كرسيها , مشلولة , أسمع أنينها , مع جنبات ذلك المكان , ترسل شعاع خواطرها نحوي , تهرول أحزاني تلملم الصور المبعثرة , ترفع يدها نحوي . كأنما تستنجد بعطف الابوة , أن انشلها من زمن الحادث , الذي ذهب فيه امها وأخيها بحادث قاسي على طريق سريع أقسى , لا يأبه بالناس , ولا بالامال , حكما ظالما , أفقد الطفلة أمها وأخيها وساقيها , ولكني كنت الـــوذ بضعفي الــى قــوة علوية أستلهم منها صبرا واحتسابا , فيدخل قلبي شيىء من الاسى والصبر , أتمتم كلمات شكر على بقاء أبنتي لاهتم بها من أسى الزمن , كانت ( سراب ) ترقبه مع ابنته , وتعودت معرفة اوقات حضوره للمنتزه وتعلم المكان الذي يلوذ به مع اشجانه , تحس بما يجيش بعواطفه كانت يوما حبيبته الوحيدة , تراقبه في قاعات الكلية شاب أنيق وسيم واثق النفس . حنين النضرات , كانت هي حلم حياته , لا يغيب عن اهتمامها , ولكن كان عيبه انه ضيق الحال , كأن ذلك , كان يغفو بالقلب , ولكن حبها للمال ابعدها عن ذلك الامل الذي يتوق له وجهها , بقيت تصارع هواجسها وارهاصاتها طويلا , بين محطات الايام وداخل اروقة الكلية تارة يرجع هو رغم فقره واخرى تبتعد تفتش عن هدفها المادي . واخيرا انتصر المال وتبعثرت قصص الحب بين رائحة العملة , ولكنها بقت متوهجة الشوق اليه , وبقي يمازح ذهنها , وتتابع مجريات حياته عن طريق قريبة له , وتشتاق للذة دفئه المزروع في الوجدان , لم تطفي كميات العملة وهج الحب في قلبها , أتضح لها بعد زمن أنها خسرت قلبا , لن يباع أو يشترى . انتعشت الاشواق من جديد في دواخلها بعد وفاة زوجها , وترك لها مال كثير , لا تجد فيه أي سعادة . كانت ترقب حنوه لابنته الكسيحة , تتألم لالمه , وتعصف فيها حرارة الولوج مرة اخرى اليه , أنه يحتاج , نبض الحياة وحرارتها , عليها ان تنتشله من مستنقع الاحزان , وتقذف به بعيدا مغسولا بانوار الامل , كانت كثيرا ما تتقرب للطفلة تحاول بصوت يتهادى حنانا ان تخفف عنها كلما ذهب لدقائق لجلب شيء للطفلة , وكانت هيابة ان لا يراها , لمحها كم مرة من بعيد , لم يظنها هي , وكان يسأل طفلته , ماذا تريد منك هذه السيدة , كان جــواب الطفلة , بسمة مريحة , لا تغادر وجنتيها , وتهمس , انها جميلة وطيبة , بدأت احبها , ابي . تعاظمت الخواطر في صندوق ذاته وكثرت التساؤلات , من هي , لماذا تقترب لطفلته , ماذا تريد , أهي محرومة أطفال , أم , أم , تساؤلات كثيرة ملئت حيز اللب , بدأ يترصد من بعيد , مجيىء هذه السيدة , وها هي تقترب وهو بين الاحراش يختلس النظر , ليقف على حقيقة تساؤلاته , التي باتت تؤرقه , صارت السيدة قريبة مـن ابنته , جلست قربهـا تلعب بجدائل الطفلـة الانيقة , وتشعر يسعادة هذا الطفل الكسيح , حين تمرر اصابع الحنو فوق رأسها , تحاول جفون الطفلة الاقتراب من بعض لطغيان الوسن الذي تشعر به مع هذه الزائرة الجميلة , هنا صار الرجل امام السيدة , تسمر برهة صارت ذاكرته تسترجع شريط الكلية , هذه ( سراب ) من تملك القلب الذي باع نفسه بالمال , كيف حضرت , ماذا حدث لها , أي شغف مر بقلب الرجل ليرتفع وشيج قلبه عاليا ..... سأل , سراب , انت سراب .. - نعم - ياااااه , كم من زمن أحترق بين فراقنا حتى الان . - كثير , ولكنه قليل بعمر الزمن , شاء القدر أن اراك , وان احب هذه الفتاة الجميلة , تابعت اخبارك , لم تغب عني وعن جوانح قلبي , أبدا .... سكت الرجل يدور في عينيه استغراب ثقيل , ماذا تقول هذه السيدة , أي حديث تفتح , قال وهو وجم الشكل : ولكنـك بعتــي تلـك الجوانح وذلـك الحـب , بمال , مهما كان عـده .... - نعم , أعترف بخطئي , دفعت كثيرا لقاء زلتي , عمرا , الما , حنينا , دموع ..... - أتريدين ان اصدق !!! - هذا شيء يخصك , ولكني اقول الحقيقة , - وهل لك أمل ان نعود .. - نعم فالاحلام كالاغصان تورق من جديد ... - صعب ان تورق الاحلام ... - انها صعب , وليست مستحيل ... - ماذا يشدك بي , مرة اخرى . - حبي القديم , الذي بقي مزروع في كياني ... وهذا الملاك .. انها تحتاج لحنو ام , دخلت قلبي , احبها اكثر من حبك أنت - عجيب , امرأة تحب المال , تتحدث عن عواطف , هل نسيت انك قطعت أوردتي بظلم وانانية , وقتلت في حب الحياة ... - لا أنكر , أظن كفانا , ألم , دفعنا انا وأنت ضريبة للزمن , قاسية جدا , وأعتقد أنه ان الاوان , ان نقف ضد أخطائنا , وزمننا , لنزرع الاغصان التي تورد و تورق من جديد . لم يجيب الرجل , لبس سكوت ووجوم كبيرين ,سحب كرسي ابنته , وسار بها نحو الخروج تابعته ( سراب ) بنظرها , حنونة , متالمة صحت الطفلة , من غفوتها , نظرت لأبيها ... قالت : قف ابي , وارسلت اطراف اصابعها تؤشر لسراب بالمجيء ... لم تتردد سراب بالتحرك نحوها بعد ان وقف الاب ينتظر رد فعل السيدة , تحركت سراب , وهي تتمتم : - لن أخذلك مرة أخرى يجب ان تورق الاحلام ....

بداية الصفحة