أخبار عاجلة

هل بدأت مصر عمليات «عابرة للحدود» لتصفية الإرهابيين «المحترفين» فى الخارج؟

كتب في : الجمعة 10 فبراير 2017 - 12:20 صباحاً بقلم : منى مجاهد

العقيدة الأمنية المصرية الجديدة وسعت ساحة المواجهة مع الإرهاب ليصل بؤر الصراع فى سوريا والعراق وليبيا واليمن

سقوط العديد من المقاتلين المصريين فى مناطق التوتر فى الفترة الأخيرة.. وغموض حول الجهة التى استهدفتهم

الأجهزة المصرية لها خبرة سابقة فى اختراق الجهاديين المصريين فى الخارج منذ التسعينيات على طريقة «فؤاد قاسم وكرواتيا»

شراسة المعارك الدائرة فى سيناء على وجه الخصوص، وفى عدد غير قليل من المحافظات والمدن المصرية، وعلى رأسها العاصمة القاهرة، بين الأمن وجماعات العنف الدينى المسلح، بطبعاتها الداعشية، أو الجهادية التقليدية، أو حتى تلك ذات الجذور الإخوانية، إنما تعتم على نحو ما على معركة أخرى موازية لا تقل خطورة، بل وتبدو فى تفاصيلها أكثر إثارة، ولم لا ومسرحها هذه المرة خارج الحدود.

لا يبدو أن التغيير قد طال فقط تكتيكات تنظيمات الإرهاب، ليصبح فى زمن دولة الخلافة المزعومة أقرب لخلايا صغيرة عشوائية على طريقة الذئاب المنفردة تضرب بأى وسيلة أهدافًا غير متوقعة وفى توقيتات مغرقة فى الغرابة واللا منطقية فى كثير من الأحيان.. سنة التغيير تلك، وكما تعكس العديد من الدلائل والإشارات، أصابت أيضًا استراتيجية الأمن فى المكافحة.

العقيدة الأمنية المصرية، وعلى الأرجح، صارت أكثر ميلًا لتوسيع ساحة المواجهة لتذهب بعيدًا ولو وصل الأمر إلى بؤر الصراع الإقليمى المشتعلة، فى سوريا والعراق وليبيا واليمن.

المعادلة الإجبارية لنفاذ جيوب الإرهاب المحلى على الإقليمى حتم على صانع الخطط الأمنية المصرية أن يستبق المخاطر المحتملة، بالتحرك لاصطياد المقاتلين المصريين فى بؤر المعارك فى عدد من بلدان المنطقة، بدلًا من انتظار عودتهم وساعتها ستكون كل السيناريوهات مفتوحة ومطروحة، وبما فيها الإفلات من عيون الترقب والرصد والمتابعة، لتزيد أعداد الذئاب المنفردة بشرهين جدد لمزيد من حمامات الدماء.

هل يعنى ذلك أن مصر تخوض معارك نوعية ما فى سوريا وليبيا على سبيل المثال لقنص رؤوس الإرهاب المحليين ممن يحترفون القتل خارج الحدود هذه الأيام؟ صحيح لا توجد إجابة رسمية مؤكدة عن ذلك التساؤل الحساس، لكن وفى الوقت ذاته، لا يوجد ما ينفى تلك الفرضية القوية، التى باتت مدعومة كذلك بوقائع وأحداث لا يمكن تجاهلها، منها على سبيل المثال توالى سقوط قيادات وعناصر وكوادر جهادية مصرية عدة فى بلد الأسد وجماهيرية القذافى السابقة، وعلى نحو مكثف منذ بداية الخريف الماضى، وفى ظل أحاديث متداولة وغير منفية حتى الآن عن وجود قوات نخبة «كومندوز» مصرية فى تلك الأماكن تشتغل على تلك المهمة.

بعض تلك القيادات كرفاعى طه وأحمد سلامة مبروك «أبو فرج المصرى»، قضى نحبه بغارات أمريكية نوعية، إلا أن الغالبية لم تتبنى اغتياله جهات معروفة، وتلك واحدة.

أما الثانية، فتتعلق بالنفير الداعشى لمقاتليه الأجانب بالعودة إلى بلدانهم والثأر لخسارات التنظيم فى سوريا والعراق.

ومصر من أكبر الدول الموردة للمقاتلين العرب فى صفوف داعش بعد تونس والسعودية والأردن. بيد أن التقديرات تتباين بشأن أعداد أبناء النيل ممن لبوا نداء القتل الخارجى المجنون، ما بين نحو 1000 وبضعة آلاف من العناصر الإرهابية.

على هذا النحو فإن وأد خطر هؤلاء، أو على الأقل رؤوسهم الكبيرة أو النشطة فى الخارج إنما هو أسلم من نقل معركتهم إلى الداخل.

السؤال، ما الذى تفعله مصر للإيقاع بهؤلاء خارجيا ودون جلبة؟ الرد الشافى ربما يتطلب التوقف والقراءة المتأنية للتفاصيل التالية.

فمع الأمتار الأخير من العام 2016، لم يكن أمام الخارجية المصرية إلا تقديم نفى قاطع لكافة الأحاديث المتداولة فى تلك الفترة عن وجود قوات عسكرية مصرية تعمل على الأرض جنبًا إلى جنب الجيش السورى النظامى وبتنسيق مع موسكو فى مواجهة الجماعات الدينية المتطرفة فى بلد بشار الأسد.

كانت درجة حرارة التوتر فى العلاقات بين القاهرة والرياض فى ذلك الوقت قد وصلت إلى مداها، وكانت كلمة السر فيه أيضًا سوريا.

تارة بسبب مواقف مصر الداعمة لتحركات روسيا المساندة لدمشق الأسد فى مجلس الأمن وذلك على عكس الهوى السعودى، وتارة أخرى على أثر الزيارة الرسمية لرئيس الاستخبارات السورى، اللواء على المملوك، للقاهرة منتصف أكتوبر الماضى بدعوة من الأخيرة، حيث التقى ساعتها نظيره المصرى، اللواء خالد فوزى، وعددا من الأمنيين ببلاد النيل، بينما كان جدول الأعمال مقتصرًا على نقطتين وحيدتين، حددتهما وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»، آنذاك على نحو دقيق، وهما «تنسيق المواقف سياسيا بين سوريا ومصر، وكذلك تعزيز التنسيق فى مكافحة الإرهاب الذى يتعرض له البلدان».

أضف إلى ذلك تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسى فى البرتغال، عن ضرورة دعم الجيوش الوطنية فى سوريا وليبيا.. حديثه تم تفسيره كتطور مصرى داعم لجيش الأسد فى المعارك، ومن ثم فُتحت شهية المعلومات غير الموثقة عن وجود طيارين وعسكريين وخبراء أمنيين مصريين فى حلب وحماة ودمشق لمعاونة جنرالات سوريا.

هنا، كان تدخل الخارجية ضروريا، لنفى أحاديث التحرك العسكرى المصرى فى سوريا، وترسيخ استراتيجية مصر بدعم الحل السياسى هناك، ومن ثم أقرت الوزارة بأن كل ما يدور فى هذا الشأن «هو مزاعم لا وجود لها إلا فى خيال من يروجون لها». وقال المتحدث الرسمى باسمها، المستشار أحمد أبو زيد، نصًا، إن «هدف الترويج لتلك الإشاعات معروف ولا يخفى على أحد»، قبل أن يشدد على «التزام مصر بمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول».

لكن نفى الخارجية لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى طلبات مصرية لتسلم المقبوض عليهم من أبنائها فى سوريا وليبيا والعراق وغيرها من مناطق الصراع، ولا للتحرك الجدى على الأرض بعمليات نوعية لتصفية الخطرين منهم، وهو ما تدعمه أيضًا رواية وكالة الأنباء السورية عن التنسيق بين دمشق والقاهرة فى مواجهة قوى الإرهاب.

المفاجأة، أن خبرة تعاطى أجهزة الأمن والمعلومات المصرية مع الإرهابيين المحليين المنطلقين فى الخارج، إنما لا تستبعد فكرة العمليات عابرة الحدود، بل وسبق أن نفذتها بنجاحات كبيرة فى التسعينيات ضد عناصر جماعتى الجماعة الإسلامية والجهاد بالخارج.

يقول وليد البرش، مؤسس تمرد الجماعة الإسلامية، والكادر السابق بالأخيرة، فى شهادته المنشورة إعلاميا باسم «الجماعة الإسلامية من المنصة إلى المنصة»، وتحت عنوان «اختراق التنظيم المسلح للجماعة خارج وداخل مصـر»، إن «المخابرات أرسلت عنصـرين من عناصـرها رجلًا وامرأة، مكثا فى بيشاور على الحدود الأفغانية الباكستانية كزوج وزوجة من المجاهدين، وتعاملا مع الفصائل الإسلامية المصـرية هناك خاصة الجماعة والجهاد. واستطاعت المخابرات بفضل هذه العملية أن تكشف الخريطة الحقيقية للجماعة فى الخارج. ومن ثمار ذلك علمت المخابرات مكان اختفاء طلعت فؤاد قاسم مسؤول الجماعة بالخارج فى دولة كرواتيا، واستطاعت أن تعود به إلى مصـر فى بداية عام 1994».

إذن النهج الأمنى المصرى يعاد فى زمن داعش، بل ويبدو ذلك على نحو أكثر تركيزًا، بعدما بدا أن خطر العائدين من بؤر الصراع قد تضاعف، حتى إن عشرات التحقيقات والقضايا صارت تضم اليوم المئات من الكوادر التى خططت لضرب مؤسسات حكومية ومنشآت عسكرية وشرطية، ناهيك باستهداف رجال الدولة، وذلك بعدما خبروا القتال فى سوريا أو ليبيا أو غيرهما، ناهيك بأن بعضهم صار مطاردًا رسميا من قبل النيابة باتهامات تخابر بعد التورط فى تصوير مطارات حربية ومقرات أمنية حساسة.

المعركة مع الإرهاب صارت ممتدة فى مسار غير اختيار، والأخطر فى ملعب مفتوح مترامى الأطراف لا يعرف حدود.

 

بداية الصفحة