سيناء والإرهاب والصعايدة

كتب في : الثلاثاء 08 سبتمبر 2015 بقلم : عبد الرحيم حشمت
عدد المشاهدات: 13927

دأبت الحكومات المتعاقبة على مدى العقود السابقة على قطع العهود ، وتقديم الوعود بتنمية سيناء ، لخلق موارد جديدة للدخل القومي ، والارتقاء بمستوى معيشة الشعب المصري ، وخصوصا أهل سيناء الذين أبلوا بلاء حسنا حربا وسلما في سبيل هذا الوطن .. ولم تف أي من الحكومات السابقة بوعودها ، أو تحترم عهودها فلا هي عمرت سيناء ، ولا هي أطلقت يد أبناء الشعب لتعميرها .. فتحولت أرض سيناء الحبيبة نتيجة لهذا الإهمال الرسمي المهين إلى وكر للعصابات ، وسوق لتجارة الأسلحة والمخدرات ، ومسرح للخونة والإرهابيين والمتآمرين والمأجورين الذين يتسللون عبر الأنفاق ليقتلوا خير جند الأرض ، وينشروا الرعب ، ويثيروا الفوضى .. والسؤال الذي يفرض نفسه ويحمل إجابته هو ألا تصب عملية توطين بضعة ملايين من الصعيد والدلتا في شبه جزيرة سيناء في نهاية المطاف في صالح السياسة العامة للدولة التي تهدف على المدى الطويل إلى إعادة التوزيع السكاني من أجل تفتيت التكتلات ، وتذويب العصبيات ، ومن ثم خلق مجتمع راق متحضر خال من أمراض العصبية و أعراض الجاهلية التي يعاني منها المجتمع المصري منذ زمن بعيد وخصوصا في البادية والصعيد ؟ .. لذا فإن الحكومة الحالية أمامها فرصة ذهبية لدخول التاريخ من أوسع أبوابه إذا رفعت شعار " أرض سيناء لمن يعمرها " في شكل دعوة عامة لجميع المصريين وأولهم بدو سيناء .. لكني أتوقع أن أول من سيلبي هذه الدعوة الافتراضية المأمولة هم الصعايدة الذين صمد أجدادهم في وجه الزمن ، فقاوموا الغزاة ، ودحروا المحتلين ، وصدوا الطامعين ، وكبحوا جموح فيضان نهر النيل ، وبرعوا في الزراعة ، وتكيفوا مع قسوة الطبيعة على مدى آلاف السنين . لذلك يعتبر الصعايدة هم الأصلح لخلق التوازن الديموغرافي في المجتمع السيناوي .. بما لديهم من اعتزاز كبير بالنفس ، وشعور جامح بالكرامة ، وحب جارف للوطن ، وانتماء تاريخي للأرض ، وهم أصلح القادرين وأقدر الصالحين على تحويل أرض سيناء من صحراء جرداء إلى واحة خضراء إذا أتيحت لهم الفرصة التاريخية ليستثمروا سواعدهم الفتية وإمكانياتهم الذاتية ، وهم الأقدر على القضاء على الخواء السكاني الذي ساهم بدوره في إحداث الفراغ الأمني الذي جعل سيناء فريسة سهلة للاحتلال الإسرائيلي ، ثم حولها إلى وطن بديل لأي إرهابي ، ومن ثم أصبحت حلقة من حلقات المؤامرات الدولية ، وورقة من أوراق تسوية القضية الفلسطينية التي اعتبرها المصريون أمانة في أعناقهم ، فوضعوها نصب أعينهم ، وتكبدوا في سبيلها خسائر فادحة في الأموال والأرواح .. بينما أصحابها الحقيقيون تفرغوا لخيانة مصر ، والتآمر عليها ، وانتهاك حرمة أراضيها ، وقتل جنودها وهم صائمون . إن رفع شعار " أرض سيناء لمن يعمرها " الذي نتمناه ونطالب به ليس منة من هذه الحكومة أو الحكومات التي سبقتها أو التي ستليها .. بل هو علاج ناجح لمشكلة وطنية مزمنة ، وحق مكتسب لصيق بالمواطنة .. ذلك لأن حرية السفر ، والحركة ، والتنقل ، والإقامة ، والتملك ، وغير ذلك من الحريات العامة التي كفلتها الدساتير ، وتحميها القوانين لجميع المصريين بلا استثناء .. وأي قيد يصادر هذه الحريات أو يحد منها لابد أن يكون محددا بقرار أو قانون الهدف منه حماية المصالح الوطنية العليا .. وإلا فإن أي تضييق لهذه الحريات يعتبر إجراء باطلا لمخالفته لمواد الدستور ونصوص القانون .. مما يستوجب معه مساءلة من اتخذه فردا كان أو مؤسسة . لذا يجب علينا جميعا – مسئولين ومواطنين – ألا ننسى حقيقة هامة ألا وهي أن الأرض التي تمثل إقليم الدولة هي ملك خالص للشعب المصري العظيم .. أما السلطة الحاكمة – أية سلطة في أي عصر – فهي خادمة لأبناء الشعب ومسئوليتها هي إدارة وحماية هذه الأرض لصالح الشعب إذا السلطة في أي عصر تحكم ، وتدير ، ولا تملك .. وبناء على هذا التكييف وانطلاقا منه وبما أن السلطة على مدى العقود السابقة تجاهلت تنمية سيناء وأهملت سكانها .. لذلك أصبح لزاما على الحكومة الحالية أن تدع المصريين – الملاك الحقيقيين – يقومون بمهمة تعمير أرضهم بتلقائية حسب قواعد الحياة الطبيعية التي لن تخلو بطبيعة الحال من مساوئ العشوائية . كما يجب ألا يغيب عن ذاكرتنا الوطنية أيضا ما أدلت به سيئة الذكر كوندا ريزا رايز وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في تصريح إعلامي في عهد الرئيس الأسبق المخلوع .. جاء فيه قولها " طالما منطقة سيناء ما زالت خربة فلماذا لا يمنح المصريون الإسرائيليين فرصة لتعميرها ؟ " .. وسوابق التاريخ في ذلك فجة وعديدة ولا تحتاج إلى كثير عناء أو تفكير حتى نفهم أن القوى الإقليمية والدولية منذ زمن بعيد لم تخف أطماعها الاستعمارية في شبه جزيرة سيناء .. ولما لا وهي أرض الرمال الذهبية ، الزاخرة بالآثار الفرعونية المطمورة ، والعامرة بالمعالم الأثرية المشهورة ، والغنية بالثروات النفطية ، والمياه الجوفية ، والمواقع الإستراتيجية ، والمناظر الطبيعية الخلابة ، والمناطق السياحية الجذابة ، ولم لا وهي مثلث الخيرات ، ومهد الرسالات ، وأرض الانتصارات ، ومسرى الرسل والأنبياء ، ومرقد الصحابة والأولياء . وخلاصة القول إن تنمية سيناء تعتبر بلا أدنى شك أهم أسلحتنا في الحرب على الإرهاب .. وليس مطلوبا من الحكومة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي إلا أن تصدر قرارا يسمح لجميع المواطنين بتملك الأراضي في سيناء .. وأتوقع بأن الصعايدة الذين أعيتهم الحيل ، وضاقت بهم السبل سيزحفون بالملايين إلى أرض سيناء الحبيبة بالرغم من النيران المشتعلة فيها .. وستتحول هذه الملايين إلى حوائط صد تقي سيناء من شرور الإرهاب ، وتحميها من مخاطر الاحتلال ، وتقطع الطريق أمام الخونة والمتآمرين الذين طالبوا باستقطاع جزء منها لتسوية قضية من خانوا ، وغدروا ، وقتلوا المصريين ، وتنكروا للجميل ، وتناسوا تضحياتهم على مدى عشرات السنين .

بداية الصفحة