إنتخابات الزيت والسكر

كتب في : الثلاثاء 13 اكتوبر 2015 بقلم : عبد الرحيم حشمت
عدد المشاهدات: 14086

انتشرت الصور واللافتات ، وظهرت التحالفات ، وصعدت أسهم أصحاب النفوذ ومفاتيح الانتخابات ، وكثرت الوعود وقدمت العطايا والهدايا وأعلنت التبرعات ، وارتفعت وتيرة المقابلات والزيارات .. لوضع اللمسات الأخيرة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة على الأبواب لحين إطلاق إشارة البدء في انتخاب أعظم وأخطر برلمان مصري في تاريخ البلاد . تأتي أهمية وخطورة مجلس النواب القادم ليس لأنه الاستحقاق الثالث والأخير في خارطة الطريق التي رسمتها ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة فحسب .. بل نظرا للصلاحيات الواسعة التي أنيطت به وجاءت خصما من صلاحيات رئيس الجمهورية .. في دستور 2014 الذي وضعته لجنة الخمسين في لحظة تاريخية فارقة استجابت خلالها الدولة المصرية لمطالب داخلية ثائرة حالمة ، في وقت كانت تتعرض فيه لضغوط خارجية حاقدة ظالمة .. الأمر الذي يجعلنا منذ الآن نطالب مجلس النواب القادم بتعديل هذا الدستور من أجل توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بالقدر الذي يسمح له باتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب في هذه المرحلة التاريخية الفارقة . حيث تمثل صلاحيات هذا المجلس – دون أدنى مبالغة – خطرا حقيقيا على مرحلة التحول الديمقراطي والتطور الاقتصادي التي تشهدها البلاد حاليا ، والعملية السياسية برمتها ، بل على كيان الدولة المصرية ذاتها .. فمن أخطر صلاحيات مجلس النواب القادم التي تضمنها الدستور الحالي انه يملك بأغلبية ثلثي الأعضاء مساءلة رئيس الجمهورية ، بل وسحب الثقة منه ، كما أعطى هذا الدستور للبرلمان الحق في تعيين الحكومة ، وسحب الثقة منها ، إضافة إلى حزمة كبيرة من الصلاحيات الهامة الأخرى . وحتى لا يفهم البعض هذه السطور بشكل خاطئ أقول إن المقصود بالخطر الذي يكمن في مساءلة مجلس النواب لرئيس الجمهورية ليس المساءلة في حد ذاتها بل الخشية من أن تتحول هذه المساءلة من حق دستوري مكتسب لمجلس النواب كأداة بناء وتطوير وتعمير إلى معول للهدم والتخريب والتدمير .. خاصة إذا وقعت الكارثة وحقق لا قدر الله أي من عدوي الشعب اللدودين فلول الرئيس الأسبق المخلوع ، أو أزلام الرئيس السابق المعزول أو كلاهما معا أغلبية في مجلس النواب القادم . لذلك يعتبر مجلس النواب القادم البرلمان الأهم بلا منافس في تاريخ الحياة النيابية ، وهو الأخطر بلا جدال على وجود الدولة المصرية .. ومن هنا تتضح لنا ضخامة المسئولية الملقاة على عاتق الناخبين من أبناء هذا الشعب في اختيار من يمثلهم في البرلمان لينوب عنهم في التشريع والرقابة والمتابعة والمساءلة فالنائب في المجلس القادم منوط به تحويل مواد الدستور من نصوص مكتوبة إلى قوانين عامة ملزمة لكافة المؤسسات وجميع الأفراد ، قوانين تحافظ على الحقوق والواجبات ، وتضمن حياة كريمة لجميع المواطنين على حد سواء ، وتترجم شعار " عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية ، كرامة إنسانية " إلى فعل ملموس على أرض الواقع . الأمر الذي يفرض علينا كناخبين قبل أن ندلي بأصواتنا في الانتخابات البرلمانية القادمة أن نحسن الاختيار ، ونتأكد من هوية المرشح السياسية ، وندقق النظر في انتماءه الحزبي ، وميوله الفكرية ولا نكتفي بالشعار ، حتى لا ننخدع مرة أخرى في الشعارات البراقة ، وأن ننتبه جيدا لأدعياء الثورة ، ولا ننساق كالنعام خلف تجار الدين وأعداء الدولة ، ولا نمنح أصواتنا لمن يبحثون عن الأمجاد الشخصية ، ولا ندعم من يسعون لتحقيق المكاسب المادية ، ولا نبيع أصواتنا مقابل هدايا وعطايا أصحاب المال الحرام الذين نهبوا البلاد وأفلتوا من العقاب ، وإذا كنا فعلا نرغب في التغيير والتطوير علينا أن نبحث بين المرشحين عن الشباب الواعد ، صاحب الفكر المستنير ، الذي يؤمن بهذا الوطن ، وليس له ميول أيدلوجية متطرفة ، ولا أفكار رجعية مدمرة ، ولا يؤمن بعصبية قبلية متخلفة ، على أن يكون أكثر ما يفكر فيه ، ويشغل باله من قضايا الوطن ، ويسعى إلي خلق الحلول المناسبة له هو مشاكل هذه الأغلبية الساحقة المسحوقة من أبناء هذا الشعب الطيب الأصيل . كما يجب علينا كناخبين أن نحذر بعضنا البعض من عودة فلول النظام الأسبق الفاسد البائد الذين نهبوا المال العام ، وأزلام النظام المستبد السابق تجار الدين الذين لا يؤمنون بالأوطان مرة أخري إلى السلطة من باب البرلمان .. ذلك لأنهم اعتادوا على تطويع أفكارهم ، وتغيير جلودهم ، واللعب على كل الحبال .. ويجيدون المداهنة وتبديل المواقف .. ويملكون ثروات طائلة مجهولة المصادر .. ولديهم دراية تامة بمفاتيح العملية الانتخابية .. ويملكون جيوبا في كل مدينة وحارة وقرية وعشوائية .. ولديهم خبرة كبيرة في عقد الصفقات ، وتقديم التنازلات ، وفقه الأولويات .. ويملكون تاريخا طويلا في الترغيب والترهيب ، وشراء الذمم ، وتكميم الأفواه ، وتوزيع الزيت والسكر .. والأهم أنهم يملكون قواعد عريضة من المنتفعين ، والمنافقين ، والمغيبين ، والمعدمين .. ولديهم خبراء في الدعاية والإعلان والإدارة والتنظير .. ولهم ذيول وأتباع وعيون في جميع الوزارات والمؤسسات والهيئات .. ولا يوجد بين الفلول والأزلام سوى فارق واحد فقط فبينما الفلول يتاجرون بالوطن فإن الفريق الأخر يتاجر بالدين .. أما أهداف الفريقين فمعروفة للقاصي والداني فأما الفلول الذين امتهنوا اللصوصية والبلطجة هدفهم نهب المزيد من أموال الدولة ، أما أزلام الخونة والمتآمرين هدفهم المعلن هو هدم الوطن ، وتدمير مؤسساته ، وقتل أبناءه من رجال الجيش والقضاء والشرطة .. لذلك تعتبر الانتخابات البرلمانية فرصتهما الوحيدة والأخيرة للتواجد في الحياة السياسية .. والفريق الذي يخفق منهما في هذه الانتخابات لن تقوم له بعد ذلك قائمة .

بداية الصفحة