مصر رأس كاسح وجسد كسيح

كتب في : الأربعاء 11 نوفمبر 2015 بقلم : عبد الرحيم حشمت
عدد المشاهدات: 15289

لا شك أن مصر حققت نصرا دبلوماسيا كبيرا بحصولها على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الذي يعتبر من أهم الأجهزة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وأكثرها تأثيرا حيث يختص بحماية السلم والأمن الدوليين ، وقراراته ملزمة لجميع الدول ، ويتكون من 15 عضوا 5 أعضاء دائمون لهم حق الاعتراض "الفيتو" وهم أمريكا ، وروسيا ، والصين ، وبريطانيا ، وفرنسا و10 أعضاء غير دائمين تنتخبهم الجمعية العامة بأغلبية الثلثين لمدة عامين . لا يخفى على أحد أن فوز مصر في هذا الوقت بالذات بما يشبه الإجماع الدولي بعضوية مجلس الأمن لعامي 2016 م و 2017 م الذي حققته عن جدارة واقتدار إذ حصلت على أصوات 179 دولة من أصل 193 دولة حرة مستقلة ذات سيادة عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر البداية الحقيقية لهذه المرحلة المفصلية في تاريخ الدولة المصرية ، وشهادة عالمية مختومة بشرعية دولية مستحقة لمصر شعبا ، وثورة ، وقيادة ، وموقعا جغرافيا ، ودورا دبلوماسيا ، وتأثيرا إقليميا ، وحضورا عالميا . لذلك قوبل هذا الفوز الساحق بعضوية مجلس الأمن بفرحة شعبية عارمة ، وترحيب عربي كبير ، ومباركة إفريقية وإسلامية ودولية واسعة .. فتحية حب واعتزاز واحترام لوزير الخارجية سامح شكري ، وجنوده المجهولين من رجالات الدبلوماسية المصرية .. وتحية وفاء وإخلاص وولاء للقائد البطل الكبير الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وحد الكلمة ، وجمع الصف ، وقضى على الفتنة ، وحمى الشعب ، وأعاد لمصر قيادتها العربية ، ومكانتها الإقليمية ، وريادتها الإسلامية ، وهيبتها الدولية . إن فوز مصر بمقعد غير دائم في مجلس الأمن للمرة السادسة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة في عام 1945 م منحها فرصة ذهبية للمشاركة بفاعلية في صياغة السياسة الدولية من أوسع الأبواب وأكثرها تأثيرا ، وجعلها أكثر قدرة على توضيح حقيقة ما يجري في الداخل المصري عقب ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة أمام المجتمع الدولي الذي عرف شيئا وغابت عنه أشياء ، ومساندة جميع القضايا العربية والإسلامية والإفريقية ، بل وقضايا العالم الثالث من أقصاه إلى أقصاه وهو ما يفتح شهية المصريين لمطالبة القيادة السياسية بمواصلة الجهود الدبلوماسية ، ومضاعفة المساعي الدولية حتى تحقيق النصر الكبير الذي يتمناه أبناء الشعب المصري العظيم ألا وهو الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن خاصة وأن مصر مؤهلة للقيام بهذا الدور الدولي الهام أكثر من غيرها من دول العالم نظرا لعراقة حضارتها ، وقوة تأثيرها ، وتنوع اتصالاتها ، وتعدد انتماءاتها وذلك إذا ما نجحت مساعي مجموعة الأربع وهى كل من ألمانيا ، واليابان ، والبرازيل ، والهند التي قدمت مشروع قرار للأمم المتحدة في عام 2005 م يقضي بتوسيع عضوية مجلس الأمن الحالية من 15 عضوا إلى 25 عضوا على أن تضم في عضويتها المقترحة 6 أعضاء دائمين ، بالإضافة إلي 4 أعضاء غير دائمين ، كما أوصي مشروع القرار أيضا بأن يتم منح عضوية دائمة لقارة أفريقيا من الستة المقترحة لذا نطالب القيادة السياسية بأن تعمل جاهدة على أن يكون من حق مصر . ليس من الحكمة أن يمر هذا الانتصار الدبلوماسي الكبير مرور الكرام دون أن يتناوله الخبراء المصريين بالدراسة والتحليل بقصد فهم عوامله ، وتفسير مدلولاته ، وتوضيح نتائجه ، من أجل الاستفادة من ذلك كله في معالجة مشاكلنا المزمنة ، ومواجهة قضايانا المستحكمة ولعل أخطر هذه القضايا على الإطلاق هي قضية انتشار الفساد الذي يشوه البلاد ، ويحبط العباد ، ويؤدي إلى هروب الاستثمار ، والذي يؤدي بدوره إلي تفاقم مشكلة البطالة ، وتدهور مستوى المنتج المحلي ، وزيادة معدلات التضخم ، والارتفاع الجنوني للأسعار .. الذي يخنق الشعب ، ويقضي على أي أمل في الإصلاح والتغيير والتطوير الذي ينشده جميع المصريين . إن المفارقة الحقيقية تظهر واضحة جلية إذا حققت الدولة المصرية بقيادتها السياسية ، وأذرعها الدبلوماسية ، وعلاقاتها الدولية انتصارا دوليا كبيرا بحجم عضوية دائمة في مجلس الأمن .. في الوقت الذي تعجز فيه عن تحقيق الانتصار الداخلي الأهم ألا وهو القضاء على الفساد الذي أصبح السمة الأساسية بعد ما توغل في أجهزة الدولة الرسمية ، وتمكن من أطرافها ، ولوث جميع مداخلها ومخارجها .. فأصبح انجاز أية معاملة في أية مصلحة حكومية دون رشوة ، أو استغلال نفوذ ، أو واسطة ، أو محسوبية يعد أمرا مستحيلا أو ضربا من خيال .. لذلك لابد من القيام بعملية تطهير واسعة للقضاء على الفاسدين الذين لم يخل منهم عصر ، ولم يسلم من شرورهم عهد ، وكانوا أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع ثورة 25 يناير الشعبية ، وما زالوا – حتى كتابة هذه السطور – ينهبون ثروات الشعب ، ويحتكرون قوت أبناءه ، ويعطلون مسيرة قيادته .. فما من مدرسة متسيبة ، أو مستشفى لا تقدم الخدمات الطبية اللازمة إلا ويقف وراءها مسئول فاسد ، وما من مقلب قمامة إلا ويختبئ خلفه رئيس حي فاشل ، وإجمالا ما من تسيب أو إهمال أو تقصير إلا وتسبب فيه وزير معدوم الضمير ، وما من سرقة أو عجز أو تزوير إلا وخطط له لص كبير .. وهو ما يفسر تراجع مستوى الأداء العام ، وترهل مؤسسات الدولة عاما بعد عام .. فإلى متى تظل مصر كما قال المؤرخ العظيم الراحل جمال حمدان " مصر رأس كاسح وجسد كسيح " ؟

بداية الصفحة