أخبار عاجلة

قراءة في عقل الرئيس 'السيسي' .. يا ريتنا كنا سنغافورة

كتب في : الجمعة 28 اكتوبر 2016 بقلم : رضا المغازى الطنطاوى

برغم أن أحاديث الرئيس السيسي تبدو في أغلبها غامضة وغير مرتبة، إلا أنها تفصح أيضا عن أفكار لا صرح بها مباشرة.

 

من ذلك حديثه في أغسطس 2014 عن الإعلام في فترة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكيف أنه كان محظوظا بالآلة الإعلامية في الستينيات.

 

السيسي قال " الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كان محظوظ، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه"، بدت هذه إشارة إلى رغبة دفينة في عقل الرئيس الحالي في حشد كل الوسائل الصحفية والتليفزيونية في اتجاه واحد، وشكل هذا التفسير علاقة محتقنة بين السيسي والإعلام فيما بعد.

بالأمس قال السيسي في معرض حديثه عن التعليم، بمؤتمر الشباب في شرم الشيخ، أن إحدى الدول (مساحتها 700 كلم وعدد سكانها 2 مليون) كانت في قمة التخلف، وكانت تُحكم بالقوة والديكتارتورية لكنها نهضت.

 

 

وتساءل السيسي بعد ذلك: "هل أقدر أعمل كده؟".

السؤال كان استنكاريا بالطبع، بمعنى أن السيسي يقول إنه لا يستطيع أن يحكم البلاد بهذه الطريقة، لكن هذا المثال الذي ضربه السيسي ربما يفيد في قراءة بعض أفكاره.

 

يبدو السيسي وكأنه من المؤمنين بضرورة وجود تضحيات في سبيل تحقيق النهضة، كما لا يرتاح كثيرا للانتقادات خصوصا في الظروف الصعبة اقتصاديا في ظل أزمة العملة الصعبة وتراجع عائدات السياحة، أو سياسيا في ظل الأحداث الإرهابية.

الدولة التي كان يتحدث عنها السيسي ولم يسمها هي سنغافورة، إحدى أقوى المراكز المالية والاقتصادية في العالم، لكن هذه الماكنة لم تكن وصلت إليها الدولة الآسيوية في ستينيات القرن الماضي.

 

ففي الفترة من 1965 إلى 1990 كانت سنغافورة تحت حكم واحد لمؤسسها في العصر الحديث لي كوان يو، الذي جلس على سدة الحكم بنظام ديكتاتوري قوي بلا معارضة تقريبا في برلمان البلاد.

 

على الرغم من هذه السياسة، أو بفضلها، استطاعت سنغافورة تحقيق نمو ورخاء اقتصادي سريع للغاية، واحتلت المرتبة الثامنة على مستوى العالم في العام الماضي 2015.

 

وبلغة الأرقام، كان متوسط دخل الفرد سنة 1965 في سنغافورة 512 دولارا، ووصل العام الماضي إلى 53 ألف دولار.

 

كما أن سنغافورة تحتل المركز الحادي عشر من حيث "جودة الحياة" وفقا لتصنيف الإيكونوميست، وهي تاسع أعلى احتياطي نقدي في العالم.

 

ظاهريا، يبدو أن القمع والحكم بالحديدي والنار كان الطريقة المثلى لسنغافورة لتصبح من أقوى اقتصاديات العالم، فهل يريد السيسي أن يحقق ذلك في مصر؟

 

يبدو هذا مجرد طيف في خيال السيسي، فالرجل يعلم تماما أن الظروف التاريخية التي صنعت تجربة سنغافورة ليست متوفرة حاليا، وأن التجارب السياسية الشمولية لم يعد لها مكان الآن، وربما هو لا يشبه

رغم ذلك، لا يمكن أن نقول أن السيسي لا يتمنى أن يتوفر له ذلك، إذ هي فرصة مريحة في الأغلب لكل القادة والرؤساء الذين يريدون تحقيق نهضة لبلدانهم وفي نفس الوقت لا يتحملون الانتقادات كثيرا، إما بسبب طبيعتهم الصارمة أو لاعتقادهم أن الانتقاد يعطل المسيرة.

 

لسان حال السيسي ربما يقول "يا ريتنا كنا سنغافورة"، لأن النتائج المبهرة للدولة الآسيوية تغري بتقديم تضحيات لصالح الوصول إلى ما أصبحت عليه، لكن الأمنيات ليست مفيدة هنا كثيرا، لأن كل بلد له طبعيته الخاصة، والمصريون عبر تاريخهم الممتد مرت عليهم العشرات من هذه الحقب القمعية والتي وإن حققت نتائج فإنها أهدرتها، لذلك من الضروري وضع هذه النقطة في الاعتبار والاستفادة من تجارب البلدان في جوانبها المضيئة التي تتوافق مع الظروف الداخلية، مع تقدير أن هذا الشعب تحمل أكثر مما تحمله السنغافوريين في 30 عاما.

بداية الصفحة