كتاب وآراء

عقدة بوتين في حلب ..

كتب في : الجمعة 30 سبتمبر 2016 بقلم : أحمد سرحان

مَن يُتابع القصف الروسي لمدينة حلب ويرى أطفالها يُدفنون تحت الأنقاض ، يُلاحظ أن وراء الإصرار الروسي على هذا النوع من التصعيد العسكري ما هو أبعد من إسقاط المناطق الشرقية من المدينة التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة ، إذ تبرز دوافع نفسية وراء هذا الكم من إرادة التشفي من حلب ، كما لو أن على كاهل أطفالها تقع مسؤولية هزيمة السوفيات في أفغانستان ، أو حرب الشيشان ، أو مسؤوليتهم عن خسارة الروس حربهم الباردة مع الغرب .

وما استدعاء أدوات التدمير الشامل إلى أكبر مدن سورية وأعرقها امتداداً في التاريخ ، إلا دليل على أن الآلة العسكرية الروسية تهدف إلى فرض هيبتها واستعراض قدراتها في التعاطي مع شعوب المنطقة والدول المحاذية لها على حد سواء إن هي حاولت التصدي للإرادة الروسية ، وكأن المطلوب من حلب أن تكون درساً لمن يقوى على مجرد التفكير في ذلك .

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، إذ بعد الاتفاق الذي لم يُكتب له النجاح مع الولايات المتحدة ، تحسنت ظروف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقويت مبرراته أيضاً ، فمن وجهة نظره قدّم فرصةً للحل وأعطى مجالاً للهدنة العسكرية ووافق بشروطه على إدخال المساعدات الإنسانية التي عاد وأحرقها على أبواب المدينة ، والوقت الآن هو للحسم وتحقيق الأهداف . الروس كانوا واضحين منذ البداية ، فهم لديهم أهداف محددة في سورية لم يأتوا إلا لتحقيقها ، وإذا عجزوا بالسياسة فلن يترددوا في استعمال كامل طاقتهم الحربية.

فتثبيت حضورهم القوي في سورية يشكل معبرهم إلى نظام دولي يتنافسون فيه مع الولايات المتحدة. وفي وعي الروس وثقافتهم فإن سلامهم الداخلي يتلازم حُكماً مع فاعلية خارجية، فروسيا كلما قويت في الخارج انتظمت قوتها في الداخل والعكس صحيح أيضاً. وهذا ما تثبته الحقائق، إذ على رغم التراجع الاقتصادي الذي تسببت به سياسات بوتين في روسيا فقد حقق حزبه انتصاراً كبيراً في انتخابات مجلس الدوما أخيراً تجاوز نتائج 2011 عندما كانت روسيا تنعم بطفرة اقتصادية.

والواضح أن جملة مسائل نقلت المشهد السوري إلى مستوى آخر يستمر حتى قدوم إدارة أميركية جديدة، حينها قد يصبح الفراغ في سورية مضاعفاً لا تقوى على ملئه إلا سياسة إقليمية تضع حداً للتراخي في مواجهة روسيا.

صحيح أن ضغطاً هائلاً يأخذ الولايات المتحدة باتجاه التخلي عن لعب دور الشرطي على الساحة الدولية باعتباره دوراً قد يؤدي إلى أكلاف بشرية قررت إدارة أوباما التوقف عن دفعها واستخدام الديبلوماسية والقواعد الدولية كوسائل لتسوية النزاعات، وهو ما «لا يتمتع بشعبية واسعة» وفق خطاب الرئيس الأميركي أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، لكن في المقابل وبغياب قانون دولي قادر على حماية المدنيين ، فإن عالماً بلا شرطي يفترض على الأقل عدم ترك اللصوص يسرحون فيه!

طبعاً، الضياع الأميركي على المستوى الاستراتيجي كان بادياً ، وأوباما كان يغرد وحيداً حين اعتبر أن لا حرب عالمية في الأفق على رغم أن « روسيا تحاول استعادة مجدها الضائع بالقوة ». وفي الوقت ذاته ، كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال جوزيف دانفورد ، يعتبر أن فرض إقامة منطقة حظر جوي قد يؤدي إلى نشوب حرب مع روسيا ، وزاد وزير دفاعه آشتون كارتر أنه بات على قناعة تامة بأن روسيا أصبحت تشكل تهديداً جدياً لمصالح الولايات المتحدة على الساحة الدولية.

بداية الصفحة