أخبار عاجلة

أخطر 90 دقيقة بين الرئيس والبطريرك

كتب في : الثلاثاء 02 اغسطس 2016 بقلم : منى مجاهد

- تأكيد تقدير السيسى للبابا والرد على أقباط المهجر وتطييب الخواطر.. أبرز 3 رسائل لاجتماع الرئيس مع تواضروس الثانى

-  لا يملك البابا كروت ضغط قوية على النظام.. والإصرار على التعامل مع الأزهر والكنيسة كمتحدثين حصريين باسم المصريين سيؤدى إلى مزيد من الكوارث الطائفية

كسر الرئيس عبد الفتاح السيسى تابو مصريا كبيرًا، بحضوره جانبًا من قداس عيد الميلاد المجيد فى عامين متتاليين، غير أنه لا يزال يرسخ وإن حسنت نواياه فى كل الأحوال، لمبدأ العلاج بجلسات العرب.

لقاء الرئيس بالبابا تواضروس الثاني، بطريرك الأقباط الأرثوذكس ووفد مرافق له من كبار أعضاء المجمع المقدس، بالقطع كانت على لائحته أحداث العنف الطائفى المستعرة على نحو لافت خلال الفترة الماضية، وتحديدًا فى محافظتى المنيا وبنى سويف.

وما من شك أن الرئيس استشعر خطرًا كبيرًا من تدهور الوضع فى بعض بقاع الصعيد على خلفيات من الصراعات الطائفية، بيد أنه فى الأصل لم ينتظر طويلًا قبل التدخل، معلنًا ضرورة تطبيق القانون على الجميع وإعطاء كل ذى حق حقه فورًا فى مثل تلك القضايا الحساسة.

كان ذلك خلال كلمته فى حفل تخرج عدد من الدفعات العسكرية الجديدة قبل أيام، قاطعًا بحسم بأن الصيغة المجتمعية الأمثل، تتطلب التعامل مع الجميع كمصريين متساويين فى الحقوق والواجبات أمام دولة القانون، دون النظر إلى ديانتهم ومعتقداتهم.

البابا شارك جموع الحاضرين التصفيق للرئيس بمجرد تأكيده تلك المعانى صراحة دون مواربة.. لكن يبدو أن الأمور متفاقمة فى الأوساط المسيحية، وأن غليانًا كبيرًا يتصاعد من تحت السطح، مما تطلب تدخل الرئيس شخصيا باجتماعه مع البابا ورجاله.

بطبيعة الحال، ووفق المعضلة الأزلية المصرية، ما دام تدخل الرئيس شخصيا، فإن كل الموضوعات العالقة ستحظى بأولويات قصوى فى التنفيذ والإنجاز.

على سبيل المثال، تعهد الرئيس بترميم كنائس ودور عبادة مسيحية دمرتها موجات العنف التى صاحبت نزع الإخوان من فوق سدة الحكم.

السيسى قال معتذرًا للحضور على هامش حضوره الخاطف لقداس عيد الميلاد الأخير، إن جميع الترميمات المتأخرة سيتم إنجازها هذا العام.. على الأرض يتحقق وعده بخطى متسارعة.

بالأرقام، شهد عهد الرجل فى الحكم، أى فى نحو سنتين فقط، ترميم 48 كنيسة إلى جانب صدور 8 قرارات جمهورية لبناء الكنائس والأديرة.. فى السابق كان يحتاج هذا العدد لعقود حتى يدخل دائرة الاهتمام.

فى لقائه بالبطريرك والأسقفة، رسالة مبطنة لمهاجميه من أقباط المهجر، بأن أى تطاول أو تجاوز فى حق الدولة وشخص الرئيس، لن يؤثر على العلاقة مع جموع الأقباط وقادتهم الروحيين بالداخل.

فى الاجتماع الذى تم فجأة ظهر الخميس الماضى، ودون إعلان مسبق عنه، واستمر 90 دقيقة، تأكيد جديد على تقدير شخصى من جانب الرئاسة والرئيس لشخص البابا ولدوره فى 30 يونيو، وربما يعكس تفهمًا أيضًا لكون الأخير ليس مسيطرًا على نفر قليل من الكهنة والقساوسة الزاعقين، على اعتبار أنه لا يزال حديث العهد بالجلوس فوق كرسى مار مرقس الرسولى، كما أنه بحاجة لمزيد من الوقت ليمتلك حنكة وصلابة وأوراق ضغط سلفه الراحل، شنودة الثالث، فى التعاطى مع الدولة فى مثل تلك القضايا الحساسة.

على سبيل المثال، كثيرا ما اعتاد البابا السابق وبالأخص فى سنواته الأخيرة الانزواء فى الدير بوادى النطرون، وعدم التواصل مع الدولة أو أجهزة الأمن، كلما وقعت جريمة فتنة طائفية بدا تقديره الشخصى لها أنها اعتداء مباشر على حقوق المسيحيين المصريين.

كان كبر سنه يمنحه فرصة بلا شك للتمرد الصامت وإعلان غضبه بطريقة مقبولة.. لكن البابا الحالى ليس لديه تلك الرفاهية حتى الآن بحكم حداثة عهده فى قيادة شعب الكنيسة.

لهذا السبب يمكن تفسير سر منح البابا تواضروس الضوء الأخضر للأنبا مكاريوس، أسقف عام المنيا، لإدارة ملف الفتنة فى محافظته.

فى ظاهر الأمر أن مكاريوس هو الأولى بتصدر المشهد على اعتبار أنه القامة الكنسية الأعلى فى محافظته، ومن تذهب إليه شكاوى الأقباط هناك.

ومع ذلك فهناك سبب آخر وجيه لرجوع البابا خطوات للوراء وتصدير مكاريوس بدلًا منه، مفاده عدم تورط الأول فى أى انفعال أو عبارة أو تصريح يحسب عليه، أو قد يعكر صفو العلاقات الجيدة التى تجمعه برأس الدولة.

اضف إلى ذلك، رغبة البابا فى التفرغ للضغط فى ملف قانون بناء الكنائس المعلق على أرضية تعقيدات برلمانية وحكومية، تناوئ فى تفاصيل عدة رغبة الكنيسة الأرثوذكسية.

البابا يواصل نهج تاريخى لرجال الكنيسة الكبار فى التعامل مع السلطة، يتعلق بذكر الجرائم الطائفية فى سياق كروت التفاوض على قضايا أكبر وأكثر حيوية، وعلى أساس أن العادة المصرية المقيتة ستجبر الجميع على غلق الحوادث الطاعنة فى المواطنة والنسيج الوطنى الموحد، بقبلات وأحضان إعلامية، تنهى الخصومة فى العلن، بينما تغذى دوافع الشطط فى الباطن.

خطورة لقاء الرئيس والبابا، وعلى ما يبدو فيه من نوايا طيبة، أنه يرسخ لمبدأ أبوية الكنيسة ورأسها وحدهما بالنسبة لجموع المسيحيين، فيما أنه ينافى حتى كلام الرئيس عن علو المصرية فوق المذهبية الدينية.

لو أن اللقاء لتطييب الخواطر فقط، فليته كان أيضًا تدشينًا لمرحلة سيتم فيه الاعتماد على دولة القانون وحدها فى حل المشاكل الطائفية، بما يتطلبه ذلك من استبعاد المؤسسات الدينية فى حل مثل تلك المشكلات المتكررة، على أساس أن المؤسستين العقائديتين الرسميتين كلتيهما، الأزهر والكنيسة، مخترقان من مسؤولين طائفيين بطبعهم، وكذلك لأن الغالبية العظمى لتلك الجرائم والفتن هى فى الأساس تقع تحت طائلة القانون العام، ولا بد أن تحل من خلاله، وألا يتصدى أى رجل دينى من أى من المعسكريين، أو من قبل السلطة، لتبنى حل عرفى كما يحدث دائمًا.

الطموح الآن، أن يكون النهج الرئاسى بإنفاذ دولة القانون على نفس قدر التحقق على الأرض الذى حظى به وعد ترميم دور العبادة المسيحية المتضررة من العنف والإرهاب فى ما بعد سقوط دولة المرشد.

إن بقاء الأزهر والكنيسة فى خلفية جلسات الحلول العرفية لجرائم الفتن الطائفية، وكمتحدثين وحيدين وحصريين باسم المصريين، مسلمين وأقباطًا، لن يؤدى إلا لمزيد من العنف والتحفز والشك فى النوايا وتصيد الأخطاء وسوء الفهم.

الرئيس شرح منطقه للحل عبر التمسك بإنفاذ دولة القانون وتقديم الهوية الوطنية على الهوية الدينية.. الخطوة المنتظرة أن يدفع صوب تحويل الرؤية الفكرية لواقع يومى معاش بقرارات خاطفة وعاجلة تنسف المحرمات التقليدية الخطرة، على طريقة وجود رأس الدولة تحت قبة الكاتدرائية فى أهم مناسبة دينية للأقباط المصريين.

بداية الصفحة