كتاب وآراء

الدكتور إيهاب بسيسو... الشاعر والوزير والأكاديمي المبدع

كتب في : السبت 10 سبتمبر 2016 بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

منذ بداياته برزت قصائده في مختلف الصحف والمطبوعات على امتداد مساحة الوطن العربي، مثل الأيام والقدس والحياة والسفير وأخبار الأدب وغيرها الكثير من الدوريات التي تصدر في البلاد العربية، وقد ترجمت بعض كتاباته إلى الإنجليزية وتم نشرها في بعض المجلات الأوروبية،... إن من أتحدث عنه هو الشاعر الدكتور إيهاب بسيسو وزير الثقافة الفلسطيني الذي ولد في تلك المدينة القريبة البعيدة، حيث البحر الشاسع والمليء بمراكب الصيادين وطيور النورس، حيث يتدفق البحر إلى مفردته ونظرته للحياة بأفق وشمول وهدوء وصخب، في غزة، مدينته التي أحب، نشأ بها وأنهى تعليمه الأساسي والثانوي فيها، حصل على درجة البكالوريوس، وأعقبها بدرجة الماجستير، انتهاء بدرجة الدكتوراه في الإعلام الدولي، التي حضّرها في بريطانيا... وفي تلك الحقبة من الزمن شغل منصب مستشار في هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" قبل أن ينتقل إلى العمل الأكاديمي في بريطانيا، وأثناء عمله كأكاديمي، جاءه الخاطر والوجد الذي أشعل في روحه كمداً على فراق الأهل والأحبة في الوطن فلسطين، ما دعاه ليرجع مجدداً ليستقر، وهذه المرة عاد مجدداً للتدريس، ولكن في جامعة بيرزيت، التي أصبح رئيس دائرة الإعلام فيها، ثم عمل ناطقاً باسم حكومة التوافق، قبل أن يقسم اليمين وزيراً للثقافة في شهر كانون الثاني 2016،.. صدر له خمس مجموعات شعرية: (نورس الفضاء الضيق)، و(ساعة الرمل)، و(كأنك تراه)، و(حين سار الغريب على الماء)، و(ضدك مرتين)،.. هو وبحسب تصريحاته لا يجد مردّاً لعودة الروح أكثر من اهتماماته في قراءة الشعر والروايات وكتب التاريخ بشكل رئيس، وقد شارك في العديد من الأمسيات داخل فلسطين وخارجها، وأدار العديد من الندوات الثقافية التي أسهمت بدورها في مناقشة قضايا مهمة تخص الشباب والمجتمع بكافة أطره وفئاته، أما الذي دفعه للانتقال من عمله الأكاديمي إلى العمل السياسي، فهي تلك النظرة الوطنية التي تتجذّر في أعماق روحه لفلسطين، فهو يريد أن يخدم بخبرته أبناء بلده، وأن يحقق مساهمة في تطوير المؤسسة الثقافية الفلسطينية، رغم أنه يتوق للعودة إلى العمل الأكاديمي، فكما نقل تجربته الأكاديمية في بريطانيا حاول كذلك الأمر أن ينقلها في الإطار الحكومي، وأيضاً يتمنى ويسعى نقلها للطلبة، وهو يرى بأنه لا يمكننا التغلب على التحديات كفلسطينيين دون أن نحقق الوحدة الوطنية، وبخصوص ما يدور في الشارع الفلسطيني يقول: هذه المناكفات والمزايدات السياسية ليست جوهر القضية، بل جوهر القضية الفلسطينية هو موقفنا من الاحتلال الذي يسرق أرضنا وينهب مقدراتها ويعتدي على مقدساتها، لذلك هو يؤكد أنه ينبغي علينا أن نكثف جهودنا جميعاً من أجل التحرر الذي ننشده ونأمل ونعمل على تحقيقه، واختلاف وجهات النظر ليس مدعاة للانقسام، فهنالك من يرى طريقاً هنا وهناك، ومن يرى منهجاً آخر، وهذا من الطبيعي والبديهي في حياة البشرية... ومن أهم ما لفت انتباهي إلى عظمة ما يقوم به الدكتور بسيسو هو أنه عندما التقى في مقر الوزارة بعدد من الناشرين ومسؤولي المؤسسات البحثية والأكاديمية الفلسطينية عبر اتحاد الناشرين الفلسطينيين، وبحضور عدد من ذوي الاختصاص في الوزارة بخصوص مشاركة فلسطين في إحدى الفعاليات الخارجية تحدث بصراحة وشفافية مع الناشرين الذين قدموا مقترحات قيمة قررت الوزارة الأخذ بالعديد منها على أن التركيز على صعيد المشاركة عبر برنامج فعاليات ضيف الشرف أو المشاركين تتركز على الثقافة الفلسطينية في القدس والمنفى والشتات،.. وشدد في ذلك اللقاء بسيسو على أن ما يميز وزارة الثقافة عن غيرها من الوزارات أن نطاق عملها يتسع ليشمل المبدعين الفلسطينيين أينما كانوا لافتاً إلى أهمية الانحياز للحالة الثقافية الفلسطينية في القدس والمنافي... طبعاً هذا الطرح إن دلّ على شيء إنما يدل على مدى إتساع آفاق رؤيته الوطنية لآلام المبدعين الفلسطينيين وما يتمخض عن هذه الآلام من إبداع وخاصة فيما يتعلق بالحنين للأم الكبرى فلسطين وترابها الطاهر، كما يدل على مدى حرصه على توحيد الصف الفلسطيني في كل أصقاع المعمورة،... ونحن كمبدعين فلسطينيين لطالما تمنينا هذا التواصل ولطالما ناشدنا هذا التواصل لأنه السبيل الوحيد لارتباطنا بالأرض المقدسة وبتراب وطننا الغالي.. كيف لا وهو الذي أكد أكثر من مرة عبر تصريحاته أن الثقافة بشتى صنوفها قادرة على مد جسور التواصل بين الشعوب وقادرة على حمل الصوت الفلسطيني ورواية هذه الأرض وهذا الشعب إلى العالم... كيف لا وهو الذي جعل شعار الوزارة بأن الثقافة مقاومة وصمود... ولطالما أكد في عدد من الفعاليات أن الوزارة تسعى لتعزيز العلاقات الثقافية ما بين القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية وعواصم الثقافة العربية المختلفة، وأكد على عمل الوزارة الدؤوب على إشراك العمق العربي،.. وشدد على العمل المكثف في إطار تعميق وبناء الشراكات الثقافية مع الدول العربية والأجنبية، وخاصة العربية، بما يساهم في تعزيز الحضور الثقافي الفلسطيني في المشهدين العربي والعالمي، وبالتالي استعادة فلسطين لحضورها في الوعي العربي.... وأكد على أهمية الثقافة ليس فقط في مد جسور التواصل مع الشعوب، بل أيضاً على أهمية وأصالة الثقافة الفلسطينية الضاربة في الجذور، وفي تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسات الاحتلال العنصرية، وفي حق هذا الشعب بالعيش كبقية شعوب الأرض حرّاً في دولته المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية،.. كما أشار في أكثر من فعالية ولقاء إلى أن ما لعبته الثقافة والفنون الفلسطينية على أكثر من صعيد، من بينها تعريف العالم بحقيقة ما يجري على الأرض في فلسطين، وبكون الشعب الفلسطيني شعب محب للحياة، ويناضل من أجل حقوقه، عبر الفيلم، والمسرحية، واللوحة، والقصيدة، والرواية، وغيرها من صنوف الثقافة والفنون، وعلى خطط الوزارة في تعزيز التعاون الثقافي المشترك مع مختلف الدول في العالم، ومع مبدعيها،.. وشدد أكثر من مرة على البعد الكوني للعديد من المبدعين الفلسطينيين، الذين كان للبعد الإنساني حضور بارز في إبداعاتهم، كما هي قضيتهم ويوميات وطنهم فلسطين، الذي لا يزال محتلاً.... الوزير الدكتور بسيسو عندما بدأ يبرز نفسه للعالم كشاعر قرر أن يفصح عن هويته للقارئ العربي في إطار مشروعه الشعري الخاص الذي يرفض الطرح السائد‏,‏ أو استنساخ الغير‏,‏ أيا كان‏,‏ ففي ديوانه الأول (نورس الفضاء الضيق) تعامل مع رؤية خاصة للأحداث التي عصفت بالوطن فلسطين,‏ وما حفرته الانتفاضة بأحداثها ووقائعها داخل ذاكرته,‏ خلال زياراته المتكررة من إنجلترا‏,‏ حيث كان يقيم في ذلك الوقت‏، وهي التجربة التي عايش خلالها تجربته الخاصة مع الخوف والقصف والموت‏,‏ والتي صبغت كتابته الشعرية التي حاول عبرها استنباط مشهد تفصيلي للأحداث من خلال البحث عن التفاصيل الدقيقة والأشياء الهامشية التي لا تستطيع أدق عدسات التصوير التقاطها‏،.. ومن أهم ما يميزه كشاعر هو أنه يرفض كتابة شعر البطولة بضجيجه الزاعق‏,‏ ويرى أن الشعر شأن إنساني‏ يبحث عن الغائب في أولئك البشر المجهولين‏,‏ الذين يدفعون وحدهم يومياً ثمن الرعب والخوف والقصف‏,‏ ولا تعرفهم شاشات الفضائيات ولا كاميرات المصورين باعتبارهم مجرد أرقام‏,‏.. يقول بسيسو: إن مشاهد اغتيال الطفولة الفلسطينية يومياً هي التي تشكل أبجديتي الشعرية بعيداً عن التمجيد وشعرائه‏،... ورغم اعترافه بتأثره الشديد بشعر درويش وسميح القاسم والبياتي والسياب وصلاح عبد الصبور‏,‏ لكنه يرى أن العصر يحتاج إلى صيغ شعرية جديدة تتجاوز أطروحاتهم‏,‏ خصوصاً أن الكثير من قصائد تمجيد البطولات لا تناسب هذه المرحلة بإيقاعها الزاعق‏,‏ وعموميتها‏,‏ ويبقى لها فضل الإسهام في التأسيس ولفت أنظار العالم إلي قضيتنا‏,‏ دون أن نسجن أنفسنا في قوالبها الشعرية‏،...

والجدير ذكره أن تجربته في إنجلترا أضافت له مفردات جديدة‏,‏ ومنحته فرصة الإطلاع على ثقافة الغرب بمختلف فروعها وتجلياتها‏,‏ وأسهمت في بلورة مشروعه الشعري وتخليص قاموسه الخاص من الزوائد‏,‏ ومنحته الرؤية الأشمل والقدرة على أنسنة القصيدة‏,‏ لكن كل هذه التأثيرات لم تمتد إلى روحه الشعرية المرتبطة بمرجعيته العربية وامتداده الثقافي الفلسطيني لأن هوية وجدانه ملتصقة بهوية ذلك التراب المقدس والماء الطاهر الذي شربه وتغلغل في حنايا روحه... ومن المهم الإشارة إلى أن الوزير الشاعر الدكتور إيهاب بسيسو تأثر بعمه الشاعر الكبير معين بسيسو منذ أن بدأ وعيه في التشكل منذ بداياته الأولى بحكم صلة القرابة‏,‏ خصوصاً أن أعمال عمه الشاعر معين تحتل مكانة متميزة في مكتبة والده في منزلهم بغزة، وقد جذبه مشروعه الشعري بشدة خصوصاً ديوانه الأول المعركة الذي صدر في القاهرة وترك أثراً عميقاً في وجدانه الشعري‏.‏ لكنه لم يستسلم لهذا التأثير‏,‏ وبدأ الدخول إلى عوالم مبدعين آخرين عرب وأجانب مع تفتح وعيه الشعري‏,‏ ليبقى معين بسيسو نافذة أولى له على عالم الشعر‏,‏ لكنه خرج من قضبانها مبكراً إلى حيث الفضاء الشعري الإنساني باتساعه وتراكماته المتعددة... وبالطبع إني أتشرف بأن أعلن عبر مقالتي هذه بأن معرضي الذي سيقام قريباً في الجزائر سيكون برعاية كريمة من هذه القامة السامقة والجليلة في عالمنا الفلسطيني والعربي... هذا الشاعر والمبدع والأكاديمي الكبير الذي ما إن تسلم منصبه كوزير للثقافة إلا وكان بحق هو الوزير الأنشط حتى اللحظة في سبيل رفعة الثقافة الفلسطينية وإيصالها إلى كل أصقاع المعمورة. من أجل تعزيز الحضور الفلسطيني على مستوى العالم كدولة وكشعب شاء من شاء وأبى من أبى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بداية الصفحة