الأدب

بريئة أم مُذنبة ومُقصِّرة

كتب في : الجمعة 09 سبتمبر 2022 - 10:29 صباحاً بقلم : حنان فاروق العجمي

 

ذهب بعضهم إلى إتيانها إفكًا عظيمًا، وذنبًا عليها التكفير عنه بتقديم فروض الولاء، والطاعة لولي نعمتها!!

بينما ذهب البعض إلى أنها بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وليس عليها شيء

أيهما الأصح؟

اصطحبوني في سطوري هذه لتتعرفوا عليها، وعليهم، واقرأوا جيدًا، وأعدُكُم أنه موضوع بغاية الأهمية، ومعلوماته من الألف إلى الياء ستستفيدون منها استفادة عظيمة، بل وترجعون إلى مصادرها أيضًا فهيَّا معي إلى مسرح الأحداث

المذنبة.... المرأة

الناطق بالحكم.... عدة أطراف

منهم الرجل، وبعض فئات المجتمع

الأحكام..... آراء الفقهاء، والشرع، والدين

المكان.... وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام المرئي، والمسموع

مَن هي ؟؟

الإجابة... الزوجة

مَن هو؟؟

الإجابة..... الزوج

حيثيات الحُكم.... أداء الأعمال المنزلية وخدمتها لزوجها وأولادها ورضيع لا يعلم موقعه من الإعراب!!

هل سترضعه أمه أم أن الله سيتولى أمره؟؟؟

ولا يعلم أحد موقفها تعددت الأسباب منها الجائز ومنها من يتعجب له أهل السماء والأرض وأصاب الفطرة الإنسانية بصدمة عصبية حادة لا علاج لها!!

الجَدَلِيَّة حول وجوب أن تَخدُم الزوجة زوجها، ووجوب قيامها بالأعمال المنزلية، وإرضاع أبنائها، أَم أنهُ لا يجب عليها، ولا تُلزَم بهِ

لنذهب في ذلك إلى نَبِيِّنا، وهادينا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة، والسلام، ونَستَن بِسُنَّتِه

عن النبي "صلى الله عليه، وسلم"

"كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها، وولده"

الرجل أو الزوج مثله مثل الحاكم مسؤول عن رَعِيَّتِه، فالزوج مُكَلَّف برعاية زوجته، وأولاده، وتوفير حياة كريمة لهم عليه واجبات، وله حقوق على زوجته

لا خلاف على ذلك، والإنفاق عليها، وعلى أولاده فرض، لا اختيار فيه، ووضح هذا الأمر الشَّرع، والدِّين،

ولا يُمكن التَّنَصُّل منه، فهو حق أصيل للزوجة، وحكم شرعي بمُجَرَّد إتمام عقد الزواج، وما يَتبَع هذاالحُكم من إلزام الزوج بتوفير مَسكَن الزوجية، وأحكام المُؤخر الذي هو حق للزوجة يُعطى لها، وليس لِوَلِيِّها كما جرى العُرف على ما يُسَمَّى "بالمَهر" الذي يُعطى للولي لنفقات تجهيز العروس، وشراء جزء من أثاث منزل الزوجية،

أو كله حسب اتفاق الطرفين، والمرأة عندما تتزوج راعية على بيت زوجها، وأبنائها تقوم بتربيتهم تربية حسنة، وتُنشئهم على المبادئ، والقيم، والأخلاق الحميدة، والمسئولية مشتركة بين الأب، والأم

في الرعاية، والتربية، وواجب الزوجة طاعة زوجها

في الحق، وقد قال تعالى " جعل بينكم مودة، ورحمة"

لنرجع لعهد الرسول، والصحابة، والصحابيات، وهم خير قدوة لنا، وخير مثال الخطيبة المفوهة للنساء أسماء بنت يزيد

هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصارية الأوسية الأشهلية، وهي صحابية جليلة، وابنة عمة معاذ بن جبل. وهي أم عامر، وأم سلمة الأنصارية الأشهلية

تميزت بالشجاعة، وحسن المنطق، والبيان، وشهدت اليرموك، وقتلت تسعة من الروم

تميزت بالجرأة في الحق، والسؤال عن الحلال، والحرام

أتت أسماء النبي، وهو بين أصحابه فقالت: بأبي، وأمي أنت يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك إن الله بعثك إلى الرجال، والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضِّلتُم علينا بالجُمع، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير

فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟" فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي إليها فقال: "افهمي عني أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حُسن تَبَعُّل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله". فانصرفت المرأة وهي تهلل

ومن هذا الحديث نخرج بأن نساء اليوم لَسنَ بأفضل

من الصحابيات، وإن اختلف العصر، واختلفت البيئة، واختلفت واجبات، ومسئوليات المرأة، والرجل، فالسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجة الزبير رضي الله عنهم كانت تسوس الفرس لزوجها، بجانب أعمالها المنزلية، وكانت النساء تخيط الثياب، وتطحن بالرحى، وتنتظر الرجال لحين يعودون من الغزوات، والمعارك، والجهاد في سبيل الله، وترعى أبناءهن، وقد تذهبن مع الرجال، وتشاركن في الحروب، والقتال، ولم يقتصر دورهن على الخدمة في المنزل، وتربية الأولاد فقط، وكانت منهن الخطيبات، والواعظات، ومَنْ يُؤخَذ عنهن العلم، ورُواة الحديث كالسيدة عائشة، وزوجات الرسول رضي الله عنهن، ولدينا مثلًا آخر لأعظم النساء

ريحانة أبيها السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة قالت للرسول تريد خادمًا يعينها في أعمال المنزل،

وفي خدمة زوجها سيدنا علي بن أبي طالب، وكانت قد تشققت يدها من الرحى فقال لها

سأقول لك على ذكر يعينك

سبحان الله ٣٣والحمد لله ٣٣ والله أكبر٣٤ مرة

لم يَقُل لها سأوفر لك خادمًا فهذا كان دورها كزوجة كسائر النساء

قال الرسول حينها للسيدة فاطمة الزهراء

كيف أوفر لك خادمًا، وأهل الصُّفة جوعى، وأهل الصُّفَة هم المهاجرون الذين أتوا ليأخذوا العلم عن الرسول أو ليجاهدوا في سبيل الله، ومكان الصُّفة يقع في الشمال الشرقي للمسجد النبوي الشريف، ويطلق عليه الآن

"دكة الأغوات" وسمي بالصُّفَّة لأنه كان يستظل تحته المهاجرون، وكان سقفه من جريد النخيل، ومعظم المهاجرين وقتها أصبحوا من الأمراء، وكانوا عفيفي الأنفس مهما اشتد بهم الجوع لا يطلبون الطعام قط، وكانوا للرسول بمثابة عياله، ومنهم أبي هريرة الذي أخذ العلم عن الرسول، فكان يربط على بطنه حجرًا إذا اشتد به الجوع كي لا يلتفت إليه أحد، وعندما رآه الرسول علم مما ظهر عليه من علامات الجوع، وأخذه إلى بيته الشريف، ووجد قدحًا من اللبن فقال له أن يذهب ليأتي بأهل الصُّفة لتناول اللبن وأتى ما يَقرُب من ثلاث مئة فرد وشربوا كلهم من القدح، وشرب أبو هريرة مُتعجبًا بالنهاية بعد سقايته لهم كلهم، ولم ينته قدح اللبن حتى شبع، وشرب الرسول الفضلة الباقية

ومن هنا خرجنا بأن الرسول الكريم لم يوفر لقرة عينه سيدة نساء الجنة خادمًا لتَحَرُّجِه من جوع أهل الصُّفَّة، والفقراء هكذا كان خُلق الرسول، وأهل بيته، ولم تعترض السيدة فاطمة الزهراء، وأطاعت أباها رغم المشقة التي كانت تُعانيها في منزلها، وعلى ذكر فاطمة الزهراء رضي الله عنها زوجة علي بن أبي طالب نشأت حياتهما على الحب والمودة حتى أن هناك غزلية شهيرة له قال فيها حين رأى السيدة فاطمة الزهراء تستاك بالسواك "أي تفرِّج أسنانها "

حظيت يا عود الأراكِ بثغرها

أما خفت يا عود الأراك أراكَ

لو كنت من أهـل القتال قتلتك

ما فـاز منـي يا سِواكُ سِواكَ

كانت حياتهم الزوجية تنشأ على المودة والرحمة، وخير مثال حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة

فقال رسولنا الكريم " إني رُزِقتُ حُبها "

وكان الرسول يخيط الثوب، ويخصف النعل، ويساعد زوجاته بالأعمال المنزلية، وكان عادلًا في معاملته لزوجاته، ورحيمًا بهن ، إذن الحياة الزوجية المثالية قامت على المودة، والرحمة، والعمل المشترك، ولم تَقُم فقط على الواجبات، فكان كل منهما يعرف ما له، وما عليه، ولم يتذمر أي منهما، ولم يُجبر الزوج زوجته على خدمته، والعمل بالمنزل بالقهر ، ولم يستعبدها بل كان هذا نابعًا من حبها لزوجها، وأولادها، وبيتها، وتفعل الزوجة ذلك عن طيب خاطر

ذهب أحدهم إلى الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله يوما وسأله عن معنى الآية الكريمة

" الرجال قوامون على النساء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ "

فقال أن قوامة الرجل تعني التكليف فالرجل مُكَلَّف برعاية المرأة، والإنفاق عليها، وليس معنى الآية أن الرجل أفضل، وأعلى مكانة من المرأة بل هو قائم

على أمرها، واستند إلى قوله تعالى

" والله فَضَّل بعضكم على بعض في الرزق "

والتفضيل هنا ليس معناه أن هناك أحد أعلى من آخر بل معناه الزيادة فهناك من زاد رزقه، وهناك من كان قليل الرزق، ويرزق من يشاء بغير حساب ومقارنة بالقوامة

لا تعني تفضيل الرجل على المرأة بل تكليف الرجل وقيامه على رعاية المرأة، وإنفاقه المال عليها لأن الرجل له من السمات الجسدية، والنفسية القوة في تَحَمُّل المشاق، والأعمال الشاقة التي يصعب على المرأة تَحمُّلها لأنها أضعف منه جسديا فهو مسؤول عن السعي على الرزق لتوفير معيشة كريمة لزوجته، وأولاده،

وعلى المرأة طاعة زوجها، والقيام بواجباتها على أكمل وجه " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"

فلا يجب أن يقهر الرجل زوجته، ويتسلط عليها

ذهب بعض الفقهاء مذهبا آخر في وجوب خدمة المرأة لزوجها، وهو أنه ليس واجبًا عليها بل هو تَفَضُّل منها، وليست ملزمة بخدمته، وأولاده، والأعمال المنزلية، وأن الزوج عليه توفير خادم لها يعاونها في البيت، وتربية الأبناء فعقد الزواج أُقيم على الإستمتاع بها، وإقامة علاقة زوجية، وإنجاب الأولاد له، وليس الخدمة،

وعلى الزوج أن يحضر خادمًا لخدمته إن كان

في استطاعته "ليُنفق كل ذي سِعة من سِعَتِه"

وقال أمين عام دار الإفتاء أحمد ممدوح أن الحياة الزوجية السليمة قائمة على المودة، والرحمة، وليس الحقوق، والواجبات فقط فالحقوق، والواجبات عند الذهاب للقاضي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» رواه أبو داود

صدق رسول الله فالحياة الزوجية ليست شركة، إذا لم تَقُم الزوجة بالخدمة في البيت لمانع ما كمرضها مثلًا أو أنها في بيت أهلها كان هناك خادم يخدمها، وحال أسرتها مُتَيَسِّر ماليًّا، ووفرت الخادم لها ليقضي حاجات وشئون المنزل فمثل هذه المرأة مِمَّن لا يَقُمن بأعمال الخدمة، ويعلم الزوج قبل زواجه منها انها كذلك فوجب عليه توفير خادم لها إن كان الزوج ميسور الحال

لا يُجبرها على الخدمة بالبيت أو يُهددها بالطلاق وإنهاء، وفض الشراكة بينهما على اعتبار أنه عقد شراكة وشركة يجب فضها إذا لم تنفذ الشروط ، أما إن كان الزوج لا يستطيع ذلك ، وتعلم الزوجة هذا عنه وارتضت به زوجًا، ووافقت على ظروفه المادية فعليها أن تقوم بأعمال المنزل، وخدمة أبنائها فالمشروط شرطا كالمعروف عُرفا، وكل حسب ظروفه، وطبيعة حياته، وكل له عقل يتدبر، ولا يوجد على وجه الأرض امرأة تحب زوجها، وبيتها، وأولادها، ويعاملها زوجها معاملة كريمة، ولا يُهينها، ويقهرها، ويُنفق عليها، ويرعاها، وأولاده، وتمتنع عن القيام بأعمالها المنزلية حال استطاعتها، ولم تُكُن مريضة، وينطبق ذلك على إرضاعها لأبنائها ما لم يَحول حائل دون هذا كخطورة ذلك

على حياتها، أو حياة الطفل الرضيع، وهنا يجب أن يسعى الزوج لتوفير البديل، وإيجاد الحل الملائم

فلا ضرر، ولا ضرار

هنا أرجو أن تكون قد انتهت الجدلية، وتوقف الصراع الأزلي بين الرجل، والمرأة بعد أن تبين أحكام الشرع، والدين في هذا الأمر، وليَكُن خير قدوة لنا الرسول، والصحابة، والسلف الصالح في حسم هذا الخلاف، فالأسرة هي نواة المجتمع، و الأبناء الصالحين هم عماد الأمة فإذا صَلُح الآباء صلح الأبناء وارتقت البلاد وتوطدت العلاقات على أسس قويمة، وعشنا نبني

لا نهدم، ونُخَرِّب، ونشن الحروب، ونخلق النزاعات، وندفن بالتراب المودة، والرحمة، والقيم، والأخلاق، ونُقيم علاقات إنسانية صحيَّة لا يشوبها المرض، ولن نسمع بيوم من الأيام زوج قتل زوجته لأنها لم تقُم بعمل كوب

من الشاي له أو أن زوجة قتلت زوجها لتسلطه وظلمه لها أو أن هناك أبناء تشرَّدوا بالشوارع لانفصال أبائهم وأمهاتهم أو أن أمًّا ألقت بابنها الرضيع في مكب النفايات وصندوق القمامة لعجزها عن إرضاعه،

أو لمرضها الجسدي أو النفسي، وإجبار الزوج لها

على إرضاعه، وتجريم المجتمع لها، كل هذه الجرائم، وأكثر ستنتشر، ولن يكون لها رادع، ومن هنا أناشد علماء الدين، والأزهر الشريف منارة العلم، والعلماء ضرورة توعية الناس بالحقوق، والواجبات، وأحكام الدين حتى لا يسمع ذوي النفوس المريضة لأدعياء العلم، والدين، والتأسلُم، ونقول على المجتمع السلام تَصَدوا لهذه المشاكل قبل فوات الأوان، ولا ننتقص

من دور مستشاري التنمية البشرية، والعلوم الاجتماعية لما لدورهم من أهمية في التواصل مع الناس، وليُكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام، ولا نغفل دور الفضائيات، والمذيعين في حملة التوعية لصلاح البلاد، وسعادة الأُسر، ونشأة الأبناء دون عُقد نفسية تحتاج لعلاج نفسي ورثوها عن آبائهم لا ذنب لهم فيها، وحينئذ لن نسمع بقضايا القتل الغريبة على مجتمعاتنا كطالب الامتياز الذي قتل زميلته المتفوقة بزعم حبه لها وتخليها عنه لأنه لن يستطيع توفير الحياة المرفهة، والمثالية التي تريدها أفيقوا يا أُولي الألباب، وإلا ستندمون ندمًا عظيمًا

بقلم الكاتبة حنان فاروق العجمي

بداية الصفحة