كتاب وآراء

عمق التلاحم المسيحي الإسلامي في سورية

كتب في : الاثنين 23 يناير 2017 - 11:39 مساءً بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

وهنا أود الإشارة إلى أنني أعرف الكثير من الشخصيات المسيحية الكبيرة وكتبت عن معظمهم وأشرت إلى ما يحملونه من محبة صادقة ونبيلة لهذا الوطن ولكل بني الإنسان على هذه الأرض من أي مذهب كانوا فمثلاً كتبت عن غبطة (البطريرك لحام) لأنني أعرفه عن قرب، وأعرف كم هو شخص وطني وإنساني ومؤمن وأبعد ما يكون عن أن يتقبل أي نوع من الفكر المتطرف وكل ما قام به هو تجسيد عملاني لفكر يعتنقه عقلاً وروحاً ونفساً وسلوكاً، وذكرت في مقالتي أنه أكد أكثر من مرة أن المسيحيين في هذه البلاد يعيشون مع إخوتهم المسلمين بمحبة وتعايش وتآخ وسيبقون فيها حتى لو أمعن الآخرون بالهدم، مؤكداً بأن ما يقوم به الإرهابيون باسم الإسلام ليس من الإسلام والإسلام بريء منه....

ومن رجالات الدين الإسلامي بإمكاني أن أذكر الآن (سماحة المفتي حسون) الذي وصفته ولا فضل لي فيما وصفت بأنه الداعية أبداً للمحبة والسلام والتسامح بالرغم من أن ولده كان من أوائل الشهداء بسبب الحرب الإرهابية التي تم استخدام التكفيريين فيها أيما استخدام... وأيضاً الدكتور (محمد عبد الستار السيد) وزير الأوقاف الذي كتبت عنه مقالة مهمة وصفته فيها بأنه الوزير المخلص والعالم المقاوم الذي حارب التكفير وفضح التزييف،.. وذكرت في تلك المقال أن سماحته أكد في عدد من تصريحاته بأن تغلغل التطرف الإسلامي في المجتمع ليس تقصيراً من الوزارة في إرساء دعائم الإسلام الحقيقي وبأن الحديث عن الفكر الإسلامي وعن انعكاساته على المواطنين في أي بلد من البلدان العربية والإسلامية، لا يتعلق بعمل مؤسسة أو عمل وزارة، وإنما يتعلق بمجموعة من العوامل التي يكون من ضمنها عمل هذه المؤسسة، ولكن هي ليست كل العوامل المؤثرة في تكوين الوعي الديني في المجتمع.. موضحاً أن التطرف والغلوّ والتشدد موجود منذ حركة الخوارج، أي منذ ما يقارب 1400 عاماً، فما حدث على حد تعبيره هو فكري وتاريخي يتعلق بأمة ولا يتعلق ببلد بحد ذاته، ومع ذلك فإن وزارة الأوقاف والسادة العلماء، ومعاهدها الشرعية وأساتذتها بحسب تأكيده كانت لهم رؤية أكثر وضوحاً لحجم المؤامرة، وقاموا بدور كبير في سبيل منع انتشار هذه الأفكار القاتمة؛ فمنذ اللحظة الأولى للأزمة قام الخطيب الأول في سورية الشهيد العلامة البوطي رحمه الله، وكبـار العلماء في كل الخطب والمحاضرات والندوات، بإيضاح هذه الفتنة والمؤامرة التي تحاك على سورية... ومن ضمن ما أشرت إليه في تلك المقال هو تأكيد سماحته أن لعلماء الدين الدور الأكبر في محاربة الفكر التكفيري عبر مشروع فضيلة والمنظومة الأخلاقية وفقه الأزمة والوحدة واللحمة الوطنية ونشر الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة بما يسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في الوطن... وأشرت إلى توضيحاته بأن هناك من يخلط بين التدين والعلم بالدين وشرحه بأنه شتان بين التدين الذي يطالب به كل مؤمن وبين عالم الدين الذي هو علم اختصاص وله أهله ولذلك لا يصح لمدعي العلم أن يقوموا بالعمل الدعوي مشدداً على أن ممارسة العمل الدعوي لا بد أن تقتصر على أهل الاختصاص ممن تخرج في كلية الشريعة أو المعاهد الشرعية التابعة لمعهد الشام العالي للعلوم الإسلامية والمدارس والمؤسسات التعليمية الرسمية... وذكرت بأنه دعا من يدّعون مكافحة الإرهاب والتطرف من الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي وغيرهم إلى تغيير طريقتهم ووقف دعمهم لمدعي الإسلام تحت مظلات سياسية مختلفة والتي أدت إلى ظهور ما سمي الداعشية وغيرها من المتطرفين... ونقلت تأكيداته بأننا في سورية انتصرنا على المؤامرة ببطولة جيشنا العربي السوري وهمة علمائنا ولن يستطيع المتآمرون القضاء على عروبتنا وإسلامنا مهما استخدموا من عملاء يحملون فكر الخوارج،.. ولا بد لي هنا في خاتمة هذا المقال أن أشير إلى أنه قد التقى سماحته مع الكثير من الوفود وأكد خلال لقاءاته أهمية تعزيز وتطوير علاقات الصداقة والتعاون بين سورية وبين وفود تلك الدول في مواجهة الإرهاب التكفيري والفكر المتطرف، حيث عمل هو وسماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون معاً خلال جميع لقاءاتهما وكل أنشطتهما على الإيضاح أكثر من مرة أن مواجهة الإرهاب والفكر التكفيري تبدأ من خلال الجانب الفكري عبر تعريف الشباب بزيف ما يدعيه أصحاب الفكر التكفيري وتقديم أفكار الإسلام السمح، وأكدا سماحتهما أكثر من مرة أن الشعب السوري صمد في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف مدافعاً عن استقرار وأمن المنطقة والعالم أجمع.

في مقالتي هذه أريد أن أتحدث عن عمق التلاحم المسيحي الإسلامي في سوريتنا الحبيبة وبأن الظلام مهما اشتد يبقى النور دائماً هو المنتصر.. سوف أتحدث عن هذا التلاحم العظيم الذي يجمع أبناء الوطن الواحد تحت راية علم واحد وبأن لا فرق بين من يصلي في الكنيسة وبين من يصلي في الجامع في بلدنا، فكلنا أبناء عيسى وكلنا أبناء محمد... طبعاً سيكون اعتمادي على شواهد من فعاليات وأنشطة وتصريحات كبار رجالات الدين من كلا الطرفين المسيحي والإسلامي لأن تصريحاتهم مرجع لا يمكن رده أو الرد عليه فهم الحجة والدليل والبرهان لأنهم يحملون بشخوصهم الاعتبارية إضافة لما هم عليه من عمل ومعرفة كامل المسؤولية أمام الله وأمام الوطن وأمام العالم أجمع.. وبالطبع بداية سوف أنطلق من تفاصيل ومجريات فعالية مهمة جداً جرت مؤخراً في دمشق وسوف أبدأ بها لخصوصيتها ولأهمية ما تحمله من إشارات ودلالات ومضامين نوعية من حيث جمعها بين كبار رجالات الدين والسياسة بخصوص نشاط له أهميته على مستوى العالم وليس على مستوى سورية فقط... حيث أقيم في كاتدرائية مارجرجس البطريركية للسريان الأرثوذكس في باب توما حفل تكريمي للسفير البابوي بدمشق ماريو زيناري بمناسبة تسميته كاردينالاً،.. وأكد خلال هذا الحفل قداسة البطريرك (مار أغناطيوس أفرام الثاني) بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الارثوذكسية في العالم أن تسمية البابا فرانسيس للسفير البابوي في سورية الأسقف زيناري كاردينالاً وإبقاءه سفيراً للفاتيكان في سورية هو طريقة خاصة لإظهار مكانة سورية ومحبته لها. وأشار إلى أنها أول مرة يسمى فيها كاردينال ويبقى على رأس عمله كسفير للفاتيكان وكذلك أول مرة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية تتم فيها تسمية كاردينال في سورية... وأضاف البطريرك افرام الثاني: إننا نخوض معركة التحرير بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد ونحن نستلهم من صبره ورباطة جأشه شجاعتنا ونثق بأنه سيقود سورية لما فيه الخير والنصر. ولفت البطريرك إلى أن عام 2016 اختتم بتحرير مدينة حلب وفتح آفاقاً جديدة بأن كل شبر من التراب السوري سيعود إلى حضن الوطن وكذلك رأينا فيه عودة الكثير من أبناء سورية إليها إضافة إلى زيارات لوفود غربية لتعبر عن الوقوف إلى جانب الشعب السوري في مواجهة الإرهاب وفضح ما قام به الإعلام المضلل من دور في دعم الإرهاب في سورية... ومن جانبه أكد (الكاردينال زيناري) أنه عندما عاد من روما إلى سورية بعد تسميته كاردينالاً تأثر كثيراً بفرحة الشعب السوري وتهنئته له كأول سفير يسمى كاردينالاً... وخلال الحفل أكدت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السيدة الدكتورة (بثينة شعبان) أن للفاتيكان ومنذ العام 2013 مواقف داعمة لسورية، وقالت: البابا فرانسيس كان دائماً يدعو للصلاة من أجل السلام فيها ونحن السوريين سعداء بدوره هذا وبوجود الكاردينال زيناري بيننا، وأضافت السيدة الدكتورة شعبان بأن سورية التي تدعو دائماً إلى السلام والمحبة والإخاء والتي كانت دائماً عنواناً للمحبة والسلام بين جميع أبنائها ستبقى صامدة بصمود شعبها وأصدقائها... كما أشار الدكتور (فيصل المقداد) نائب وزير الخارجية والمغتربين خلال ذلك الحفل التكريمي المهم إلى أن السفير البابوي في سورية الكاردينال زيناري ورغم تعرض سفارته في دمشق إلى حقد وقذائف الإرهابيين صمد وبقي إلى جانب سورية وعندما منحه قداسة البابا فرانسيس لقب الكاردينال وهو سفير في سورية كان ذلك أكبر مساهمة من قداسته في مكافحة الإرهاب ودعم صمود الشعب السوري. وأضاف المقداد بأننا نحن في معركة واحدة ضد الإرهاب، والبابا فرانسيس يقف معنا ببركاته وصلواته ومواقفه والشعب السوري لن ينسى ذلك أبداً... وبدوره قال سماحة المفتي العام للجمهورية العلامة الدكتور (أحمد بدر الدين حسون) بأن سورية هي الأرض التي أشرق فيها نور السيد المسيح على العالم معرباً عن الشكر لقداسة البابا فرانسيس على تسمية الكاردينال ليكون ممثلاً على الأرض التي مشى عليها بولص في الطريق المستقيم فأرضنا هي الأرض الطيبة الطاهرة، وصاحب القداسة عندما يكرم اليوم الكاردينال إنما يرسل رسالة حب بأن أرضنا هذه تحتضن كل من يحبها وكل من يريد بها خيراً.... وهنا من جهتي كصحفي وكمواطن أتابع تفاصيل ما يجري بشكل دقيق أود القول بأنه لا يمكن فصل المسيحيين عما تمر به البلاد، فانعكاسات الأزمة التي شهدتها سوريا طالت جميع الطوائف والأديان، والمسيحيون كغيرهم من الأديان والطوائف تعرضوا للقتل ولاستباحة الدماء من قبل الجماعات التكفيرية، وشهدت الأزمة طوال أعوامها حالات اعتداء كثيرة على الكنائس من قبل التنظيمات الإرهابية التي دمرت عدداً كبيراً من دور العبادة المسيحية ككنيسة دير مار اليان في حمص، وكنيسة مريم العذراء الآشورية في قرية تل نصري بريف الحسكة، وأحرقت هذه التنظيمات كنيسة تل هرمز التاريخية والتي تعد من أقدم الكنائس في سوريا، كما دمرت كنيسة قبر شامية، وكنيسة تل جزيرة، وكنيسة مار توما، والعديد من الكنائس الأخرى، كما وقامت الجماعات التكفيرية بقتل رجال دين مسيحيين كثر أبرزهم المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي،.. كما أود القول إن المسيحيين كغيرهم من أطياف المجتمع السوري التحق الكثير منهم بالجيش السوري ولجان الدفاع الوطني، وذلك للمشاركة في مواجهة الإرهاب، ونظموا العديد من اللجان، وهناك العديد من الفصائل التي قدم فيها الشبان والشابات منهم دماءهم وأرواحهم دفاعاً عن الوطن رافضين الانصياع للإرهاب،.. وغالبية المسيحيين في سوريا يؤيدون سيد الوطن الرئيس بشار الأسد، وبرز هذا واضحاً في تصريحات كبار علمائهم وفي مقدمتهم البطريرك الراحل أغناطيوس الرابع هزيم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس،.. والبطريرك يوحنا العاشر يازجي الذي خلف أغناطيوس أكد على أن سورية مثال للوحدة الوطنية وأن الشعب السوري بكلّ أطيافه متمسك بوحدة الأراضي السورية؛ وحض على العمل كي تنعم سوريا بالسلام والأمن والاستقرار... وأكد أننا إخوة تراب في هذا الوطن. وإخوة ترابه وإخوةٌ بترابه وأن سورية خلقت لتكون مرتعاً للعلم وللنور... فالتراب الذي شرب دماء الشهداء لم يسأل إذا كان هذا الدم مسلماً أم مسيحياً... وقال: لم تخلق سورية لتكون مرتعاً للتطرف والإرهاب والتكفير ومعبراً إلى فراديس تفترضها فقط عقولٌ مضلّلة... سورية وجدت لتكون مرتعاً للنور لأنها من المشرق. ومن المشرق يبزغ النور لكل البسيطة..

بداية الصفحة