كتاب وآراء

سراج النعيم يكتب : حضرت ولم أجد سوي (دمار) و(جثث) في الخرطوم

كتب في : الخميس 04 مايو 2023 - 9:04 مساءً بقلم : سراج النعيم

 

لم يكن سكان الخرطوم يتوقعون في يوم من الأيام أن يسيطر عليهم الحزن الأشد قسوة وايلاما، فمنذ انطلاق الشرارة الأولي للحرب، أصبحت ولاية الخرطوم خالية من مشاهد الحركة، اللهم إلا حركة محدودة جداً لا تبث الطمأنينة في النفوس، فما أن يصحو إنسانها من النوم إلا ويبدأ يوم جديد مع تحليق الطيران الحربي في السماء، والقصف بالأسلحة الثقيلة هنا وهناك، الأمر الذي جعل سماء الخرطوم سوداء، وتنبعث منها رائحة الحرائق في مناطق مختلفة، وتتصاعد السنت الدخان من المدن والأحياء، مما ولد خوفاً عميقاً، وأن كان الخوف في حد ذاته جزء أصيل من إنسانيتنا، فالمؤامرة ومخطط الفتنة كبير جداً، والهدف منه السلطة، ولو لم يتبق إنساناً على وجه الأرض، أي أنه في إمكانهم التحالف مع الشيطان لتحقيق أغراض شخصية لا تمت بصلة للمصلحة العامة، فأكثر إنسان متشائم في السودان لا يتوقع حدوث ما جري في السودان الذي توشحت عاصمته بالسواد في العشرة الأواخر من شهر رمضان المعظم، واستمر حتى أيام عيد الفطر المبارك، فهي أيام تتعلق فيها الأرواح بالسماء الذي امتلأ بنيران الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع، علماً بأنها أيام ينتظرها إنسان السودان بفارق الصبر، إلا أنها اتته بما لم يكن يضعه في الحسبان، فحتى الأطفال شاركوا الكبار الخوف مما تخبئه لهم الحرب، فالمنازل، الشوارع، الأسواق والأماكن العامة حزينة، والخوف يسيطر على المشهد تماماً، والجثث ملقاة على الطرقات العامة، والحريق في عدد من المناطق، مما حدا بالبعض من السكان الهروب من ويلات الحرب للولايات السودانية المختلفة ومصر، وبقية الدول المتاخمة للحدود السودانية، فلم تعد الخرطوم ملاذاً أمناً، فالمدن والأحياء أضحت شبه خالية من السكان الذين كانت تزدحم بهم شوارعها التى احتلتها مليشيات الدعم السريع، هكذا تبددت أحلام وأشواق أبناء الوطن ما بين ليلة وضحاها، فقد تركوا كل شئ المنازل، الشركات، المصانع والمحلات التجارية، وخرج الجميع هائماً على وجهه ينشد الأمن رغماً عن علمه بأن المصير المجهول. 
فيما تمسك البعض الآخر من سكان الخرطوم بالبقاء فيها رغماً عن تحليق الطيران الحربي، والقصف بالأسلحة الثقيلة، أي فضلوا مواجهة الخوق، الرعب، الهلع، الترقب، الإنتظار والموت، ومع هذا وذاك يبحثون عن إجابة لأسئلة تدور في الرأس إلى أين الأوضاع الأمنية، الاقتصادية والإنسانية، خاصةً وأن سكان الخرطوم لا مصدر دخل لهم، وبالتالي تصرف الأسر مما تملك من مبالغ تحتفظ بها في حسابها المصرفي ببنك الخرطوم الذي لديه خدمة السحب الإلكتروني، فكلما مضي يوم ضاقت بهم الظروف الاقتصادية الطاحنة جداً، فالحرب الدائرة بين الجيش السوداني، ومليشيات الدعم السريع ضاعفت من المعاناة، فالقلب يتحسر على ما آلت إليه الخرطوم التى سيكتب في إطاره من هجروها عند العودة إليها (حضرنا ولم نجدكم).

بداية الصفحة