كتاب وآراء

الشيخ محمد حسين... روحي تتنفس عبق القدس في حضرته

كتب في : الاثنين 11 يوليو 2016 بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

لأنها الحاضرة أبداً في عمق سويداء قلبي، ولأنها الشعلة التي تستضيء بها روحي، ولأنها القدس؛ فمن الطبيعي جداً أن أهتف باسم كل من يهتف باسمها حباً وشفغاً... القدس أيقونة روحي وقبلة الوجد في نفسي وأقصى أمانيّ، ووميض البهجة الأبهى في دهري، ومقام السعادة الأسنى في عمري، وزيت سراج حياتي ومعدن معنى اللون الذي يلامس حنايا حنان ريشتي، وبريق مؤشر بوصلة الحبر لما يخطه قلمي،.. القدس حبيبة مهجتي وضوع الطيب بأنفاسي، كيف لي أن أكون بعيداً عنها وأنا الحاضر فيها قلباً وعقلاً وروحاً، كيف لي أن أشعر أنها البعيدة وأنا كلّي لها وجداً ووجداناً ووجوداً...

بالطبع من يقرأ هذه المقدمة من الكلمات المفعمة بالشاعرية والعاطفية ربما سيعتقد للوهلة الأولى أنني سأكتب قصيدة أو سأتحدث عن قصيدة إلا أنني في الحقيقة ما بحت به ما هو إلا بعض عبقٍ مما يمكن أن تعكسه مرايا شهيق الروح في صدري لما يعتمل في جوانيات ضمير كياني وكينونتي كلما صدح شادنٌ باسم أقدس وأطهر عشق شغل دنياي وملأ عالمي حبيبة روحي القدس... إلا أنّ ما هيج وجدي وجعل قلم شغاف فؤادي يفيض بهذه الكلمات، هي مواقف وخطب ومحاضرات كنت أراجعها وأتمعن فيها لمفتي القدس والديار الفلسطينية فضيلة الشيخ محمد أحمد حسين الذي ما قصر يوماً في أن يكون الصادق الصدوق معي والأب البار الحنون الذي وقف بجانبي وساعدني بكل ما أمده الله معنوياً ومادياً كونه يعلم أنني معيل لأكثر من مئة وثلاثين يتيماً من أبناء أسرتي.... فله ألف تحية من تحايا طيب الثمرات الحانيات يوم القطاف الأعظم يوم يفوز من كان يتفيا بعبير الباقيات الصالحات... ويصلاها الأشقى فلا يموت فيها ولا يحيى... يوم كلٌّ يرى جزاء ما قدم وأبدى،... فمن عمل مثقال ذرة من خيرٍ؛ خيراً يرى... والبادئ بالظلم فقد ظلم نفسه وخاب من افترى...

وإني أرى الشيخ محمد أحمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية من أهل الشاطئ الأيمن بإذن الله يتسلم كتابه بيمينه مستبشراً ويا بشراه من بشرى فهو الذي تدرع بالتقوى حاسباً لذلك اليوم الذي لا ينفع فيه الإنسان سوى ما قدم من حسنى،... وما أحيلاه حين يقدم ويتقدم... بل جاد وأحسن بما منّ عليه الباري بما وهب يمناه وأعطى... كيف لا وهو الإبن البار للتربة الميسرة لليسرى... كيف لا وهو التقي المؤمن المحسن... و"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان"... وفوق ذلك كله هو المناضل والمجاهد حق الجهاد... فعله الكرم والجود وكلمته الحق لا يخاف فيها لومة لائم... "فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا، "وجزاهم بما صبروا"،... وبالطبع ما أود التنويه له هنا هو إنني أريد التعريج على بعض من نفحات جهاده ونضاله ومقتطفات من تصريحاته وكلماته وعظيم مواقفه إضافة إلى ما قدمت من عرفان وتعريف بمقام جوده وكرمه وطيب حسن معشره.. حيث إن شيخنا الجليل بالرغم من أنه قد تعرض للاعتقال على يد طغاة الأرض الصهاينة بقي كالجبل الأشم الذي لا يتزحزح عن مسار بوصلته وحقانية مطلبه وثبات مبادئه، ولم يهن عزمة عن مواصلة نضاله وكفاحه في أن يصدح بكلمة الحق في كل المواقف والمجالس والمنابر، وبقي الكريم لأنه في أصوله ومن جذوره كريم وابن كرام، وبقي الصامد الشامخ الذي لا يخاف لأنه يدافع عن قضية عادلة, ومبادئ عادلة... نعم أراد أن يقول للصهاينة الفجار لا،.. وبالكاد قالها فلم يسلم من عقال الاعتقال، إلا أنه وبعون الله تعالى وحسن توفيقه خرج يومها سالماً ليتابع مسيرة النضال... تحدث وخطب وحاضر وصرح وصدح بصوت لا يخشى غير ربه، تحدث عن الاعتداءات الإسرائيلية على بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك، ووسائلها التي تجسدت من خلال مصادرة الأراضي والحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك والأماكن المحيطة به، ومحاولة طمس الهوية الإسلامية للقدس، مبرزاً أن أطماع إسرائيل في القدس بخاصة وفلسطين بعامة ليست وليدة اللحظة، فمحاولاتها الحثيثة لتهويد القدس وطرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة تحت حجج وذرائع مختلفة وجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود إليها، تهدف إلى فرض الأمر الواقع الديموغرافي اليهودي، وتدمير الحضارة العربية الإسلامية فيها، التي مازالت من أهم الدلائل على تاريخ الإنسان العربي وجذوره فيها، وأعرب عن أسفه لكون كل ذلك يحصل في غياب عربي وإسلامي واضح، فالمسجد الأقصى على حد تعبيره يتعرض في هذه الحقبة التاريخية القاسية إلى مؤامرات كيدية وعاتية، تستهدف وجوده وتقسيمه، بل تعمل وضع اليد عليه بالكلية، لتحقيق أهداف يزعمون أنها توراتية، والتوراة منها براء، فهي في أصلها كتاب من الله مقدس، من المحال أن ينص على معاداة الربانيين من الناس، المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وشدد على أن شد الرحال إلى المسجد الأقصى أمر تعبدي، وضرورة يستدعيها الخطر الداهم الذي يتهدد وجوده بالهدم أو التقسيم أو التدنيس أو بالحصار المحكم والحيلولة دون إعماره، مؤكداً على أنه رغم المرارة التي يتكبدها الفلسطينيون إلا أنهم لن يستسلموا لإرادة البطش والقهر، وسيواصلون سعيهم بأجسادهم وقلوبهم ومشاعرهم إلى مسجدهم، ولن يدعوا فرصة تتاح لهم، إلا ويثبتوا من خلالها للقاصي والداني أنهم أصحاب الحق الوحيدون في هذا المسجد، وفي هذه الأرض الطهور، شاء من شاء، وأبى من أبى... وأشار في عدد من محاضراته وتصريحاته إلى أنه كما أن هناك تطرف في الجماعات الإسلامية نحن نواجه قمة التطرف اليهودي في المسجد الأقصى والقدس وأن كل الجماعات التي تتبنى قضية هدم وتقسيم الأقصى زمنياً ومكانياً هي جماعات يهودية متطرفة تشابه بفكرها المنحرف والمتطرف الفكر المنحرف لدى الجماعات الإسلامية فكلاهما يصب في خندق واحد لكن باختلاف الوسائل والأهداف... وعلى صعيد موازي يصب في السياق ذاته وفي الكثير من خطبه ومحاضراته دعا كافة المسلمين، إلى فهم الدين بشكل صحيح، وعدم الانخداع بالشعارات البراقة، وبمن يحاول أن يستغل تلك الشعارات لتزييف فكر الأمة وتاريخها وحضارتها والفهم الصحيح للإسلام، ونبه إلى أنه يتوجب على كل المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي أن يطرحوا الفكر الإسلامي الصحيح حتى يحموا أبنائنا وبناتنا من هذا الفكر المنحرف الذي يأتي بالضرر للأمة، وحذر من قضية التطرف والتكفير والحرص على الخطاب الديني المعتدل والوسطي الذي يوصل للحقيقة كما هو في الإسلام الصحيح وكما جاء في القرآن والسنة وسار عليه المسلمون،.. وأوضح أنه لابد أن تنتشر وسائل التثقيف في كافة المجالات سواء بالجامعة ووزارات الأوقاف ومراكز الدعوة وأن تنشر قضية الوسطية والعمل بها حتى تكون هي الحاكم والفيصل في كل القضايا الفكرية التي تثار سواء كان إعلامياً أو في بعض المدارس كما هو الحال الآن مع الأسف الشديد في الجماعات الإسلامية التي تتسمى بالإسلام وهي في نفس الوقت تستبيح دم وأعراض المسلمين كداعش وأخواتها،.. كما حذر من حال الانقسام الذي يعيشها الفلسطينيون منبهاً إلى أنه لا يجوز للفلسطينيين أن ينقسموا أو يستمر هذا الانقسام فهي حجر الأساس في الحفاظ على المقدسات وتراث الأمة في القدس... وفي الوقت نفسه أكد أن القدس وفلسطين أمانة في أعناق العرب والمسلمين، وينبغي القيام بواجب نصرتهما بكل السبل المتاحة والممكنة،.. وأكد أن من أبرز واجبات الأمة الإسلامية أن تعمل جهدها لتحرير هذه الأرض المباركة، ومسجدها الأقصى، حتى تكون مفتوحة لمن يشد الرحال إليهما،.. في ختام مقالتي أريد أن أقول بأنني وكما عادتي مع كل من يعمل من أجل القدس قدمت له درع القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، من باب التكريم والإعظام لمقامه ولجليل مواقفه الوطنية والقومية التي لا تحصى وهذا أقل ما يمكن لي أن أفعله تجاه هذه القامة الجليلة بصفتي رئيس مركز القدس للفنون والإعلام وكوني كرست حياتي كلها لخدمة قضية وطني وشعبي.. ولأنه مفتي القدس ولأنه الشيخ محمد حسين الذي تتنفس روحي عبق القدس في حضرته. ولأنه يتألم لحال فلسطيني الشتات وخاصة مخيم اليرموك الذي راح لي فيه من أسرتي إثنان وثلاثين شهيداً أنهكوا صبري وجعلوا الحزن خيمة لا تفارق وقتي. إلا أن إيماني الكبير بمواصلة النضال مهما كانت الظروف جعلني لا أتوانى أبداً عن المواظبة على الجهاد والنضال من موقعي كفنان وكإعلامي وككاتب من أن أستخدم ريشتي وقلمي في خدمة قضيتي وخدمة المقاومة حتى استرجاع كامل ذرة من تراب أرض آبائي وأجدادي فلسطين الحبيبة. 

بداية الصفحة