كتاب وآراء

ايران تترنح والثورة مُستمرة .

كتب في : الاثنين 21 نوفمبر 2022 - 10:22 صباحاً بقلم : حسين عطايا

 

مع بداية هذا الاسبوع دخلت ثورة النساء في إيران شهرها الثالث ، على إثر مقتل الشابة مهسا اميني على يد شرطة الاخلاق ، بعد اعتقالها نتيجة عدم مُطابقة حجابها ولباسها مع الشروط التي وضعتها السلطات الدينية الايرانية والتي تُسيطر على كل مفاصل الحياة في إيران  منذ مطلع العام ١٩٧٩ ، وتفرض مواصفات وظوابط على سلوك حياة الايرانيين لاسيما النساء منهن .
على أثر ذلك تظاهرت المئات من النساء الايرانيات ثم انضمت الى الثورة قِطاعاتٍ واسعة من الشعب الايراني والشباب خصوصاً الطلاب الجامعيين منهم على وجه التحديد ، وتحولت المُدن الايرانية وخصوصاً المدن الرئيسية في محافظات الكرد والبلوش والاذريين والاحواز  ، وعلى مدى الاسابيع الماضية تحركت كل الاجهزة القمعية الايرانية لتُمارس شتى وسائل القمع وبدعم مباشر من المرشد الاعلى والذي يُشكل اعلى سلطة في ايران "  علي خامنئي " ، والذي في خطابه بالامس وصف المتظاهرين الايرانيين بأقذع العبارات وأمر بقتلهم وإخراجهم من الشوارع وسحلهم على ايدي اجهزة الشرطة والجيش كما وحدات الحرس الثوري والباسيج  ، وقد سقط لتاريخه ما يُقارب اربعماية ضحية من بينهم خمسون طفلاً أخرهم كان الطفل كيان حيث تم إطلاق النار على سيارة العائلة التي كان يستقلها اثناء العودة لمنزله مع عائلته وهو دون التسع سنوات ، كما سقطت العديد من النساء اللواتي شاركن ولا زلن يُشاركن وبكثافة في التظاهرات والاحتجاجات ،  ما يُثبت حيوية المجتمع الايراني في شتى محافظاته ومن مختلف القوميات والاعراق وحتى تطور الامر الى دخول قطاعات التعليم والتجار والصناعيين والفنانين ولاعبي المنتخبات الرياضية في صلب الاحتجاجات اليومية .
كل هذا الامر ، ومع أن السلطات الايرانية لم توفر وسيلة قمعية إلا واستعملتها لوئد الثورة في مهدها إلا انها فشلت فشلاً ذريعاً ، لا بل ازدادت نسبة الاحتجاجات والتظاهرات حتى عمت عموم إيران ، واقدم المتظاهرون على إحراق العديد من مقرات الحرس الثوري الايراني وقوات الباسيج والتي تُعتبر الاكثر دموية ووحشية في قمع المحتجين ، بعد ان حصلت مئات اعمال الهرب من عناصر قوى الامن والجيش وعدم إطاعتهم لاوامر قمع التظاهرات الشعبية .
هذا من جهة ، كما انه من جهة ثانية لم تألوا السلطات الايرانية اي جهد لشيطنة الثورة وصبغ الثوار بصبغة العمالة للغرب او للسعودية ولغيرها من الدول المناوئة للسياسة الايرانية ، كما اتهمت السلطات اجهزة استخبارات امريكية وبربطانية وسعودية بأنها تعمل على زعزة الامن في ايران والتحضير لحرب اهلية ، كما ان تلك السلطات لم يغيب عنها إستحضار داعش في بعض العمليات والتي هي من صنع ايادي النظام في الاعتداء على بعض المزارات الدينية كما الاعمال الارهابية التي تُنفذ ضد المتظاهرين وتوجيه الاتهام لفلول داعش ، ويأتي ذلك لزرع الخوف في نفوس المتظاهرين تحت حجج الاعمال الارهابية آملاً بخوف الشباب والنساء الايرانيين وعودتهم الى منازلهم .

كل هذه الاساليب لم تُعطي النظام فُرصة إلتقاط الانفاس بل تزاد التظاهرات يوماً بعد يوم وتتوسع دائرة المشاركين في الثورة مُطالبين بالمزيد من الحريات لا بل تتوسع شعارات إسقاط النظام ، مما دفع ببعض المتظاهرين إلى الاقدام على حرق منزل الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية والذي تحول الى متحف بعد مماته ، كما الاقدام على حرق تماثيل لقاسم سُليماني وصور كبيرة للخامنئي وغيره من زعماء ايران .

تنقل بعض المصادر وفق بعض التسريبات من الداخل الايراني ، على أن جماعة النظام يعيشون قلقاً لإن مايحدث اليوم في ايران يُذكر قادة النظام من الملالي وقادة الاجهزة العسكرية ، بمرحلة ما قبل سقوط الشاه ونظامه في اواخر  العام ١٩٧٨  ، وهذا ما يخشون منه ، ويُحاولون دون الوصول اليه .
لاشك بأن الثورة مستمرةً وتزداد قوة ورسوخاً فيما بين قطاعات الشعب الايراني والذي كسر حاجز الخوف على الرغم من محاولة النظام إرهاب الثائرين وقمعهم بأشد الوسائل حتى غدا يخطف جثامين الشهداء ودفنهم سراً خوفاً من ان تتحول مناسبات دفن الشهداء والذكرى الاسبوعية والاربعين الى تظاهرات كُبرى تزيد الامر اكثر صعوبة على اهل النظام وقادته .
إذن الثورة دخلت في شهرها الثالث وهي مستمرة بزخم متصاعد ، والنظام يترنح لكنه لازال يمتلك القوة وكل وسائل واجهزة القمع ، وقد يستمر الامر شهوراً واسابيع قبل ان يسقط النظام ، حتى ولو لم يسقط سيُصاب بجروح بالغة قد تؤخر سقوطه بعض الوقت ، ولكن علمنا التاريخ أن كل ظالم سيسقط ويندثر وستنهض الشعوب من جديد وتبني اوطانها .
فعصر الظُلُمات سينتهي وإن طال زمانها بعض الشيء .

حسين عطايا - كاتب وباحث سياسي لبناني .

بداية الصفحة