كتاب وآراء

السيسي يعزف منفردا

كتب في : الثلاثاء 02 اغسطس 2016 بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي

لعل من أشهر العبارات الشائعة بين المصريين هذه الأيام التي يرددها العوام والخواص على الدوام في أحاديثهم الجانبية حول أسعار السلع الغذائية الأساسية وفواتير الكهرباء والماء التي ارتفعت إلى عنان السماء هي عبارة (السيسي بيشتغل لوحده) فبقدر ما تحمل هذه العبارة من معاني وطنية تعبر عن الرضا الشعبي العام عما يقدمه الرئيس القائد الشجاع الذي وضع كفنه على كفه ذات يوم وعرض حياته لموت محقق من أجل حماية مصر (الشعب والهوية والحضارة) من دمار مؤكد بقدر ما تحمل نفس العبارة من اتهامات واضحة لوزارة شريف إسماعيل التي سيذكر التاريخ في أحلك صفحاته سوادا ما آل إليه حال المصريين في عهد هذه الوزارة التي تعد الأضعف أداء ، والأكثر فسادا ، والأكبر محاباة لرجال المال والأعمال ، والأقل اهتماما بالقضايا الحياتية التي تمس السواد الأعظم من المصريين ، والأكثر تهميشا وظلما للفقراء والمعدمين .
منذ أن رفض رجال المال والأعمال بدلعهم المعهود وتبجحهم غير المسبوق الاستجابة لدعوة الرئيس القائد عبدالفتاح السيسي بالتبرع لصندوق تحيا مصر الذي أنشأه خصيصا لتلقي تبرعات القادرين من المصريين من أجل إعادة بناء وتعمير وتطوير البنية الأساسية المتهالكة .. منذ ذلك الحين لم تمارس هذه الحكومة (المبجلة) أية ضغوط فاعلة لإثناء هذه القلة المستغلة عن موقفها العدائي ضد كل ما هو وطني (الدولة والنظام والشعب المصري) .. وبالرغم من توافر الذريعة الوطنية المناسبة لإقرار الضريبة التصاعدية على دخول رجال المال والأعمال الخرافية إلا أن هذه الحكومة جبنت عن مواجهة القلة المستغلة في الوقت الذي ملكت فيه الشجاعة الكافية لتسلك الطريق الأقصر لتحقيق غاياتها ظنا منها بأنه الطريق الأكثر أمنا – وهي لا شك واهمة – حينما استدارت حكومة المهندس شريف بوجهها القبيح صوب الفقراء لتسلب ما تبقى لديهم مما يسد رمقهم ويستر عوراتهم وهو قليل .. حيث رفعت نصف الدعم عن المواد الغذائية الأساسية ، ورسوم الخدمات المهمة (الكهرباء والماء) ، ثم أقرت ضريبة القيمة المضافة لتزيد الطينة بلة الأمر الذي سيترتب عليه زيادة الأعباء المعيشية على محدودي الدخل والمعدمين والفقراء .. لكن المصيبة الأعظم أن حصيلة ضريبة القيمة المضافة الجديدة لن تدخل خزينة الدولة بل ستذهب مباشرة إلى الصناديق الخاصة في وزارة المالية بدعوى تطوير الأداء العام للوزارة !! .. ولعل هذا يؤكد على صحة ما يردده البعض بقولهم أن أكثر من استفاد من الثورة هم من قامت عليهم ، وأن أكثر من ظلم بسببها هم من قاموا بها ، وأن أكثر من تضرر منها هم من قامت من أجلهم .. وهل هناك ضرر أصاب الفقراء أكثر من هذا الغلاء ؟
لذلك لن أقدم في مقالي هذا شيئا جديدا من عندياتي ، أو أعرض من خلاله فكرا يجول في مخيلتي ، أو أشرح فيه اقتراحا أراه حلا ناجعا لمشكلة عامة ، أو أطرح فيه رأيا أعتبره عاملا مساعدا في إنجاح قضية وطنية هامة .. بل سأكتفي باستعراض بعض القرارات الوزارية الصادرة من هذه الحكومة (المبجلة) ومقتطفات من التصريحات اللولبية التي صرح بها إعلاميا السادة الوزراء (العباقرة) التي أثارت غضب المصريين ، واستفزت مشاعرهم ، وأصابتهم بالصدمة ، وأكدت على عدم رضاهم عن أداء هذه الوزارة التي تعد من أسوأ الوزارات التي تولت مسئولية البلاد قبل اندلاع ثورة 25 يناير الشعبية وبعدها .. ذلك لأنها لم تف بوعد ، أو تحترم عهد ، ولم تتمكن من السيطرة على الأسعار ، بل تفوقت على نفسها في الكذب والاستفزاز ، وامتهنت الخداع والتضليل والإستعباط ، واتخذت من التصريحات الاستفزازية منهجا في التعامل مع المصريين ، ولم توفر لهم الحدود الدنيا من حقوقهم المشروعة في الحياة الإنسانية الكريمة التي يحلمون بها منذ عدة عقود حتى أصابهم اليأس والبؤس والإحباط من كثرة الوعود الكاذبة التي قدمتها لهم الحكومات السابقة المتعاقبة
سأعرض فيما يلي عينة بسيطة من تصريحات بعض الوزراء حتى يمكن تقييم أداء هذه الحكومة دون تحامل أو مبالغة .. فكما تابعنا جميعا ما وقع في امتحانات الثانوية العامة من مهازل وتسيب ومآسي وفوضى .. بدءا من فضيحة تسريب أسئلة امتحان اللغة العربية التي أربكت الوزارة وأصابتها بالتخبط والعشوائية وإلا لماذا ألغت امتحان الدين وأبقت على امتحان اللغة العربية ؟ ، مرورا بالأخطاء الموضوعية المشينة في أوراق أسئلة التاريخ والفيزياء والجغرافيا ، وصعوبة أسئلة الفيزياء فضلا عن وضع أحد أسئلتها من خارج المنهج مما تسبب في وقوع حالات انتحار بين الطلبة في كل مكان ، وصولا إلى عمل لجان خاصة لأبناء بعض الفئات في دولة اندلعت فيها ثورتان شعبيتان خلال سنتين وبضعة شهور من أجل العدالة والمساواة ، وانتهاء إلى انتشار حالات الغش الجماعي على مستوى الجمهورية ثم بعد ذلك كله يصر وزير التربية والتعليم على الاستخفاف بعقول المصريين حينما صرح بقوله (نحن نستطيع تغيير مناهج العالم كله وليس مناهجنا فقط) !! . 
أما وزيرة التضامن الاجتماعي فأبت إلا أن تشارك وزير التربية والتعليم في تغييب عقول المصريين والقضاء على ما تبقى لديهم من ولاء وقيم ومبادئ وانتماء .. حينما قامت بتكريم أحد الممثلين الذين أفسدوا بفنهم الهابط أخلاق جيل بأكمله حيث يروجون للرذلة والمخدرات ، ويسلطون الضوء فقط على السلبيات ، ويؤسسون لمجتمع يحكمه البلطجية والفتوات .. لكن المضحك حتى الغثيان هو تصريح الوزيرة وهي تصف الممثل (الضرورة) بقولها (أنه ينشر القيم الاجتماعية الجليلة في المجتمع المصري) !! .. ومن وزيرة التضامن الاجتماعي إلى وزير البيئة الذي أراد أن يساهم بدوره في الضحك على ذقون المصريين ، والاستخفاف بعقولهم حينما صرح بخصوص حوت مارينا بقوله (عمره سنتين ولسه بيرضع وهنشوف اذا كان تايه من امه) . 
لكن هل هناك استخفاف بعقول المصريين أكثر مما صرح به وزير المالية حينما قال تحت قبة البرلمان حينما فاجأ أعضاء مجلس النواب كما نشر إعلاميا بقوله ( أن المصريين المستحقين للدعم هم الذين يطالبون الحكومة برفع الدعم عنهم) !! .. لكن وزير المالية لم يكن الوزير الوحيد الذي صرح بخصوص الدعم تصريحات تثير غضب المواطنين البسطاء الذين يعانون من الغلاء بعدما انضمت وزيرة التضامن الاجتماعي إلى صفوف أبطال التصريحات المستفزة لمشاعر المصريين من السادة الوزراء والمسئولين بقولها تحت قبة البرلمان بلا خجل أو حياء (أن الفقراء أكثر استعدادا للتحمل من الأغنياء) .. ثم أضافت الوزيرة (العظيمة) فقالت (الست المصرية الفقيرة أحسن مية مرة من الست المصرية الغنية المدلعة) وأرجعت الوزيرة تحمل المصريين الفقراء إلى ثقتهم المطلقة بأن الحكومة تعمل لصالحهم وتنحاز لهم ) !! .. لكن من أكثر تصريحات الوزراء استفزازا لمشاعر المصريين هو ما صرح به وزير الكهرباء عن قيمة فاتورة الكهرباء التي يكتوي بلهيبها شهريا المواطن الفقير بقوله (إنه على الرغم من ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء على الدولة إلا أنها ما زالت تباع بنصف تكلفتها حتى الآن وأردف قائلا إن ارتفاع أسعار استهلاك الكهرباء الحالي لا يمثل عبئا على محدودي الدخل حيث تعادل الزيادة الأخيرة ثمن كوباية شاي على القهوة) !! . 
وختاما أتساءل هل قيام الرئيس عبدالفتاح السيسي .. بالعزف منفردا يعود إلى سوء اختيار الوزراء الذين فشل معظمهم في أداء المهام المنوطة بهم ؟ .. مما جعل أبناء الشعب المصري يرددون قولتهم (السيسي بيشتغل لوحده) .. وهل الحكومة جادة في محاربة الفساد وليست شريكة فيه ؟ .. فإذا كانت الحكومة جادة فعلا في محاربة الفساد فلماذا إذن لا تقدم مشروع قانون يقضي بإعدام كل من يتلاعب بقوت المصريين وأن يتم تطبيقه بأثر رجعي على جميع المدانين في قضية فساد القمح التي وقعت في الفترة الماضية مهما كانت مناصبهم السياسية ومهما علت مراكزهم الاجتماعية حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه المساس بقوت هذا الشعب الفقير ؟ .. أم أن هناك قوة خفية متنفذة قادرة على إبقاء الفساد على ما هو عليه في البلاد سيفا مسلطا على رقاب العباد ؟ .

بداية الصفحة