كتاب وآراء

الدكتور سمير الرفاعي المناضل الواثق والسياسي المحنك

كتب في : الخميس 22 سبتمبر 2016 بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

الدكتور سمير الرفاعي أمين سر فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سورية، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، ومعتمد إقليم الساحة السورية... كما هو عاشق لفلسطين المناضلة ومؤمن بها وبقضيتها ومتمسك بترابها المقدس هو أيضاً عاشق لسورية المقاومة ومؤمن بانتصارها على محور الشر في العالم، فالعدو واحد والمسار واحد والنصر خيار لا بد منه عاجلاً أم آجلاً... وهو بالطبع لا يتوانى عن شرح أدق تفاصيل المعركة التي يخوضها العالم العربي اليوم مع أعتى عدو منذ بداية التاريخ الكيان الصهيوني بدعم أميركي لامحدود، هذا الكيان الذي هو أساس كل ما يحدث من صراعات في المنطقة العربية ككل وكيف أن هذا العدو الحقير يفتعل الفتن لإشغال الأمة عن بوصلتها الأساس وهدفها الحقيقي الذي هو استعادة فلسطين... ففي إحدى كلماته التي ألقاها منذ فترة ليست بعيدة يؤكد الدكتور الرفاعي أن ظروفاً قاسية وصعبة تعصف بمنطقتنا العربية حيث يشهد الوطن العربي وفي عدة أقطار حروباً داخلية بفعلٍ وتدخلٍ خارجي، في تونس وليبيا ومصر والعراق واليمن والبحرين وسوريا، والهدف صرف النظر عن الصراع العربي الإسرائيلي وخلق أزمات داخلية تجعل للوضع القطري أولوية بعيداً عن قضية العرب الأولى قضية فلسطين،... ويوضح الرفاعي أن هناك محاولات جادة ومشبوهة للإدارة الأمريكية وحلفائها لإعادة رسم خارطة المنطقة من جديد، وقد قامت الدول الاستعمارية في مستهل القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى بتقسيم المنطقة، واستخدم سايكس وبيكو المسطرة والقلم في تجزئة الوطن العربي، لكن الآن يجري العمل على رسم خارطة المنطقة مستخدمين الحدود الطائفية والمذهبية والتي ساهمت الإدارة الأمريكية بتنميتها وتغذيتها، وتعمل على إشعال الفتن والحروب وتمزيق المنطقة إلى إمارات ودويلات متناحرة مما سيخلق بيئة مناسبة لأمن واستقرار دولة الكيان الصهيوني، وصولاً إلى دولة يهودية كما يخطط هذا الكيان... وعملت الإدارة الأمريكية ومعها أجهزة بعض الدول الغربية والعربية للأسف لإشعال أزمات مُدمّرة حصدت الأخضر واليابس، دمّرت وتدمّر إمكانات المنطقة العربية ومقومات نهوضها ووحدتها... وأوضح الرفاعي أيضاً أنّ الأزمة في سوريا طالت مخيماتنا الفلسطينية مثلها كباقي المدن السورية التي امتدت إليها نيران الحرب... وقال: إن استهداف سوريا هذه القلعة الشامخة على تخوم فلسطين وبأكناف بيت المقدس إنما هو استهداف لفلسطين وللقضية الفلسطينية، مؤكداً أنّ تدمير إمكانات وطاقات كل من سوريا والعراق ومصر وزرع الصراعات الطائفية والمذهبية هو هدف إسرائيلي، وفي الاستراتيجية عندهم هو أهم من امتلاكهم للقنبلة النووية، مشيراً إلى أن هذا ما قاله بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل... وراح يشرح الرفاعي أنه في فلسطين تستمر سياسة الاحتلال القذرة بتهويد ومصادرة الأرض وهدم البيوت واقتلاع الأشجار وبناء المستوطنات وعمليات قتل الأطفال واعتقالهم واعتقال الشباب في محاولة لإطفاء نار الثورة على العدو الصهيوني التي بدأت بشائرها في هبة أهلنا في فلسطين...

كما أشار إلى أن سياسة العدو الإسرائيلي قامت على خلق كل المناخات التي تعترض قيام دولة فلسطينية مستقلة، من حيث التنصل من كل الاتفاقات الموقعة، والسعي لمشاريع بديلة لقيام الدولة مثل إقامة كيان في غزة بوساطة قطرية تركية، وزيادة عدد المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية، وأكد الرفاعي أن هذه السياسات التي تنتهجها دولة الاحتلال تلقى كل الدعم من الإدارة الأمريكية التي لم ولن تكن وسيطاً نزيهاً في عملية السلام،...

وأوضح الرفاعي أن المطلوب فلسطينياً لمواجهة هذه التحديات هو توقف البحث عن حلول سياسية مع دولة الاحتلال التي تجاوزت بسياساتها كل المحرمات في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل على الإسراع في تنفيذ قرارات المجلس المركزي في آذار 2015 والتي تقضي بإنهاء العلاقة مع الاحتلال، والسعي الجاد لإنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية والعمل على إيجاد ضوابط وطنية وأخلاقية للخلاف بين مختلف فصائل العمل الوطني وضمن الخندق الواحد وعدم السماح للانتهازيين بالصيد في الماء العكر وصب الزيت على نار الأزمات العابرة، والإسراع بعقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني تحت سقف الإجماع الوطني، فالظروف الراهنة والقادم من الأيام يفرض لقاءً فلسطينياً بهذا المستوى لتجديد الشرعية الفلسطينية ومواجهة المرحلة الصعبة القادمة،.. وفي حديثه عن النكبة أوضح أنها بدون أدنى شك نكبة للأمة العربية وليس لفلسطين فقط، ولكن الإصابة جاءت بحسب تعبيره على أرض فلسطين ولشعب فلسطين، وأكد على أن قضية اللاجئين هي جوهر القضية الفلسطينية،.. وقال: لا حل، ولا سلام دون حل موضوع اللاجئين، إن كانوا في مخيم اليرموك أو جرمانا أو عين الحلوة، أم كانوا في مهجرهم الجديد في السويد أو الدنمارك..

كما وصف النكبة بأنها جريمة العصر بكل ما تعنيه الكلمة، حيث اُنتزِع شعب من أرضه، ورحل قسراً خارج وطنه، ليستوطن مكانه شذاذ الأفاق. وقال: جاؤوا من أقصى الأرض على شكل عصابات رعب وإرهاب، قتلت الآلاف من النساء والشيوخ والأطفال في عشرات المجازر البشعة، التي نفذتها تلك العصابات في القرى والبلدات الفلسطينية من أجل إقامة الكيان الصهيوني، الذي يعتبر أهم وأخطر مشروع استعماري يستهدف منطقتنا العربية،.. مذكّراً بأنه في عام 1917 قامت بريطانيا وعلى لسان وزير خارجيتها آنذاك بلفور بإعطاء وعد لليهود، بإقامة دولة لهم في فلسطين، وعداً ممن لا يملك لمن لا يستحق،.. ووصف الرفاعي هذا الوعد بأنه لم يكن نتيجة لرغبة بريطانيا بإقامة دولة إسرائيل فحسب، إنما كان بذلك مقدمة وبداية لأخطر وأكبر مشروع استعماري، لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يستهدف هذه الأمة من خليجها لمحيطها، مشيراً إلى أن البداية كانت في فلسطين ذات الموقع الجغرافي ، الذي يضمن نجاح المخطط بالسيطرة على مقدرات و ثروات المنطقة، ومنع تطور ونهوض ووحدة هذه الأمة.. وبحسب تعبيره إن وعد بلفور كان الانطلاق لرؤيا مدروسة من قبل الغرب ودول أوربا التي كانت حينها تستعد بعد الحرب العالمية الأولى لاقتسام العالم، من ضمنها وأهمها المنطقة الأقرب لأوروبا، وهي شواطئ البحر المتوسط الجنوبية، والتي يشغلها الوطن العربي من أقصى شرق البحر المتوسط إلى أقصى غربه،..

وقال: ما يجري اليوم في منطقتنا العربية، في سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن وغيرها من الدول العربية ما هو إلا استمرار لهذا المخطط الأسود، وحلقة من حلقاته الدموية تحت مسميات الربيع، والهدف دائماً خلق وإيجاد الظروف المناسبة لديمومة وجود وبقاء مشروع الكيان الصهيوني في فلسطين،..

إلا أن الدكتور رفاعي في كل كلماته نراه واثقاً من النصر في الوقت نفسه الذي يمجد فيه النضال والمقاومة، ففي كل كلماته وخطبه وتصريحاته نجد هذا العبق الإيماني الواثق من النصر؛ نصر سورية ونصر فلسطين واندحار العدو أمام جبروت الصمود وقوة النضال والمقاومة...

فمما يقوله بخصوص فلسطين ضمن هذا السياق بأن عقوداً من الظلم والتهجير والاستيطان والعدوان، التي قامت به دولة الكيان الصهيوني فشلت في طمس الحقوق الفلسطينية،.. مؤكداً أن شعبنا لم ولن ينسى أرضه، ولن يتنازل عن وطنه، ولن يتخلى عن هويته الوطنية، وقال: لقد راهن الأعداء أنه بمرور الزمن الكبار يموتون والصغار ينسون، لقد ثبت أن هذا وهم وادعاء كاذب، والتاريخ والأحداث أثبتت عكس ذلك، ومسيرة الكفاح الفلسطيني ومسيرة الثورة منذ الانطلاقة وحتى يومنا هذا نسفت هذه المقولة وهذا الادعاء، وهبّة الأقصى وهبّة القدس خير دليل على ذلك، إنّ أعمار أبطال وبطلات هذه الهبّة، تثبت أن قضية هذا الشعب موروثة من جيل إلى جيل، وأن حقوقه الوطنية الثابتة بأرضه ووطنه لن تضيع بتقادم الزمن، وأن هذا الظلم الذي وقع على شعبنا لن يستمر مهما طال الزمن...

وفي كلمته التي ألقاها منذ فترة ليست بعيدة والتي يمكنني القول عنها بأنها خطبة صاغها بملء روحه فالتقطتها شغاف روحي بكل بهجة وكأنّه يتحدث بلسان حالي وحال كل فلسطيني على أرض هذه المعمورة مؤمن بقدسية هذه القضية، كلماتٌ فيها من سحر البيان ما يدل على ذائقة رهيفة هذّبها عشقه لفلسطين وإيمانه بها وحنينه الأبدي لترابها المقدس... حيث قال: للأرض .. أرض فلسطين في يوم الأرض عهد وميثاق.. للأرض .. في يوم الأرض قسم بالدم والروح أن تبقى هي الهدف وهي العنوان .. القدس .. يافا .. عكا .. صفد .. الناصرة .. كل الأرض بطولها وعرضها .. هي الهدف وهي العنوان .. هذه الأرض .. هي أولى القبلتين .. وثالث الحرمين.. هذه الأرض .. هي بوابة السماء .. منها عرج النبي وعليها صلى بالأنبياء .. هي أرض الآباء والأجداد ومنذ الأزل .. عليها وُلِدوا وفي ترابها دُفنوا .. وذرات أجسادهم اختلطت مع تراب الأرض وجُبلت به .. والغرباء عن هذه الأرض عبر العصور كانوا مارقين وبقي فيها حجرها وزيتونها .. وشقائق النعمان ، التي تلوّنت بلون الدم الذي روى هذه الأرض دفاعاً عن طهر سهولها وجبالها .. والمارقون اليوم المغتصبون الصهاينة سيلقون مصير مارقي الأمس وستعود هذه الأرض حرّة عزيزة سيدة ، طال الزمان أم قصر ..

نعم إن كلماته هذه العابقة بالصدق والإخلاص لا تدل إلا على الإيمان الكبير بالنصر القادم بإذن الله...

ومن المهم أن أشير في ختام مقالتي هذه إلى ما أكده وقاله في الكثير من المناسبات والتصريحات عن سوريا العروبة بأنها تدفع اليوم من الدماء والدمار والأرواح ثمن وقفتها إلى جانب فلسطين وقضية فلسطين، ووجّه الرفاعي في أكثر من مناسبة تحية من القلب والضمير لجيش سوريا الباسل ولشعبها ولقيادتها... ومما يقوله عن ثقته بنصر سوريا: في سوريا هذا البلد الصامد الصابر إننا على أمل كبير بأن قطار الحل قد انطلق وأن العد العكسي لنهاية هذه الأزمة قد بدأ، نحو سوريا واحدة وموحدة ومعافاة بعيداً عن التدخلات الخارجية لأصحاب المشاريع الإقليمية الساعية للتدمير والتقسيم، خدمة للمشروع الصهيوني للسيطرة على شرق أوسط جديد بصياغة أمريكية إسرائيلية.

بداية الصفحة