كتاب وآراء

الضريبة التصاعدية هي الحل

كتب في : الأربعاء 15 فبراير 2017 - 11:42 مساءً بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري

من عجائب هذا الزمان في دولة هي الأغنى على مستوى العالم من حيث الموارد المهدرة والثروات المنهوبة أصدرت حكومتنا ( الميمونة ) بعض القرارات التقشفية المرفوضة التي تهدف إلى تخفيض الدعم جزئيا تمهيدا لرفعه كليا من أجل استكمال ما بدأته من مشاريع عملاقة وبنية تحتية عقب ثورة 30 يونيو الشعبية .. في الوقت الذي تنفق فيه الأموال يمنة ويسرة على أصحاب القرار الذين احتلوا المقدمة .. وليس أدل على ذلك من إصدار البنك المركزي قرارا بإلغاء الحد الأقصى لرواتب موظفيه !! .. بالتزامن مع شراء مجلس النواب عددا كبيرا من السيارات المصفحة باهظة الثمن لزوم المنظرة لأعضاء المجلس الموقر !! .. وغير ذلك من السياسات المستفزة الأخرى التي تدمي القلوب ، وتذهب العقول ، وتشعل الغضب ، وتبدد السكون .. ولا أدري إلى متى تتجاهل حكومة شريف إسماعيل آلام هذا الشعب الصابر الفقير ؟ .. ولماذا تخلت عنه في مواجهة جشع التجار الذي فاق احتماله ، وتجاوز قدراته ؟ .. ولماذا تتركه يكتوي كل يوم بلهيب الأسعار التي أغرقته في الديون وأصابته بالإحباط واليأس والهموم ؟ .. حتى أصبح عاجزا ، حائرا ، تائها ، هائما على وجهه ، يكلم نفسه ، ولا يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي .. بعدما فقد القدرة تماما على تدبير أموره المعيشية ، وتلبية متطلباته الإنسانية ، وعجز عن توفير الحد الأدنى من القوت الذي يضمن بقائه حيا . 
لكن الأعجب مما سبق أن هذه الحكومة بعدما رفض الأثرياء التبرع لصندوق تحيا مصر ، وتوقفت المساعدات والمعونات الخارجية في الفترة الأخيرة لأسباب عديدة لا يتسع المجال لسردها .. نظرت إلى الأزمة الاقتصادية التي نمر بها بعين واحدة فتفتق ذهنها عن فكرة قديمة عقيمة لن تنتج إلا عدما ، ولن تجني من ورائها إلا ندما .. حيث رأت أن الحل الأمثل لما أصاب خزينة الدولة من خواء هو رفع الدعم الذي يستفيد منه 60 % من المصريين الفقراء أصحاب الأيادي البيضاء الذين لم تلوث أياديهم في يوم من الأيام بنهب ثروات هذا الوطن ، ولم ينالوا من خيراته التي لا تعد ولا تحصى إلا الفتات من العيش المدعم ، والقليل من الزيت والأرز والسكر المدفوع الثمن !! . 
والأشد عجبا أن هذه الحكومة التي فقدت أسباب بقائها لم تف بوعودها بتطبيق العدالة الاجتماعية ، وما زالت مصرة عامدة متعمدة على عدم تطبيق الضريبة التصاعدية على دخول المستثمرين الأجانب من الأشقاء ، و الأصدقاء الذين يجب أن يتفهموا أن مصر تمر حاليا بمرحلة بناء ، ورجال المال ، وكبار التجار ، وأصحاب الأعمال الوطنيين الشرفاء الذين ربحوا المليارات من التسهيلات ، والاستثناءات ، والإعفاءات الضريبية والجمركية ، والأراضي المجانية المجهزة بالبنية التحتية التي منحت لهم على مر العصور .. والضريبة التصاعدية بالمناسبة هي عبارة عن فرض نسبة مئوية على الدخول المرتفعة .. فمثلا إذا كان دخل الفرد أو المؤسسة مليون جنيه سنويا تفرض عليه الدولة ضريبة 5 % وتزيد نسبة الضريبة كلما زاد معدل الدخل وهكذا ولذلك سميت ضريبة تصاعدية . 
وبالرغم من أن الضريبة التصاعدية هي في الأساس مطلب شعبي بامتياز ، ورغم أنها ضريبة معتبرة ، ومعمول بها في جميع الدول المحترمة التي تعمل حكوماتها لصالح الأغلبية العظمى من شعوبها .. ومن بين تلك الدول البرازيل التي طبقت ضريبة تصاعدية وصلت إلى أكثر من 40 % على الدخول المرتفعة .. والأهم أن جميع الدلائل تشير إلى أن الاستثمار الطموح الجاد لن يتوقف أبدا عن التدفق إلى مصر ، ولن يغضب رجال المال والأعمال من تطبيق الضريبة التصاعدية كما يروج لصوص كل عصر وزمان .. لكن يبدو أن حكومتنا ( الرشيدة ) بعد اشتعال ثورتين وإسقاط رئيسين ما زلت تعمل لصالح طبقة الـ 5 % التي تستأثر بنصيب الأسد من ثروات البلاد . 
لكن الأهم من تطبيق الضريبة التصاعدية من الناحية العملية أن تستحدث الحكومة آلية إجرائية جديدة تضمن من خلالها أن تستقطع قيمة هذه الضريبة من هوامش الأرباح التي تجنيها الفئات المستهدفة وليس من إجمالي دخولها كي لا تقوم هذه الفئات برفع أسعار منتجاتها أو الخدمات التي تقدمها للجمهور فتكون النتيجة تحصيل هذه الضريبة من جيوب المستهلكين وليس من أموال المستثمرين .. فيصبح اسمها ضريبة تصاعدية على دخول الأغنياء بينما هي في واقع الأمر ضريبة تمتص من دماء الفقراء .. وسوابق الدولة في ذلك عديدة .. فعلى سبيل المثال ضريبة المبيعات كان مستهدفا بها الصانع أو التاجر لكن من الناحية العملية لا يدفعها إلا المستهلك .. وكان الأكثر واقعية أن تسميها الدولة ضريبة مشتريات وليس مبيعات .. ولا أدري إن كانت هذه التسمية سقطة لغوية أم هي ترجمة عملية لانحياز الحكومة مع الأغنياء ضد الحقوق المشروعة للفقراء !! . 
بالرغم من موجة الغلاء الشديدة التي ضربت جميع المصريين بلا رحمة ، ولم تستثني منهم إلا الطبقة المستغلة .. إلا أن الحرب الشعواء التي شنتها الرقابة الإدارية البطلة ضد كبار الفاسدين في الدولة الذين أثروا بلا أسباب مشروعة ، وخانوا الأمانة ، وخدعوا الشعب ، ونهبوا ثروات الأمة .. وما أسفرت عنه هذه الحرب المقدسة من قضايا فساد كبرى أصابت المتابعين للشأن العام بالصدمة والدهشة والذهول من هذا الحجم المهول من الفساد المالي والإداري الذي لم يكن يخطر على بال أكثر المواطنين حنقا وتشكيكا وتشاؤما .. حيث انتشرت الرشوة خلال الفترة الماضية في مفاصل الجهاز الإداري كالنار في الهشيم حتى أصبحت هي اللغة الوحيدة السائدة في الدولة . 
لكن الحقيقة التي لا ينكرها أحد من المصريين سواء كان من المؤيدين أو المعارضين .. أن الحرب على الفاسدين دغدغت مشاعر المطحونين من أبناء هذا الشعب الأصيل ، وساهمت في الحفاظ على الهدوء العام إلى حد كبير ، ورفعت جزءا بسيطا من الفساد الذي جثم على صدورهم على مدى عشرات السنين ، وأضاءت شمعة وسط هذا الظلام الدامس المقيم ، وفتحت طاقة أمل تبشر بمستقبل مشرق جميل .. فمن كان يحلم منا بأن يأتي اليوم الذي يرفع فيه الميزان في وجه اللصوص الكبار ؟ .. ومن كان يصدق أن الرقابة الإدارية ستسقط خلال فترة وجيزة هذه الأسماء الكبيرة ، وتضبط هذه الجرائم العديدة ، وتصادر هذه المبالغ المالية الضخمة التي بلغت حصيلتها 100 مليار جنيه كما نشر إعلاميا ؟ .. مما جعل البعض يعتبر مصلحة الرقابة الإدارية أحد مصادر الدخل القومي الجديدة التي أفرزتها ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة .. والأهم إذا قدر للرقابة الإدارية التي ينظر إليها المصريون باحترام كبير أن تستمر بهذه الهمة في حربها الوطنية ضد كبار الفاسدين في الدولة فستتحول مع مرور الزمن إلى مزار للمصريين الشرفاء الذين كادوا أن يفقدوا الأمل في هذا الوطن .

بداية الصفحة