كتاب وآراء

هواجسي الصباحية عن الإرهاب

كتب في : الأربعاء 28 ديسمبر 2016 - 11:34 مساءً بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

لقد راودني شعور غريب منذ استيقظت صباحاً... أفكار وهواجس مختلطة وممتلئة بمشاهد متتابعة لما حدث، وما يحدث،.. بإمكاني القول إنني كنت بحاجة لأكتب شيئاً ما أعبر به عن تلك المشاعر والأفكار المختلطة، وفي الوقت نفسه تتملكني الحيرة عن ماذا أكتب؟ وبأي من هواجسي أبدأ،.. هل أكتب عن النصر التاريخي لجيشنا الباسل في حلب، أم أكتب عما فعله أولئك المجرمون قبل أن يغادروها... هل أكتب عن الموصل، أم عن ما حصل مع أهل الفوعة... هل أكتب عن الطائفية المقيتة التي حاول صناع المؤامرة تغذيتها إلى أقصى ما يمكن في بلادنا، أم عن ذلك الوحش الفظيع الذي أرسل طفلته بدم بارد لتصبح أشلاءاً وهي تفجر نفسها داخل أحد مخافر شرطة دمشق.. أم أكتب عن مأساة اليمن وما يفعله آل سعود الطغاة هناك،.. هل أكتب عن الفقراء والمشردين أم أكتب عن معاناة الأطفال والبرد والجحيم... أم أكتب عن تلك اليد الخفية التي شيطنت الأنظمة العربية وجعلت الهوة تتسع بينها وبين مصالح شعوبها، أم أكتب عن تقصير المجتمع الدولي في محاسبة تركيا وقطر والسعودية أولئك الذين دعموا الإرهاب بكل ما أمكن من مال وعتاد وسلاح.. أم عن المخدرات وما فعلته بعقول أولئك الحثالة الذين باعوا أنفسهم للشيطان، أم عن الأسلحة التي أتت إلى الإرهابيين من أكثر من ثمانين دولة بالأطنان.. هل أكتب عن الإسلام الحقيقي أم أكتب عما فعله أولئك الأوغاد به من إساءة وتلويث... أم أكتب عن عشق دمشق قلب العروبة النابض كما وصفها الراحل العظيم جمال عبد الناصر لشقيقتها مصر أم العروبة وأم الدنيا.. هل أكتب عن إيماني بما يجب عليه أن يكون الإنسان أم أكتب عن تقهقره ونكوصه.. هل أكتب عن القدس ومحاولات تهويد الأقصى، أم عن قرار مجلس الأمن مؤخراً بوقف الاستيطان في أرض أجدادي وقبلة روحي فلسطين، أم عن حلمي بعودتها إلى حضن الأم الدافئ سورية الكبرى بحدودها الطبيعية... أم أكتب عن معاناة شعبنا في الشتات وفي مخيم اليرموك ومخيم النيرب بحلب وحندرات والطفل الفلسطيني الذي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره الذي تم ذبحه وقطع رأسه على أيدي أولئك المجرمين السفلة والمرتزقة الخونة الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية حركة نور الدين الزنكي حتى وصلوا الآن إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان بغية الفتنة بين الفصائل عن طريق إدخال عناصر من جبهة النصرة وداعش إلى مخيم عين الحلوة الذي يفتقر إلى كل مكونات السكن الإنساني والخدمات...

كثيرة هي الأفكار التي ممكن أن أتحدث عنها وجمّة هي الإشكالات ومتداخلة، وكلها مرتبطة ببعضها... لكن إن بدأت الحديث عن الطائفية، فربما الكل متفق على أن الطائفية هي من أخطر التهديدات التي تواجه أي مجتمع، فالحروب الطائفية غالباً ما تكون من أشرس أنواع الحروب لأنها تقوم على العصبية وتعيد المجتمع إلى الوراء عشرات السنين، بل تعيد الشعوب نفسها إلى بدايات التخلف الفكري والثقافي وتكرس سمات التشرذم والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كما أن آثارها تظل باقية في النفوس لأمد غير محدود، وتؤدي لانقسامات لا تحمد عقباها، بل إن آثارها قد لا تتوقف عند حدود البلد أو المجتمع الذي تدور رحاها فيه، حيث تمتد وتتسع لتشمل المنطقة المحيطة بأكملها بحكم التداخلات الاجتماعية والتاريخية.. على أنني هنا أود القول بأنهم رغم محاولاتهم الكثيرة بأن يجعلوا من هذه الحرب حرباً طائفية فشلوا، نعم لقد فشلوا فشلاً ذريعاً... فـسوريا هي دولة مواطنة حقيقية، وبنيان منظومة الحكومة فيها يقوم على حياد تام تجاه انتماءات المواطنين وهوياتهم الثقافية. وهو حياد يمكن وصفه بأنه حياد منصف فلا أحد فوق القانون، وهي بحق دولة الإنسان ويليق بها هذا الوصف، فإنسانية المواطن ضمن المنظومة الحكومية في سورية هي المدخل الدائم والمرتكز الإساس لحقوقه وواجباته بصرف النظر عن عرقه وديانته وثقافته وقوميته. والدولة السورية هي دولة الإنسان بكل المعايير لأنها دولة تعددية تعبر عن مصالح كافة فئات المجتمع وكل طوائفه، وثانياً هي دولة دستور ومؤسسات بمعنى أنه لا مكان فيها للقرارات الارتجالية والنابعة من الأهواء، وفيها كافة الحقوق والواجبات مكفولة بموجب القانون والدستور، وهذه القوانين ملزمة للجميع وليست إطاراً شكلياً كما في كثير من بلدان العالم. وهي دائماً تعمل لتحقيق الاندماج الوطني على قاعدة الوطن للجميع. ومن المعروف أنه بقدر نجاح الدولة في إرساء هذه الأسس يكون نجاحها في تحقيق الاستقرار المجتمعي، وسورية استطاعت تحقيق الاندماج الوطني الحقيقي بين كافة أطياف المجتمع ما جعل الانتماء الحقيقي عند كافة أبناء الشعب لسورية الأم وليس لطوائفهم، ولذلك لم يستطيعوا أن ينجحوا بمشروعهم الطائفي...

ولا يخفى على أحد أن انتشار التعصب لدى بعض الأفراد، سببه يعود للتفسير الخاطئ والمتعمد للدين من أجل توظيفه في تحقيق مصالح سياسية واقتصادية معينة، وإن استجابة بعض الأطراف الداخلية لمتطلبات بعض الأطراف الإقليمية والدولية وسياساتها ومصالحها الخاصة، تسبب فيه وجود إعلام معادي حقير وخائن يحاول إشعال النزاعات الداخلية من خلال القيام بدور سلبي في إثارة هذه الطائفة أو تلك... وبلا شك إن فاطمة تلك الطفلة التي لم تبلغ الربيع التاسع من عمرها بعد كانت ضحية ذلك التسييس الدنيء.. فأيّ أب فاقد لكل صفات الإنسانية يجعل من ابنته عبوة متفجرة لو لم يكن هو نفسه قد تشرب تلك الأفكار الخسيسة إعلامياً وبطريقة تم تسييسها وفق مصالح منتجيها الساقطين وأحقادهم السافلة... فاطمة تلك الطفلة عايشت الإرهاب في أسرتها منذ نعومة أظفارها حيث اختارتها جبهة النصرة بتزكية من والدها هي وشقيقتها الصغرى لتكون ضحية وقاتلة في نفس الوقت.. والدها هو عبد الرحمن شداد الملقب أبو نمر وهو أحد قتلة الشاب محمد رافع ذبحاً على أطراف حي مساكن برزة الدمشقي... وهو المجرم الذي تدرج بالإجرام من ما يسمى سابقاً الجيش الحر إلى جيش الإسلام ففيلق الرحمن فداعش فالنصرة وذلك حسب الممول والمبلغ ويقيم حالياً في حي برزة البلد الحي الذي يخضع لاتفاقية هدنة مؤقتة. هذا الإرهابي له طفلتين، فبالإضافة إلى فاطمة لديه شقيقتها الصغرى إسلام وقد خرجت فاطمة وشقيقتها إسلام من حي برزة بعد خضوعهم لعملية غسل دماغ استمرت عدة أشهر من قبل الوالدين لتنفيذهما عملية تفجيرية مزدوجة برفقة عناصر إرهابية أمنية لجبهة النصرة "كتيبة المهام الخاصة"، وذلك بعد ترتيب العملية والتدريب عليها حوالي أسبوع قبل موعد تنفيذها وكان هدف العملية الرئيسي هو فرع الأمن الجنائي بدمشق، لكن تم استبدال الهدف بعد تعذر القيام بها إلى قسم شرطة الميدان... دخلت فاطمة تلك الطفلة التي ادعت حسب ما لقنت وتدربت عليه بأنها تائهة عن ذويها فتعاطف معها العنصر المكلف بالحراسة وأدخلها إلى القسم فقامت بتفجير حزامها الناسف داخل القسم بينما لم تستطع أختها الصغرى ابنة السبع سنوات تنفيذ الجزء الثاني من العملية وهو تفجير التجمع الذي يتبع الانفجار الأول وذلك بسبب الاحتياطات الأمنية التي اتخذت مباشرة بعد الانفجار فعادت الطفلة العبوة الصغيرة إلى ذويها.. ومما يذكره البعض بأن والد فاطمة عبد الرحمن شداد قد زوجها عام 2014م بكتاب شرعي وشهود على ابن عمها حمودة والذي يلقب أبو دجانة الذي كان يقطن معها في نفس المنزل لأنه يتيم الوالدين وقد تم إلقاء القبض عليه في نهاية عام 2014م وهو يحاول زرع عبوة ناسفة لاصقة بسيارة بدمشق وكانت العملية من تخطيط عمه وحماه ومربيه عبد الرحمن، ويذكر أن عبد الرحمن من عائلة تمتاز بالتطرف الديني والتكفير بشكل كبير وقد ظهرت معالم ذلك ببداية الأزمة بعد مقتل أخيه وزوجة أخيه أثناء مداهمة منزلهم في مساكن برزة بعد اشتباك مع خلية إرهابية في نفس المنزل دام لساعتين أما أخته لعبد الرحمن فهي إرهابية انتحارية فجرت نفسها في عملية إرهابية داخل مدينة دمشق سابقاً... وإنني أقول إن جريمة تفجير تلك الطفلة ذات التسع سنوات ليس مجرد جرم عابر عن فعل إرهابي فقط، وإنما تعكس ما أصاب الإسلام من تزوير على يد أولئك المجرمين الوحوش المدَّعين الإسلام، والأكثر من ذلك تلك الوقاحة والغباء والجهل في الدعاء إلى الله بأن يتقبلها قرباناً،.. أي حمق وجهل هذا... ألا يعلم ذلك المجرم أن الله خير وسلام ومحبة.. وبأن هذا الفعل هو فعل شيطاني خسيس،.. ولكن هيهات من عقل تم غسل عرى التبصر فيه بعناية ودراية وفقاً لمخططات أجهزة استخبارات عالمية يعاضدها حشد من علماء نفس شيطانيين، ورُصِدت له أموال طائلة لإخراس أصوات الحق وتخدير الضمائر بالرشوة، للأسف لقد نجحوا إلى حد بعيد في الإساءة للدين الإسلامي الحنيف وشيطنة الكثير من أتباعه.. فلو كانوا فعلاً مسلمين لكانوا ذهبوا إلى فلسطين ليحاربوا الصهاينة هناك ولم يأتوا لمحاربة أشقائهم في سورية...

في الختام أود القول هل تقبل أميركا والدول الغربية أن يحصل فيها ما حصل في منطقتنا وفي سوريتنا بالتحديد،.. أليس لديهم أطفال.. نحن في سوريا نحب كل الناس في كل مكان ونحب الخير لكل أبناء العالم ونعطف ونحنو على كل شعوب العالم، ورغم ما يجري عندنا نحزن لكل ما يجري في اليمن وليبيا والعراق ومصر، ونعرف تماماً أن الشعوب العربية مغبونة ومغلوب على أمرها...

أخيراً أود أن أبارك لجيشنا العربي السوري الباسل ولقائد الأمة وسيد العروبة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد هذا النصر العظيم في حلب الشهباء وأريد أن أشكر كل من وقف معنا مع سوريتنا الحبيبة مع مبادئنا ومع حقوقنا في تحقيق النصر الأكيد على هؤلاء الخونة والمرتزقة... وأريد أن أخص بالشكر إيران وروسيا وحزب الله لأنهم مع الحق مع الإنسان وسورية هي بلد السلام وبلد الحق وبلد الإنسان.

[email protected]

00963947318103

 

بداية الصفحة