كتاب وآراء

دعوة إلى محافظ القاهرة

كتب في : الجمعة 03 مارس 2017 - 7:01 مساءً بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري


 لا شك أن هيئة الرقابة الإدارية تقوم بأداء مهامها الوطنية – هذه الأيام خير قيام – في مكافحة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة .. المتمثل في الجرائم المتعلقة بالعدوان على المال العام كالتربح ، والاختلاس ، والإهمال ، وجرائم إهدار المال العام ، والإضرار به ، والاستيلاء عليه ، ومساعدة الغير في الاستيلاء عليه ، وإجمالا حماية المال العام من أي عدوان ، واستعادة ما تم الاستيلاء عليه إلى خزينة الدولة ، وكذلك جرائم الإتجار بالوظيفة العامة كالرشوة ، واستغلال النفوذ ، وأيضا جرائم سوء الإدارة كالإخلال بالواجب ، وتعطيل سير العمل ، وكذلك أيضا جرائم التزوير في المحررات الرسمية ، وجرائم الإثراء بلا سبب ، والكسب غير المشروع ، بالإضافة إلى اختصاصها بالجرائم المتعلقة بالصحة العامة ، وجرائم غسل الأموال ، والغش التجاري ، وجرائم التهرب الضريبي ، والتهريب الجمركي .. الملاحظ هنا أن معظم هذه الجرائم لا يرتكبها إلا أصحاب الوظائف العليا في الدولة بحكم ما لديهم من نفوذ وما أسند إليهم من صلاحيات واسعة . 
 وبالرغم من الحرب الضروس التي تخوضها هيئة الرقابة الإدارية ضد الفساد المالي والإداري حاليا .. إلا أنها لم تسلم من الاتهام بالتقاعس بأثر رجعي عن أداء مهامها الوظيفية كما يجب أن يكون خلال العقود الثلاثة الماضية .. وهو اتهام مجافي تماما للحقيقة ذلك لأن هيئة الرقابة الإدارية كانت منذ إنشائها بموجب القانون 54 لسنة 1964 م كإحدى أهم الأجهزة الرقابية المستقلة تؤدي الواجب الوطني المنوط بها على أكمل وجه ، بالقدر الذي كان مسموحا به من قبل أصحاب القرار في ذلك الوقت .. بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام لأسباب مختلفة كانت لا تسلط الضوء على إنجازاتها كما ينبغي .. إذن العيب لم يكن حينئذ في هيئة الرقابة الإدارية أو في غيرها من مؤسسات الدولة بل كان العيب كل العيب في رأس السلطة الحاكمة وحاشيته الفاسدة .. أما الآن فقط أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي .. لهيئة الرقابة الإدارية العنان بعدما أعطاها الضوء الأخضر ، فما كان من رجالها الأوفياء إلا أن محوا فورا جميع الخطوط الحمراء التي كانت تكبل إرادتهم وتمثل لهم التحدي الأكبر .. فأصبح اللعب في عهد الرئيس السيسي .. على المكشوف تحت أضواء الإعلام الرسمي ، والقنوات الفضائية الخاصة ، ومن قبلهما مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك . 
 لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن الكادحين الذين يمثلون الأغلبية الساحقة المسحوقة من المصريين الأكثر استفادة من هذا التطهير .. لم يسمعوا من قبل عن الرقابة الإدارية ، ولم يحسوا بوجودها ، ولم يعرفوا شيئا عن صلاحياتها .. إلا عندما شنت حربها المقدسة ضد الفساد ولمسوا منها الجدية ، وشاهدوا بأم أعينهم نتائجها الفورية .. التي منحتهم الأمل في غد أفضل ، وأبطلت دعاوي الكذب والتضليل والفتن التي يطلقها هذه الأيام أعداء الوطن وعديمو الذمم ، ومنحتهم طوق نجاة فأنقذتهم من الفتنة وسط أمواج التشكيك التي عمت الأرجاء وطالت القمم . 
 فلا ريب أن جميع الكوارث التي وقعت على رؤوسنا ، والمحن التي حلت بنا على مر العصور كانت بسبب الفساد المالي والإداري الذي توغل في بلادنا لكنه توحش خلال العقود الثلاثة السابقة حتى أصبح هو القاعدة .. أما قيم الصدق والانضباط والأمانة فقد أصبحت عملة صعبة في زمن كل شيء فيه تحول إلى سلعة تباع وتشترى بدءا بالصوت الانتخابي وانتهاء بالذمة . 
 لذلك نستطيع القول بصوت عالي بلا أدنى مجاملة .. بأن الحرب التي تقودها هيئة الرقابة الإدارية ضد الفساد حولتها من مجرد مؤسسة وطنية إلى بطل قومي حمى مصر – بالإضافة لعوامل أخرى – من الوقوع في المستنقع الذي هوت فيه دول المنطقة .. لذا نالت هذه المؤسسة البطلة رضا المصريين ، وحصلت على ثقتهم المطلقة ، وتربعت على عروش قلوبهم الطيبة ، ووصلت إلى منزلة سامية لم يصل إليها من قبل سوى خير الأجناد ، وخلفاء الله في الأرض . 
 لكن الملاحظ هنا أن حب المصريين لهذه المؤسسة الوطنية الهامة له وقع خاص ، وطبيعة مميزة .. ربما لأنها ثأرت لهم ممن خدعوهم ، وغدروا بهم ، ونهبوا مقدراتهم .. وربما لأنها أثلجت قلوبهم عندما أعلنت بأنه لا مستقبل للفساد في هذه البلاد ، وربما لأنها كثفت حملاتها لملاحقة الخارجين عن القوانين في جميع المؤسسات ، وربما لأنها ضبطت خلال الفترة الماضية مافيا الاتجار بالأعضاء البشرية .. وربما لأنها صادرت أموال طائلة في وقت قصير فاقت قدرات العقل على التصديق .. وربما لأنها رفعت الميزان وأقامت الحجة على مرأى من الناس في التو واللحظة .. وربما لأن قواعد المساواة ، والشفافية ، والمساءلة ، والمحاسبة التي طبقتها الرقابة الإدارية تعتبر من القواعد الأساسية اللازمة لتطبيق العدالة الاجتماعية التي خاض الشعب المصري العظيم من أجلها ثورتين شعبيتين ، وأسقط رئيسين ، وأصدر دستورين خلال سنتين وبضعة شهور .. وربما لهذه الأسباب مجتمعة كان حب المصريين لهيئة الرقابة الإدارية له وقع خاص ، وطبيعة مميزة . 
 لذلك أصبح لسان حال المصريين الشرفاء يقول لرجال الرقابة الإدارية الأوفياء .. إن أموال الدولة مسئوليتكم ، وحقوق الفقراء أمانة في أعناقكم .. فهلموا إلى مكافحة الفساد ، لا تتوقفوا عن مطاردة ناهبي قوت العباد ، لا تخشوا أحدا ، نحن معكم قلبا وقالبا ، استعيدوا كرامتنا الضائعة ، استردوا حقوقنا المنهوبة ، ضمدوا جراحنا الغائرة ، وسعوا الملاحقات وشددوا الضربات على بؤر الفساد ، واحكموا قبضتكم على اللصوص الأوغاد ، ولا تعملوا لهم أي حساب ، ولا تأخذكم أية شفقة بمن أدمنوا على الرشوة ، ولا تستعملوا معهم الرأفة ، ولا ترحموا أبدا من احترفوا جريمة السرقة ، ولا تتركوا من اعتادوا على كسب المال الحرام من النهب والسلب والفهلوة .. عاقبوهم حتى يصبحوا عبرة ، وصادروا الأموال التي اغتصبوها عنوة ، واعزلوهم من وظائفهم العامة ، واحرموهم من حقوقهم السياسية المكتسبة ، ولا تتصالحوا معهم كي لا تضيع هيبة الدولة . 
 أظن وأغلب الظن بلا إثم أن الطبقة المطحونة التي تعاني من أوجاع كثيرة وتمثل الأغلبية الغالبة .. على استعداد تام الآن قبل أي وقت مضى ، أن تتسلح بالصبر ، وتحارب الغلاء بالاستغناء ، وتأقلم حياتها على أكل العيش الحاف ، وتصبر ست سنوات عجاف ، وليس ستة شهور كما طالب الرئيس عبدالفتاح السيسي .. شريطة ألا تكتفي هيئة الرقابة الإدارية بالمعدل الذي حققته في حربها التطهيرية .. بل تسارع الخطى ، وترفع مستوى الهمة ، وتنضم إليها بقية الأجهزة الرقابية الأخرى النائمة .. التي لا يعرف المصريون لها اسما ولا عملا ولا عنوانا . 
 واستكمالا لما تقدم وتتويجا له أدعوا السيد محافظ القاهرة للاحتفاء بهيئة الرقابة الإدارية الموقرة ، وتكريم رجالها الأبطال .. من خلال وضع نصب تذكاري يليق بالمؤسسة التي حمت أموال الأمة ، واستردت هيبة الدولة – وليكن النصب التذكاري عبارة عن مجسم لمبنى الهيئة – في أحد ميادين القاهرة الكبرى ، أو إحدى حدائقها العامة .. وعما قريب سيأتي يوم يسأل فيه بعضنا بعضا – خاصة أبناء محافظات الأقاليم – فيقال لأحدنا هل سافرت إلى القاهرة مؤخرا ؟ .. فيقول نعم ، فيقال له وهل شاهدت الأهرامات ؟ .. فيقول نعم ، فيقال له وهل صليت في الجامع الأزهر ؟ .. فيقول نعم ، فيقال له وهل شاهدت النصب التذكاري لهيئة الرقابة الإدارية ؟ .. فإن قال لا قيل له فاتك نص عمرك .. حيث سيتحول النصب التذكاري لهيئة الرقابة إلى أحد معالم القاهرة السياحية البارزة التي يحرص على زيارتها المصريون كافة عرفانا بفضل هذه المؤسسة الوطنية الهامة ، ووفاء لها ، وتقديسا لدورها .. فالمصريين تاريخيا كانوا إذا أحبوا شيئا قدسوه .. والمقصود بالتقديس هنا أي الإجلال ، والاحترام ، والتقدير .. حتى لا يلتبس الأمر على المغيبين ، والجهلة ، وتجار الدين .

 

بداية الصفحة