كتاب وآراء

سليمان … خلفاء أتاتورك بين تفكك جيش ومسرحية هزلية وإرادة شعب

كتب في : الاثنين 18 يوليو 2016 بقلم : د.احمد سليمان ابو شعيشع

لا نخفي سرا ان تركيا تعتبر من اقوي القوي العسكرية في الشرق الأوسط بل في العالم , وانها في وقت من الأوقات كانت اقوي امبراطورية في العالم , حتي بدات في الانهيار في اواخر سلاطين الدولة العثمانية وهذا ما وفر البيئة الخصبة لمصطفي كمال اتاتورك للسعي في هدم الخلافة العثمانية بعد الحرب التركية اليونانية وإعلان الدولة التركية بعد الصراع الوطني من عام 1919 وحتي عام 1923 , ولكن المعروف عن الجيش التركي ابتداءً من أيام السلاطين العثمانيون انه جيش دائم التمرد والانقلابات وهذا ما حدث في عهد السلطان محمد الفاتح قبيل فتح القسطنطينية حينما حدثت بعد الانشقاقات في صفوف الانكشاريين وهذا ما حدث أيضا مع السلطان سليمان القانوني والذي سرعان ما استدرك الامر وامر بمضاعفة رواتب الجند وتحسين مستوي المعيشة لهم .

بعد انهيار الخلافة الإسلامية وقيام الدولة العلمانية التي اعلنها أبو الاتراك وإلغاء معالم السلطنه وإبراز معالم المدنية الحديثة القائمة لا دستور لا يعترف بالملل ولا بالاديان انما يعترف بالاشخاص فقط , تظل طباع الجيش التركي كما هو , جيش متمرد يفتقد للوحدة ويفتقد للولاء لحكامه ويفتقد للنزول للشرعية , وكانت أسباب هذا التفكك هيا الصراعات الدائمة بين قوي الجيش وقيادته واسلحته وبين القائمين على الحكم بصورة أخرى يمكن القول أن دراسة موضوع الانقلابات العسكرية فى تركيا الحديثة لا ينفك عن المقدمات التاريخية فقط لتلك المنطقة الجغرافية ولمؤثرات السياسة العالمية والتى كانت توضع أصلاً مستهدفة تلك المنطقة شعباً وثقافة واقتصاداً وخصوصا بأن تركية بعد انهيار الدولة العثمانية أصبحت دولة مشتته بين مردين لاستعادة الخلافة الإسلامية , وطائفة مستقبلة للعلمانية والانفتاح والخروج من بوتقة الالتزام الي الحريات .

تتجلي تركيا عن باقي دول المنطقه في انها دولة لم تقع تحت قبعة الاحتلالات ولكن الإرث التاريخي الإسلامي للموطن التركي هدده دائما بزوال العلمانية ففي كل مره كانت تركيا تحاول طمس معالم الدولة الإسلامية لتكون عضو الاتحاد الأوربي كان عدد المساجد الموجود بها بالمرصاد دائما كشاهد على تاريخها الإسلامي ومهددا للعديد من الأنظمة السياسية والاقتصادية بها , وكأن التاريخ يقول لمصطفي اتاتورك “لقد أخطأت حينما أردت ان تغير ما صنعته لشعبك , ولكنك لن تغير التاريخ ” , وهذا يدل على ان تركيا يمكن ان تتوحد اقتصاديا ولكن من الصعب توحيدها عسكريا لاختلاف المذاهب الفكريه والمعتقدات البنائية لديهم .

وقد حفلت تركيا بالعديد من الانقلابات العسكرية الناجحة كان أولها فى يوم 27 مايو 1960م وقد أعلنه في الاذاعة قائد المشاه آنذاك البارسلان تركش أن الجيش قد سيطر على مقاليد إدارة البلاد , وقد كان ضد حكومة الديمقراطية نظرا لاتساع الخلاف بين حكومة الحزب الواحد والمعارضه نتيجة لذلك شكلت محاكمات قضت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس والحكم بالمؤبد على رئيس الجمهورية جمال بيار , وقد حدث الانقلاب الثاني بعد وفاة الرئيس جمال غورسيل سنة 1966، فانتخب رئيس الأركان جودت صوناي رئيساً للجمهورية، وحصلت الانتخابات سنة 1969 ففاز حزب العدالة وفشل حزب الشعب فحرك أنصاره من العسكر فاستولوا على السلطة في 21/3/1971. وبعد أن خلت الساحة لحزب الشعب أعلن عن إجراء الانتخابات في أكتوبر سنة 1973 , بعد الفشل الذي جناه حزب الشعب لم يبق أمامه سوى التآمر مع العسكر لقلب نظام الحكم، وقاموا بالانقلاب 12/9/1980 بقيادة الباشا كنعان إفرين، الذي علق الدستور وأعلن الأحكام العرفية في تركيا بعدما انتهت فترة رئاسة رئيس الجمهورية؛ فخري كورتورك في ٦/٤/1980 , وكان أخر الانقلابات العسكرية الناجحة كان انقلاب عام 1997 والذي افضي لتشكيل حكومة جديدة وحظر عمل عدد من الأحزاب التتركية ويعرف الانقلاب بثورة ما بعد الحدث وهيا مجموعة قررات صادرة عن قيادة القوات المسلحة في اجتماع مجلس الامن عجلت باستقالة رئيس الوزراء نجم الدين اربيكان وانهاء حكومته الائتلافية .

وهناك أيضا محاولات انقلابية فاشلة بتركيا كان أولها انقلاب بعد إعدام مندريس انتخابات شكلية في 15/10/1961، فنال حزب الشعب بقيادة أنينو 173 مقعداً (36.7_)، ونال حزب العدالة بقيادة سليمان ديميريل 158 مقعداً (34.7_)، ونال حزب تركيا الجديدة 65 مقعداً، ونال حزب الفلاحين الجمهوري 54 مقعداً.

وبانتخاب صُوري أصبح الجنرال جمال غورسيل رئيساً للجمهورية في 27/10/1961، مثلما أصبح أنينو رئيساً للوزارة الائتلافية بعد الاتفاق مع سليمان ديميريل؛ رئيس حزب العدالة، ففشلت الوزارة واستقالت في 1962. وشكل أنينو حكومة ائتلافية مع حزب الفلاحين الجمهوري , لما ساءت الأحوال فقام الكولونيل طلعت آيدمير بمحاولة انقلابية فاشلة سنة 1963 أدت إلى إعدامه سنة 1964، وساءت الأحوال مرة أخرى، وأجريت الانتخابات النيابية سنة 1965 ففاز حزب العدالة بقيادة ديميريل بغالبية 53_ من مقاعد البرلمان، وشكل ديميريل الحكومة من حزبه وأصبح حزب الشعب في خانة المعارضة. المحاولة الثانية في 16 يوليو الجاري 2016 فمنذ ان بدأت حكومة رجب اردوغان انتعش الاقتصاد التركي وبدأت الرفاهيه التركية وارتفاع مستوي دخل الافراد وفى المقابل كان هناك قمع للحريات وللراي العام , وكان اردوغان دائم لاستقطاب الفكر العربي الإسلام تجاهه بعض محاولات رسم الطابع الإسلامي في حكومته وقرراته مما ادي لاستقطاب العديد من الانحيازات له , كان مؤشر اردوغان العسكري يرتفع بالمنطقة وخصوصا انه ينفذ العديد من البرامج الإرهابية مع بعض الجماعات المسلحة موجها ضربات في الظهر لبعض القوي الدولية مما اثار سخط بعض قيادات الجيش عليه مستقطبين بعض فئات الشعب بحجة قمع الحريات وطمس معالم العلمانية التي أسسها اتاتورك . الانقلاب الثاني الفاشل يعد من وجه نظرنا السياسية اكبر مسرحية هزلية في تاريخ تركيا الحديثه , وتعتبر دلائل وجود مسرحية هزلية من انتاج بعض قوي الجيش وبرعاية حكومة اردوغان من اجل اثبات للعالم ان هناك شعب يدعم الديمقراطية ويحارب لها , ولكي تتيح فرصة شرعية لاردوغان بتغير مسار بعض القررا ت التي اتخذها مؤخراً ودلائل هذه المسرحية ما يلي : لن يخفي على المخابرات التركية رصد تحركات قائد المشاه والقوات الجوية , ولكن ما نراه ان هناك سابق علم بما سيحدث ولكن هناك تخطيط للفشل ونزول المواطنين . اول تصريحات الانقلابين بعمل مصالحات مع المخلوعين وإبقاء جميع الاتفاقات الدولية وهذا في الغالب مخالف لعرف أي انقلاب بما يترتب عليه من محاكمات عسكريه للمقصرين في حق الوطن. وجود انقسام في الجيش اتجاه العملية الديمقراطية حتى إن الانقلاب العسكري لم يشارك فيه قادة الجيش البري والجوي والبحري، حيث ظل القادة الكبار خارج المحاولة الانقلابية , مما يبرهن عن وجودهم داخل كواليس الدراما المسرحية . عدم مشاركة الأحزاب المعارضة للانقلاب وهذا اكبر دليل على معرفتهم بهذا الفخ الذي وقع فيه هؤلاء القادة الصغار من خلال استدراجهم في هذا العمل المسرحي. عدم قدرتهم على دخول القصر الجمهوري وإلقاء القبض على اردوغان وهذا اكبر دليل على عدم التخطيط الجيد والتهور والوقوع في الفخ . وهكذا يتغير تاريخ تركيا من انقلابات ناجحة إلي انقلابات فاشلة الي مسرحيات

بداية الصفحة