منوعات

في ذكرى وفاته.. سر اعتناق المصريين المذهب الشافعي

كتب في : السبت 21 يناير 2017 - 12:19 صباحاً بقلم : أشرف عبد المولى

تحل امس، ذكرى وفاة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، المعروف بـ«الإمام الشافعي»، والذي ولد عام 767 من الميلاد بغزة، ورحل في 20 يناير عام 820 بمصر، وهو صاحب أحد المذاهب الأربعة المعمول بها في الفقه الإسلامي وهو «المذهب الشافعي»، الذي يسير عليه المصريون.

الإمام الشافعي كان يرتحل في البلاد لطلب العلم، فغادر إلى بغداد وجلس بها فترة من الزمن، إلا أنها ضاقت عليه، ولم يجد سعة إلا في مصر، لأن واليها عباسي هاشمي قرشي، وهو العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس، خليفة عبد الله المأمون، الذي دعاه إلى القاهرة.

قدم الشافعي مصر عام 199 من الهجرة، ومات بها سنة 204، ورُوي عن الربيع بن سليمان أنه قال: وقال لي يوماً (يقصد الشافعي):«كيف تركت أهل مصر؟»، فقلت: «تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وذبَّت عنه وناضلت عنه، وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه»، فرد قائلًا:«أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً»، وعقب على ذلك الربيع:«ففعل ذلك والله حين دخل مصر».

عندما دخل الإمام الشافعي مصر كان مذهبا مالك وأبي حنيفة هما المنتشرين بها في ذلك الوقت، ولكنه ما لبث أن ذاع صيته و انتشر مذهبه بصورة كبيرة حتي أصبحت القاهرة معقل المذهب الشافعي من بين الأقطار الإسلامية.

الإمام محمد بن إدريس راجع في مصر كتابه «الرسالة»، الذي كان قد كتبه في مكة، واسماه الرسالة الجديدة، ويعد من أشهر كتب الإمام الشافعي علي الإطلاق والمؤسس لعلم أصول الفقه الإسلامي، جمع فيه «الشافعي» معاني القرآن و حجة الإجماع و بيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة وأساليب استنباط الأحكام الفقهية.

ستة أعوام مكثها الشافعي في مصر يلقي دروسه في مسجد عمرو بن العاص، ويراجع كتبه التي دونها من قبل، وأدى نقده للإمام مالك إلى وقوعه في المتاعب والمصاعب، وذلك لأن «مالك» كان له المكان الأول بين المجتهدين في مصر، فثار على «الشافعي» المالكيون يجرحونه ويطعنون عليه، حتى ذهب جمهرتُهم إلى الوالي يطلبون إخراجه.

كما انتقد الشافعي آراء أبي حنيفة وأصحابِه وغيرِهم من فقهاء العراق، وكذلك الأوزاعي، وكان لكل هؤلاء أنصار من رجال الفقه في عهده، يتعصبون لهم وينافحون عنهم، ما عرضه لكثير من الجدل والمناظرات، فكان يجادل ويصاول، من غير أن يمس صاحب الرأي بسوء، ويميل دائمًا إلى نصرة الحديث ورجاله.

المذهب الشافعي ظل هو السائد في مصر بعد أن تغلب على المذهبين الحنفي والمالكي، إلى أن جاءت الدولة الفاطمية فأبطلت العمل به، وجعلت العمل على مقتضى مذهب الشيعة، وعندما سقطت دولتهم وجاء السلطان صلاح الدين الأيوبي أحيا المذاهب المعروفة وجعل للمذهب الشافعي الحظ الأكبر من عنايته، واستمر كذلم إلى أن أحدث الظاهر بيبرس فكرة أن يكون القضاة أربعة، لكل مذهب قاض يقضي بموجب مذهبه، ولكن جعل للشافعي مكانًا أعلى من بينهم.

 وفي دولة المماليك استمر الحال كذلك، حتى سيطر العثمانيون على ملك مصر، فأبطلوا القضاء بالمذاهب الأربعة واختصاص الشافعي بالمكانة العالية، وحصروا القضاء في المذهب الحنفي لأنه الذي يأخذون به، وما زال كذلك إلى الوقت الحالي،  إلا أنه قد أخذ الاقتباس من المذاهب الأخرى في الأحوال الشخصية والوقف والمواريث والوصايا، وبقي القضاء فيها على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية دون سواها.

 المذهب الشافعي فقد مكانته الرسمية في الدولة، إلا أنه بقيت له منزلته في الشعب المصري، لأنه تغلغل في نفوسهم، ويتدين معظمهم في عبادته على مقتضى هذا المذهب خاصة في الوجه البحري.

بداية الصفحة