كتاب وآراء

محور الزعيم جمال عبدالناصر

كتب في : الأربعاء 05 يوليو 2017 - 5:21 مساءً بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري

 تعمل الحكومة على قدم وساق لاستكمال مشروع ( مترو الأنفاق ) الذي وفر الجهد والوقت والمال ، وخفف حدة الازدحام ، وأصبح أحد عوامل الجذب الاستثماري ، وأحد أهم مقومات التنشيط السياحي ، وأضاف لمسة حضارية للقاهرة الكبرى حيث يعتبر أول وأكبر مترو أنفاق على مستوى الشرق الأوسط كله .. واستكمالا لهذا الصرح الحضاري الكبير بذلت محافظة الجيزة جهودا مضنية في مناطق شارعي الهرم وفيصل ، وخصوصا في المناطق العشوائية على امتداد شارع فيصل خلال الشهور الماضية في اطار الأعمال التمهيدية اللازمة للبدء في حفر الخط الرابع لمترو الأنفاق لتحديد الشوارع العرضية ، والمحاور الطولية الرئيسية البديلة لشارع الهرم الذي سيغلق لمدة ثلاث سنوات تقريبا .. ومن بين هذه المحاور الطولية المهمة محور ترعة عبدالعال المتقاطع مع شارع العشرين الذي يمتد من محطة مترو فيصل ويصب في الدائري من ناحية صفط اللبن .. والذي أطلقت عليه المحافظة في الآونة الأخيرة ( محور الزعيم جمال عبدالناصر ) . وإن كان الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الذي عاش فقيرا ومات شريفا ليس في حاجة اليوم في اعتقادي إلى تكريم أو تخليد بإطلاق أسمه على مرفق عام هنا أو هناك ذلك لأنه منذ انحيازه للفقراء والكادحين من العمال والفلاحين والمهمشين ، وقيامه بتحويل العدالة الاجتماعية من شعار وطني وهدف ثوري إلى واقع عملي منذ اللحظات الأولى لثورة يوليو المجيدة .. حيث ترجم الأقوال إلى أفعال بدءا من إعادة توزيع الثروة ( قانون الإصلاح الزراعي ) ، مرورا بمجانية التعليم ، وصولا إلى الصحة ، وانتهاء بالتصنيع والإسكان والاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية .. أقول منذ ذلك الوقت تحول جمال عبدالناصر من قائد ثورة إلى زعيم شعبي ، وبطل قومي ، فتربع على عروش قلوب أبناء هذا الشعب الطيب الأصيل ، وأصبح من الخالدين في ذاكرتهم الوطنية جيلا بعد جيل .. فبالرغم من موت الزعيم جمال عبدالناصر منذ عشرات السنين إلا أنه ما زال حيا بإنجازاته وانحيازه الكامل للفقراء في قلوب المصريين الشرفاء ، بينما أصبح الرئيس الأسبق المخلوع هو وحاشيته وأركان حكمه في عداد الأموات وهم مازالوا على قيد الحياة .. حيث ما زال المصريون الأحرار شبابا وشيوخا ، رجالا ونساء ، عمالا وفلاحين يخرجون إلى الشوارع والساحات والميادين في القاهرة الكبرى والأقاليم ، وهم يهتفون باسم جمال عبدالناصر ، ويرفعون صوره ، ويرددون شعاراته ، ويستمعون إلى خطبه .. في ثوراتهم الشعبية ، واحتفالاتهم الوطنية ، ومناسباتهم القومية .. ومع ذلك فإن إطلاق أسمه على أحد محاور محافظة الجيزة وإن كان لا يخلو من أسقاط سياسي خصوصا في هذا العصر .. إلا أنه يستدعي الهمم ، ويدغدغ المشاعر ، ويعطينا الأمل في إحياء مبادئ الزعيم الخالد جمال عبدالناصر الذي تيتم بعد رحيله شعب بأكمله . علينا أن نتفق جميعا على أن العشوائية بجميع أشكالها وأنواعها التي ارتكبها نظام الرئيس الأسبق المخلوع في حق هذا الشعب المطحون على مدى ثلاثة عقود هي من الجرائم السياسية المكتملة الأركان التي تكفي لمحاكمته هو وأركان نظامه وإعدامهم في ميدان عام .. بل هي بكل المعايير والأعراف الدولية جريمة ضد الإنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى .. فالعشوائية بكل المقاييس جريمة في حق هذا الشعب ووصمة عار على جبين ذلك العهد الذي دأب على رسم الخطط الاقتصادية بلا رؤية سياسية ، وأدمن على معالجة المشاكل المزمنة بالمسكنات الوقتية .. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك هي المناطق العشوائية التي تركها تزحف نهارا جهارا كالطوفان العظيم لتلتهم أجود الأراضي سواء المملوكة للدولة أو الخاصة بالأفراد دون أي ترتيب إداري ، أو تنظيم هندسي ، أو تخطيط عمراني .. فمع مرور الزمن ، وغياب الوعي زاد عدد السكان أضعافا مضاعفة فارتفعت الكثافة السكانية في جميع أرجاء الجمهورية خصوصا في القاهرة الكبرى ونتيجة لذلك انتشرت المناطق العشوائية المخالفة لأية معايير هندسية أو صحية أو أمنية .. وما إعلان جمهورية إمبابة من قبل المتطرفين في ثمانينات القرن الماضي إلا خير دليل على ذلك . في ظل الغياب الحكومي الفاضح بسبب انغماس رأس النظام الأسبق حتى أذنيه هو وعصابته الحاكمة في مستنقع الفساد ، وتفرغهم لنهب المال العام ، وتوزيعهم الأراضي المملوكة للدولة في المناطق الراقية مكتملة المرافق التحتية والخدمات الفوقية بأسعار رمزية للأقارب والأصهار والأصدقاء والحرامية ، انعدمت البدائل السكنية لمحدودي الدخل والفقراء والمعدمين ، وفاق الانفجار السكاني كل تصور إنساني ، فزاد التوسع الأفقي والرأسي في المباني ، وانتشرت المناطق العشوائية كالنار في الهشيم حتى وصل عددها إلى أكثر من 1200 منطقة عشوائية على مستوى الجمهورية وبلغ تعداد سكانها حوالي 18 مليون نسمة تقريبا حسب الإحصائيات التي نشرت إعلاميا في ذلك العهد الفاسد البائد وتتمركز معظم هذه العشوائيات في القاهرة الكبرى . وما مناطق شارع فيصل الممتدة على يمينه من أوله إلى آخره ابتداء من كوبري الجيزة حتى نادي الرماية إلا مثال صارخ لهذه العشوائيات وخصوصا منطقة أول فيصل .. لذلك إذا استثنينا شارع فيصل الرئيسي ، ومناطقه الراقية التي تعد على أصابع اليد الواحدة ، وبعض الشوارع العرضية ، والمحاور الطولية وعلى رأسها بطبيعة الحال محور ( الزعيم جمال عبدالناصر ) .. فإن بقية مناطق فيصل تعتبر مناطق عشوائية غير صالحة للسكن الآدمي فهي عبارة عن حواري وأزقة مصابة بالتلوث السمعي والبصري نتيجة للازدحام الشديد بسبب التكدس السكاني ، ناهيك عن التلوث الغذائي والهوائي والمائي بسبب البنية التحتية المتهالكة التي أقام السكان معظمها بالجهود الذاتية ، أما المباني فهي بكل تأكيد مخالفة لكافة المواصفات الفنية والشروط الصحية ، ومن عجب أن تقام في مثل هذه الحواري الضيقة التي لا تسمح بمرور الهواء أو تساقط أشعة الشمس عمارات كبيرة وأبراج شاهقة ، أما المصيبة الكبرى فهي أن هذه الحواري والأزقة لا تسع بطبيعة الحال مرور سيارات الخدمات العامة المهمة كالمطافئ والبلدية والإسعاف والشرطة ، فانحصر دور الدولة في هذه العشوائيات في تنفيذ بعض الإزالات ذرا للرماد في العيون .. مما يمثل تكديرا فعليا للسلم المجتمعي ، وخطرا محدقا بالصحة العامة ، وتهديدا حقيقيا للأمن القومي . فإذا سلمنا جدلا بأن الميزانية العامة للدولة كانت في ذلك العهد الفاسد البائد لا تسمح بإنشاء وحدات سكنية كافية لمحدودي الدخل والفقراء والمهمشين ، ولم تكن تسمح أيضا بإقامة البنية التحتية لتلك المناطق العشوائية من مياه شرب ، وصرف صحي ، وكهرباء وغير ذلك من المرافق الأخرى .. فكيف عجزت ميزانية الدولة حينئذ عن وضع رسوم هندسية لهذه المناطق العشوائية لتحديد الأعراض والأطوال المناسبة لشوارعها ، وفرضها بقوة القانون ، ومنع التعدي عليها بأي شكل من الأشكال كي تجد الدولة لاحقا شارع يتسع لإقامة البنية التحتية عندما تسمح بذلك الميزانية ؟ .. وكيف عجزت الميزانية عن تخصيص أو نزع ملكية ما يكفي من الأراضي لبناء ما تحتاجه الدولة من مرافق عامة لا غنى عنها مستقبلا لخدمة سكان المناطق العشوائية ؟ . لكن الحقيقة المرة التي لا يفيد معها الإنكار ، ولا تنفع فيها المكابرة هي أن المناطق العشوائية على مستوى الجمهورية كانت بالنسبة لتلك الحكومات بمثابة منجم ضخم لا ينضب من المال الحرام الذي يتمثل في صورة رشاوي ، وإتاوات ، وهدايا ، وإكراميات .. إضافة إلى ما كان يتم تحصيله حينئذ من الغرامات ، والعوائد ، والمخالفات التي كانت وما تزال لا تدخل الميزانية بل تأخذ طريقها في سلام وأمان إلى مقبرة الصناديق الخاصة في جميع الوزارات ثم تتحول بقدرة قادر إلى حسابات المسئولين الكبار .. فهل هذا معناه أن المناطق العشوائية كانت سياسة مقصودة وممنهجة على مدى الحكومات الفاسدة السابقة ؟ .. إذا كان الأمر كذلك ويبدو أنه كان كذلك فعلا .. إذن ألا يستحق الرئيس الأسبق المخلوع هو وأركان حكمه الإعدام في ميدان عام ؟ .

بداية الصفحة