كتاب وآراء

فلسطين.. وثورة المليون شهيد

كتب في : الأحد 03 يوليو 2016 بقلم : الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

كأيِّ فلسطيني؛.. كلما فكرت في وطني فلسطين وكيف أتى الصهيوني إليها وفي نيته الاستيطان الأبدي ولم يأت كمستعمر عادي، أتساءل بيني وبين نفسي هل فعلاً سيرحل هذا الكابوس يوماً ما..؟! لكن عندما أتذكر الجزائر وكيف أن حال الاحتلال الصهيوني الآن تشبه تماماً حال الاحتلال الفرنسي للجزائر في وقت سابق من حيث أن كلاهما جاء مستوطناً، أتنفس الصعداء وأجيب على نفسي نعم سيرحل كما رحل الفرنسي من قبل،.. فعندما جاء الفرنسي لأرض الشقيقة الجزائر لم يأتها احتلالاً انتدابياً كباقي الاحتلالات في الشرق كما كانت الحجة في ذلك الحين، وإنما جاء مفرنساً لها كما حال الصهيوني الآن الذي يحاول بكل ما أمكن أن يمارس تهويده العنصري المقيت، وبالرغم من ذلك استطاع الشعب الجزائري بنضاله الدؤوب وعزمه وعزيمته وإيمانه بعروبته أن يهزم الطغيان الفرنسي ويقضي عليه،.. صحيح أنه قدم أكثر مليون شهيد لكنه حقق غايته ومبتغاه في طرد المحتل وكسر شوكته وعاد الجزائر حراً أبياً إلى الأبد...

هنا وفي هذه المقالة لن أتحدث عن تاريخ الجزائر ولا عن تاريخ الحرب والصراع مع المحتل المستوطن الفرنسي وإنما سأكتفي بالحديث عن المقاومة الجزائرية كمثال يحتذى في النضال والكفاح وتحديداً عن الثورة الجزائرية الكبرى التي كان ختامها طرد الفرنسي واعترافه الكامل بالهزيمة أمام إرادة الشعب الجزائري في أن يكون عربياً حراً أبياً... حيث بدأت المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي منذ سنة 1830م أولى سنوات الاحتلال نفسها. وكانت على نوعين: مقاومة رسمية ومقاومة شعبية، كما حدث في فلسطين إلى حد ما في بعض الفترات... وتتالت الانتفاضات الشعبية في الجزائر وبالمقابل كان يشن الفرنسيون حملات انتقامية مرتكبين بحق الشعب الجزائري فظاعات يندى لها جبين الإنسانية... إلا أنه في عام 1954م شهد الجزائريون كيف بدأ الكفاح المسلح في تونس والمغرب الأقصى يعطي ثماره. وقد قدر عدد الجزائريين العاملين بالجيش الفرنسي في تلك السنة بـ 160 ألفاً، شارك منهم عشرات الآلاف في حرب الهند الصينية، ورأوا بأنفسهم كيف حققت ثورة وطنية آسيوية نصراً كاسحاً على الاستعمار الفرنسي. وكانت أوضاع الجزائريين في ظل الاستعمار تزداد سوءاً، بحيث قدرت الإحصائيات الرسمية عدد العاطلين منهم عن العمل ما بين 900 ألف ومليون ونصف المليون. وكان أكثر من خمسة ملايين فدان من أخصب الأراضي الزراعية الجزائرية بيد 21,659 مستوطن أوروبي، في حين كان 6,3 ملايين يعيشون على استثمار عشرة ملايين فدان فقط. ولم تكن المدارس لتستوعب أكثر من ثُمْن الأطفال الجزائريين الذين هم في سن الدراسة، وما كان يصل منهم إلى المرحلة الثانوية أكثر من العُشر. ولم يترك لأهل البلاد من الوظائف الإدارية سوى أربعة آلاف من مجموع 26 ألفاً. كل هذه الظروف هيأت التربة الصالحة لاحتضان تلك الثورة العظيمة التي أطلق عليه الثورة الجزائرية الكبرى ونجاحها... ففي أوائل سنة 1954م كانت قد تشكلت اللجنة الثورية للاتحاد والعمل من مجموعة شبان، كان معظمهم أعضاء في حركة الانتصار للحريات وعملوا في الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية. منهم أحمد بن بيلا، وحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف. وفي صيف السنة نفسها عقدت اللجنة مؤتمراً سرياً بأوروبا الغربية، واتخذت قرارًا بإعلان الثورة. وفي ليلة الأول من نوفمبر نسق الوطنيون حوالي 30 هجوماً في جميع أنحاء الجزائر على أهداف عسكرية مختلفة ومراكز للشرطة. وتلا ذلك تكوين لجان ثورية متفرقة اندمجت جميعاً في هيئة واحدة باسم جبهة التحرير الوطني الجزائري وبلغت الثورة أوج قوتها من حيث امتداد سلطتها على أكبر رقعة من الأرض في سنة 1956م، كما امتد نشاطها إلى الأراضي الفرنسية نفسها منذ صيف 1958م. وقد سيطر القادة العسكريون على الجبهة في مرحلتها الأولى، إلى أن قرر مؤتمر وادي الصمام، الذي انعقد داخل الجزائر في عام 1956م، إنشاء المجلس الوطني للثورة. فأصبح هذا المجلس يمثل أعلى جهاز بجبهة التحرير، يوجه سياسة الجبهة ويتخذ القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد، وله وحده الحق في إصدار أمر وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى لجنة التنسيق والتنفيذ التي أصبحت مسؤولة عن توجيه جميع فروع الثورة العسكرية والسياسية والدبلوماسية وإدارتها، وأصبح جميع القادة العسكريين والسياسيين القائمين بالنشاط الثوري مسؤولين بصورة مباشرة أمامها. ثم تقرر في مؤتمر طنجة في أبريل 1958م، بالاتفاق مع حكومتي تونس والمغرب، تأسيس حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية، وأعلن عن تكوينها فعلاً عام 1958م برئاسة فرحات عباس. وقد تولى رئاستها بعده يوسف بن خدة في عام 1961م كما بعثت جبهة التحرير الاتحاد العام للعمال الجزائريين، واتحاد الطلاب الجزائريين، واتحاد التجار وصغار رجال الأعمال الوطنيين، وأصدرت مجلة عربية تتحدث باسمها تُدعى المجاهد الحر... مع العلم أن الحكومة الفرنسية ظلت تحاول التقليل من أهمية الثورة حتى عام 1955م، حيث أعلنت حالة الطوارئ بالجزائر لمدة ستة أشهر، منحت بمقتضاها السلطات الإدارية صلاحيات واسعة استثنائية، منها إنشاء محاكم عسكرية حلت محل المحاكم الجنائية. وقد اضطرت فرنسا إلى تجديد العمل بهذا القانون، لأن الثورة استمرت أكثر مما كانت تتوقع... وارتبط بها الأشخاص المولودون في الجزائر والمقيمون بالأراضي الفرنسية، وذلك سنة 1957م، وقد أدى الجزائريون المقيمون بفرنسا دوراً مهماً في الثورة من الناحية المالية... وطبعاً جربت فرنسا كل أساليب القمع، فزادت قواتها بالجزائر إلى ما يقارب نصف مليون رجل، وعزلت بالأسلاك المكهربة عن تونس والمغرب لمنع المدد عن الثوار، وشاركت في حرب السويس ضد مصر سنة 1956م لإجبار الحكومة المصرية كي تمتنع عن دعم الثوار بالأسلحة والعتاد والدعم السياسي، لكن الثورة الجزائرية أصبحت بعد مضي أربع سنوات من الأهمية بحيث امتد أثرها إلى داخل فرنسا ذاتها. وتعد عودة ديغول إلى الحكم، وقيام الجمهورية الخامسة نتيجة مباشرة لفشل فرنسا في قمع الثورة. وقد تمهد السبيل للانقلاب بعد أن جرت الحرب الجزائرية الجيش للخوض في السياسة، وتم الانقلاب فعلاً في عام 1958م بقيادة فرقة المظلات. لكنه فشل، لأن أهداف القائمين به لم تكن واحدة. كما تمهد السبيل لكي تقبل الجمعية الوطنية، بأغلبية ساحقة. تولّى ديغول رئاسة الحكومة مع سلطات مطلقة خاصة بناء على طلبه. وقبل أن يعلن ديغول حينها عن مشروعه في عام 1959م بخصوص السياسة الجزائرية، اتخذ عدة إجراءات تنم ضمناً عن أنه كان يتجه إلى فكرة الإدماج، وكان ذلك المشروع يحتوي على الاعتراف بحق الجزائر في تقرير مصيرها حتى ولو أدى ذلك إلى الانفصال عن فرنسا، لكنه أحاط ذلك المبدأ بقيود وتحفظات جعلت المشروع في مجموعه غير مقبول بتاتاً من جبهة التحرير الجزائرية. وازدادت علاقات ديغول بالمستوطنين الفرنسيين سوءاً، وقاموا في مدينة الجزائر بأول حركة تمرد واسعة عام 1960 م. وتكتلت أحزاب اليمين في فرنسا باسم جبهة الجزائر الفرنسية برئاسة جورج بيدو، وقام أربعة من الجنرالات بمحاولة انقلابية ضد الجمهورية الخامسة فيما بين 22 و26 إبريل 1961م لكنها قمعت. وعندما قام ديغول بزيارته للجزائر في عام 1960م شعر بأن كل إجراء يتخذ بدون الاتفاق مع جبهة التحرير سيكون مآله الفشل الذريع.... وإزاء تصاعد الثورة الجزائرية، وعجز فرنسا عن القضاء عليها، ومناداة الرأي العام الفرنسي نفسه بالجلاء عن الجزائر، نتيجة لما جرّته الحرب على الفرنسيين من خسائر بشرية واقتصادية بالغة الأهمية، بالإضافة إلى التأييد العالمي الذي لقيته القضية الجزائرية، والذي تجسد عام 1960م في إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية اللجنة السياسية القاضية بحق الجزائر في الاستقلال. كل هذه الأسباب دفعت فرنسا بقيادة ديغول، للقبول بالتفاوض مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية. فجرت مفاوضات إيفيان عام 1962م، التي تعثرت أول الأمر لكنها أدت في النهاية إلى عقد اتفاق بين الطرفين قضى بوقف إطلاق النار، وقد جرى إثر ذلك استفتاء أبدى فيه الجزائريون رغبتهم الأكيدة في الاستقلال، فتم إعلان استقلال الجزائر في عام 1962م، واعترفت الدول بهذا الاستقلال. واختير أحمد بن بيلا أول رئيس للجمهورية الجزائرية....

وهكذا هي فلسطين لن تكون أقل قدرة من شقيقتها الجزائر في التصميم والإرادة على التحرر حتى لو قدمت ملايين الشهداء ولن تتخلى عن عروبتها وانتمائها حتى لو استمرت ثورتها عشرات السنين، وبالنهاية ستجعل من الكيان الصهيوني كأن لم يكن،... وستكون كما شقيقتها في الكفاح والنضال والمقاومة الجزائر أرض المليون شهيد وثورة الشعب العتيد؛.. الشعب الجزائري الأبي الذي لم يبخل يوماً في أن يقدم الغالي والنفيس في سبيل نصرة أهله وأشقائه الفلسطينيين في كل بقاع العالم وبقيت هي هي الجزائر، جزائر المقاومة والنضال والمقاومة. وأرض الشرف والعزة والفخار... ولأنها أرض المليون شهيد وأرض المقاومة النبيلة ولأن أرضها تطهرت بدماء شهدائها البررة ولأنها المباركة بعبير انتمائها الصادق لعروبتها سأقيم فيها وعلى ترابها معرضاً قومياً برعاية كريمة من وزير ثقافتها، حيث ستحكي اللوحات عن معاناة شعبي وعن تصميم أهلي وأخوتي في الأرض المحتلة وفي الشتات على التحرير والعودة بكل إيمان إلى أرضنا المقدسة، وستحكي اللوحات أيضاً عن المحبة الأخوية بين الشعبين الشقيقين الجزائر وفلسطين ووقوفهما معاً في خندق الجهاد والنضال والمقاومة ضد طغاة العالم وأعداء الحق وأعداء الحرية والتحرر.

بداية الصفحة