إقتصاد وأعمال

المسكوت عنه فى أزمة الدولار.. هل تجرؤ الحكومة على إيقاف 'الاستيراد 'لــ 6 أشهر؟

كتب في : الجمعة 05 اغسطس 2016 بقلم : رضا عبد الحميد

فى الوقت الذى تقرأ فيه هذا التقرير، سيكون وفد من صندوق النقد الدولى وصل إلى القاهرة واجتمع بعدد من وزراء المجموعة الاقتصادية، للاتفاق على قرض كبير تتراوح قيمته بين 12 مليار دولار وبحد أقصى 21 مليار دولار، والتباين فى الرقمين يعود إلى تخبط بعض الوزراء فى تحديد قيمة القرض الذى ترغب مصر فى الحصول عليه.

 

علينا أن نعرف بداية أن دولا عديدة تمتلك حصصا دولارية فى صندوق النقد الدولى، والحصة الأكبر لصالح الولايات المتحدة الأمريكية بحجم 25_ من أموال الصندوق، وتسمح قوانين الصندوق لكل دولة أن تحصل على قرض يعادل 3 أضعاف حصتها، ولأن حصة مصر كانت 1.6 مليار دولار، لذا فإن أقصى ما ستحصل عليه مصر هو 8.4 مليار دولار.

 

لأن القاهرة ترغب فى قرض أكبر من 8.4 مليار دولار، لذا كان عليها أن تزيد من حصتها، ولكن كيف بينما تعانى عجزا فى الاحتياطى النقدى وحصيلتها الدولارية، وكان الحل أن توجه إحدى الدول العربية الشقيقة جانبا من مساعداتها المالية لمصر إلى الصندوق، وقد حدث ذلك بالفعل عندما قامت دولة الإمارات الشقيقة بتوجيه مبلغ قيمته 3.1 مليار دولار إلى صندوق النقد الدولى كى ترتفع حصة مصر الى 9.2 مليار دولار مما يتيح معه للقاهرة أن تضاعف قيمة القرض إلى نحو 9 مليارات دولار.

 

المبلغ السابق (9 مليارات دولار) هو الحد الأقصى المسموح للقاهرة بصفتها عضو مؤسس بالصندوق أن تحصل عليه، لذا لا نعرف كيف ستقنع حكومتنا وفد الصندوق الدولى بزيادة قيمة القرض إلى ما يتجاوز 10 مليارات دولار ومثلما تردد إلى 21 مليار دولار بينما لا تسمح حصة مصر بذلك، هنا تجب الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولى يقدم للأعضاء نوعين من القروض، أحدهما ميسر ودون شروط وهو موجه إلى الدول ذات الحصص الأعلى التى تتمتع باحتياطى كبير من النقد الأجنبى، والنوع الآخر من القروض، يمنحه صندوق النقد الدولى مصحوبا بعدد من الشروط التى سيطلبها من الحكومة المصرية.

 

لأننا أخيرا ذهبنا إلى الصنوق ولم تر حكومتنا أى منفذ آخر، لذا فإن الحكومة سوف ترضخ لشروط الصندوق التى لن تخرج عما يلى:

 

1- تعويم الجنيه المصرى سيكون أحد الشروط الرئيسية لبعثة الصندوق، ويرى خبراء مصرفيون واقتصاديون أن البنك المركزى سوف يتخذ تلك الخطوة خلال أسبوعين من الآن على أقصى تقدير، وأن الاتجاه هو تخفيض قيمة صرف الجنيه مقابل الدولار، ليكون سعر صرف الأخير نحو 10.5 جنيه.

 

 

2- رفع أسعار المواصلات العامة وتحديدا مترو الأنفاق وخدمات القطارات، وذلك بهدف زيادة حصيلة الإيراد للحكومة، مما سيؤدى إلى تقليل نسبة العجز الكبير فى الموازنة للعام المالى الحالى وهو ما يدفع الحكومة إلى الاستدانة من البنوك المصرية عبر أذون الخزانة بواقع تقريبى مليار ومئة مليون جنيه (قيمة العجز التقريبى والمتوقع لموازنة هذا العام حوالى 350 مليار جنيه).

 

3- مزيدًا من التقشف فى الإنفاق الحكومى العام وتوحيد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، والقضاء نهائيا على السوق (الموازى) السوداء، وذلك حتى يكون هناك سعر موحد للصرف، يسمح بجذب الاستثمار الأجنبى.

 

4- تخفيض حجم الدين العام المحلى الذى اقترب من حاجز قيمة الناتج القومى الإجمالى (2700 مليار جنيه)، مما يشكل عبئا كبيرا على الموازنة العامة للدولة، لك أن تعلم هنا أن حجم الفوائد السنوية التى تدفعها الحكومة عن هذا الدين تبلغ 350 مليار جنيه.

 

دعنا نخرج قليلا من أخبار بعثة صندوق النقد الدولى، حتى يمكننا طرح السؤال التالى: هل كان لدى حكومتنا أفكار وحلول ورؤى يمكن أن تذهب إليها بدلا من الذهاب إلى صندوق النقد الدولى؟ الإجابة عن هذا السؤال ستكون بنعم، توجد حلول متنوعة، لكن ربما الضغوط اليومية المتتالية على صانع القرار الاقتصادى هى التى دفعته للسير فى طريق الصندوق الذى نراه حلا ليس خارج الصندوق بل داخل الصناديق.

 

بعبارة أخرى فإن حكومتنا لم تأت بجديد أو بفكرة لم تأت بها أى حكومة مصرية سابقة، فقد لجأت حكومات مصرية سالفة إلى إيجاد الحل فى قرض عاجل من الصندوق، ولماذا نضرب لكم مثالا بعيدا، فللتذكرة فإن حكومة د.عصام شرف فكرت فى الذهاب للصندوق واقتراض 4.8 مليار دولار منه وطلبت حكومة شرف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان يدير البلاد فى ذلك الوقت الموافقة على هذا القرض، فما كان من المجلس العسكرى ورئيسه المشير طنطاوى سوى استدعاء عدد من أبناء مصر المخلصين ومن ذوى الخبرة الاقتصادية وطلبوا منهم الرد على طلب الحكومة، وانتهى الخبراء برفض قرض الصندوق، وقدموا كثيرا من الحلول التى اقتنع بها المجلس العسكرى الذى كان من بين أعضائه اللواء عبد الفتاح السيسى بصفته مديرا للمخابرات العسكرية.

 

 

 

سوف نعرض فيما بعد عددا من الاقتراحات التى كان يرى البعض أن الحكومة قد تجاهلتها وفضلت بديلا عنها الذهاب إلى الصندوق، لكن قبل عرض تلك الاقتراحات، فإن سؤالا آخر يقتحم هذا التحليل مفاده: هل فوجئت الحكومة بأزمة الدولار أم إن بوادر الأزمة كانت تلوح فى الأفق منذ فترة ليست قصيرة؟ الإجابة أن الحكومة لم تفاجأ، فعندما تنضب موارد الدولة من العملة الصعبة، فهذا معناه اننا ف الطريق الى ازمة خانقة لايجوز معها المسكنات والتى اذا كانت مقبولة فى الفترة التى تلت ثورة  30 يونيو من الأشقاء العرب، فإن المسكنات لم تكن لتدم بطبيعة الحال.

حتى هذه اللحظة لا يعرف الشعب المصرى كم يبلغ حجم المساعدات الخليجية للقاهرة طوال السنوات الثلاث الماضية وفيمَ أنفقت، فالأرقام مرسلة تبدأ من 20 مليار دولار وتنتهى بنا إلى رقم 50 مليار دولار، ونذكر هنا ما قاله الرئيس السيسى عندما كان مرشحا للرئاسة فى أول حوار تليفزيونى مع الزميلين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، عندما سألاه عن حجم تلك المساعدات وقتها، قال كتير.. كتير جدا.. وعندما ذكر الزميلان عدة أرقام منها رقم 20 مليار دولار.. قال الرئيس السيسى: تقديرى أكثر.

 

يعرف أى متابع للاقتصاد المصرى أنه تمر كل عدة سنوات (من 5 إلى 7سنوات) أزمة حادة فى نقص العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار، حدث ذلك كثيرا فى عهد مبارك وتحديدا أثناء تولى كل رؤساء الحكومات الوزارة بدءا من د.عاطف صدقى ثم كمال الجنزورى ثم عاطف عبيد ثم أحمد نظيف، وفى كل مرة كان الجنيه ينخفض انخفاضا غير قليل، ورغم أن مصر وقتها كانت تتمتع باحتياطى ليس قليلا من النقد الأجنبى فإن الأزمات توالت، لذا فإن الأزمة الحالية لم تكن طارئة بل متوقعة فى ظل أن الحصيلة الدولارية التى تجمعها البنوك المصرية نحو 20 مليار دولار سنويا بينما حجم الاستيراد وفق التقارير الرسمية يصل إلى 80 مليار دولار (تقارير غير رسمية ترفع رقم الاستيراد إلى 200 مليار دولار) مما يعنى وجود عجز مقداره 60 مليار دولار.

 

المؤكد أن هناك أسبابا أدت إلى تفاقم الأزمة تمثلت فى تراجع حاد فى إيراد مصر من السياحة، وكذلك تراجع الصادرات بنسبة لا تقل عن 25_، وكذلك تراجع شبه ملحوظ فى إيراد قناة السويس بسبب تباطؤ حركة التجارة العالمية خصوصا أن اقتصاد التنين الأصفر (الصين) سجل تراجعا فى معدل النمو السنوى، كل ذلك أثر على حركة التجارة العالمية، اضف إلى ذلك تراجع أسعار المواد البترول التى تشكل النسبة الأكبر من موارد الدول الخليجية التى تقدم لنا المساعدة.

 

لا تستطيع أن تنهى هذه السطور دون تقديم عدد من الرؤى والحلول، يقدمها ويعرضها خبراء مخلصون لهذا الوطن مثل:

1- حل عاجل لمشكلات المصدرين والبحث عن الأسباب التى أدت إلى تراجع الصادرات.

 

2- إعادة 4200 مصنعا إلى التشغيل مرة أخرى، تلك المصانع التى توقفت منذ ثورة يناير وبح صوت أصحابها لإيجاد حل لمأساتهم وجرى تشريد مزيد من العمالة، فتفاقم معدل البطالة ومن بين تلك المصانع المتوقفة ما كان إنتاجه يذهب إلى السوق الخارجى.

 

3- استدعاء شركات أجنبية تبحث ملف السياحة المصرية وشن حملة تسويقية عالمية تعيد السائح الأجنبى إلى مصر مرة أخرى، فالإرهاب لم يطل مصر فقط، بل وصل ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.

4- إصدار قرار رئاسى بوقف الاستيراد 6 أشهر وهو الحد الأقصى الذى تتيحه الاتفاقيات الدولية مع السماح باستيراد الدواء والقمح ولبن الأطفال وقطع الغيار.

الحلول متوافرة لكن تبقى الإرادة التى لا تخضع لابتزاز أصحاب جماعات المصالح.

بداية الصفحة