الأدب

قصة قصيرة ' حكمت المحكمة '

كتب في : الجمعة 17 يوليو 2020 - 12:38 صباحاً بقلم : عبير توفيق

إنه في يوم من أيام الله في سنة من السنين العجاب التي نعيشها، وردت إلي محكمة الإنسانية التابعة للأحوال الشخصية والكائنة بالحياة دعوى رقم مئات الألاف؛ مقدمة من المدعي ويدعي(صلة الرحم) ضد المدعى عليه ويدعى(بنو البشر)وقد حضر أمامنا كل من الطرفين ومعهم المتضررون من وراء ذلك وهم الأباء والامهات والأخوات:   

                    فتحت الجلسة

القاضي:تقدمي يا صلة الرحم ما هي شكواك ؟

صلة الرحم: سيدي القاضي لقد قطعني بنو البشر هؤلاء ولم  يعودوا يصلونني كسابق عهدي بأبائهم و أجدادهم ، فقطعوا أواصر المودة و الرحمة و الترابط ،و قد تضرر من وراء ذلك الكثير والكثير من الأباء والأمهات والأخوات وها هم قد جاءوا معي ودموعهم تسبقهم و قلوبهم تنفطر علي ما فرط فيه أبناؤهم و إخوانهم في حقهم

القاضي: فليتقدم الأباء والأمهات هل حدث ذلك معكم؟

المتضررون : نعم سيدي لقد قمنا بتربية أبنائنا بشِق الأنفس ، و قاسينا ما قاسينا في ذلك، كنا نتصنع الشبع أمامهم ؛ حتى يأكلوا ما يحلو لهم ، ثم نقوم بجمع فُتات ما تبقى منهم ؛ لنسد به رمقنا ، ارتدينا الملابس البالية لسنوات عديدة و كل ذلك لكي نوفر لهم الجديد من الثياب، أما التداوي فكان بمثابة الترفيه لنا فلا يجوز الاقتراب منه و تحل محله المسكنات فقط، و في المقابل لا نتحمل كلمة توجّع من أحدهم بل كنا نسهر

ونمرض و نداوى و مع كل هذه المعاناة التي كنا نعيشها فكانت تمثل لنا سعادة غامرة كنا نصبّر بعضنا علي أمل أن تمر الأيام و نرى ثمرة كفاحنا فنقطفها وقت احتياجنا لها و قد أوصلناهم إلي المناصب العُليا و المقام الرفيع ، و كما ترى يا سيدي لقد بلغنا من الكِبر عِتياً و اشتعلت رؤوسنا شيباً و نحتاج إليهم وإلي وجودهم جوارنا حتي نأنس بهم ونشعر بالطمأنينة  والأمان،ولا نجد من ذلك شيئا

فالابن الأكبر هاجر خارج البلاد وانقطعت اخباره، والثاني الماثل أمامكم هجرنا هو الأخر وهو معنا في موطن واحد

القاضي:تقدم يابني البشر هل بالفعل حدث ذلك؟

الابن: نعم سيدي  ولكن لي أعذاري فكما قالا إنني اشغل منصبا رفيعا وليس لدي الوقت

القاضي:من المؤكدأن لك عطلة إسبوعية من عملك فماذا تفعل بها؟

الابن:نعم وأقضيها مع اسرتي وأحيانا نخرج للترفيه

القاضي:تجد الوقت لأسرتك وللترفيه ولا تجده لوالديك؟!

القاضي:هل لك من مراجعة نفسك وتدبير الوقت لصلة والديك ورعايتهما وبرهما؟

الابن ليس لدي الوقت وهذا خارج عن إرادتي.

القاضي :تبا لك من ابن عاق

القاضي:ما شكواك الثانية ياصلة الرحم ؟

صلة الرحم: لقد قطعني هذا الأخ فقطع اخته بعد موت والديها ولم يعد يصلهاهي وأطفالها الأيتام

القاضي:للأخ هل حدث ذلك بالفعل؟

الأخ: نعم فهي في سعة من العيش بعد حصولها علي إرثها

 وليست بحاجة إلي.

القاضي:ألا  يوجد بينكم أخوة؟! ، ألايوجد بينكم رابطة دم؟! هل الإرث فقط الذي يربط الإخوة بعضهم البعض؟هل اترك لك الفرصة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة؟

الأخ :لا فأنا علي قناعة بما أقوله

القاضي:يالك من أخ جاحد !

القاضي:لكن مالذي يضيرك في ذلك ياصلة الرحم؟

صلة الرحم:سيدي هؤلاء البشر أغضبوا رب العالمين بأفعالهم هذة وهو القائل سبحانه وتعالى:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"،وقال صلي الله عليه وسلم:"من سره ان يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه".

القاضي:صدقت  فيما قلت

القاضي:نظرا لعدم امتثال بني البشر لأوامر الله تعالي بوصل الأرحام  وعدم انصياعهم لنصائح المحكمة ،قررنا نحن الآتي 

إحالة اوراق القضية إلي محكمة العدل الإلهية ،لينظر فيها قاضي القضاة في اليوم المحدد لها من قبله ، وهو"يوم لا ينفع

مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" ،والمعروف لدينا جميعا بيوم القيامة ٠

بداية الصفحة