الأدب

قطة

كتب في : الأحد 03 نوفمبر 2019 - 11:19 مساءً بقلم : أيمن عبد العاطى

قطه جميله أجمل بنت فى العالم .. تقف كعادتها متشحة بالملآه السوداء التى تتلفح بها معظم سيدات الحى فيبدو بياض جسدها البض مع سواد الملآة اكثر اشراقاً و خاصة مع تدلى بعض الشعيرات القليلة المتمردة من فوق ذئوبتها متناثرة فوق جبينها المضيئ غير مجترءات على الاقتراب وواقفات على مسافة مناسبة قبل الحاجبان ألآسودان الرقيقين اللذان يتوجان عينان ملهمتان وشافيتان من أمراض عضال , يكفي السقيم فقط النظر الى عينا قطة حتى يشفى , هى قطة بالفعل ’ لكن تتشح بملاءاة سوداء لتخفى باقى الابيض الجميل والذى لا يظهر منه الا ذراعان بضان ووجه منير يقوده شفتان مكتنزتان يكسوهما اللون الاحمر متجنبا الشقوق الدقيقة على الشفاة الرقيقة لترسم عليها خريطة الكون الجديد ترى من اسماها ذلك الاسم و ماذا كان يقصد اتيمنا بالجمال او تنبؤا بالضعف ,جميله و ضعيفه هنا حاره داخل حاره ككل حواري المدينه التي يقبع فيها الناس منفصلين عنها وعن احداث الدنيا قطة صغيرة فزعة بين عجلات سيارات مسرعة لا ترحم يكفى أن تاتيه لتتحول مكتبته المتواضعة الى مكتبة الاسكندرية تصبح المكتبة العتيقة القابعة بهذا الدرب القديم مكان جدير بالزيارة ’ تشع بهجة وحيوية وشباب ’ حياة كاملة تمنح لهذا الحانوت الميت فحين تكون قطة داخل المكتبة تشرق الشمس بدفىء حانى وترسل شعاعا منيرا على جزء كان مهمل من المكتبة فتعيده الى الحياة متصدراً الصورة بعد أن كان مهمشاً لوقت طويل مكتبة كبيرة عتيقة فى حارة صغيرة داخل هذا الحى الفقير ترقد فى مكانها هنا وكأن مر عليها مئات السنين ’ دائما صاحبها العجوز غريب الاطوار الذى يناديه اطفال الحارة بعم صادق ؛ يجلس على كرسيه هذا بالساعات ,متأملا حياته الطويلة الماضية والتى فقد خلالها كل من يعرفهم وبمرور الموت عليه مرور الكرام ظل هكذا تمثال فوق كرسى لا يتحرك قد يفوت النهار بطوله لا تطأ المكتبة قدم وفى أيام أُخر قد تعج بأكثر أهل الحى , ألآمر مرهون بالموسم الدراسى ,لا يخرج عن بيع الكتب والكراسات والاقلام ومختلف الادوات المكتبية ألآخرى غير مبالِ بأراء المتطوعين الذين نصحوه بضرورة إدخال أصناف أُخرى قد تجذب الزبائن مثل البسكويت والمثلجات او ماكينة تصوير مستندات , يصر على تخصصه فى بيع الكتب وألآدوات فقط ليحتفظ بهويته يرى أحداث الحارة من خلف زجاج المكتبة كمشاهد للتلفاز فى مشهد لا يتغير بلا أبطال مشهد للكومبارس فقط يروحون ويغدون صامتين ولكن من حين الى أخر يأخذ أحدهم دوراً مختلفاً قد لا يزيد عن كومبارس متكلم فى حوار تغلفه السفالة فى أغلب ألآحيان وقد يكبر الدور قليلا فيكون الكومبارس بطل لحكاية سريعة سرعان ما تنتهى بضربة مطواه او غيره اما هو صاحب المكتبة العجوز بمجرد أن تخرج هى من الباب يهرع الى حجرته الخلفية ليكمل خطوطه فوق لوحته التى يرسم عليها وجهها , انه يستطيع ان يرى روحها ايضا’ فنان مغمور لا يشعر به أحد ’ فاته أن يكون مشهوراً فانكب على فنه مستمتعاً به لذاته اما وجه قطه فقد أخرجه من حالة الكساد التى كادت أن تعصف به وبريشته وأعادتهما معاً الى الاستمتاع بالحياة ’ ولكنها لا تأتى الا نادراً وهو لا يعيش الا نادراً . يمارس الرسم من حين الى أخر خلف الستار المدلى ورائه , فقد إقتطع به جزء صغير من المكتبة يفصل المحل عن مرسمه تلك الستارة التى رسم عليها صورة منسوخة من لوحة الفنان النرويجى كريستيان كروج "جانب من مرسمى " يخرج من خلف الستار حاملا لوحة قد رسمها فى عام أو اكثر يرصع بها حائطا فارغاً فى المكتبة أو يلفها مع مثيلتها من اللوحات المهملة رغم ابداعه لم يحاول البته عرض لوحاته على أحد رغم إعجاب مشاهدى الصدفه بها . فجأة إنقطعت قطة عن المكتبة لم تعد تأتى وماعادت الشمس تشرق على ركنها المفضل سأل احدى صاحبتها عنها فأخبرته إنها تزوجت وتعيش مع زوجها فى حارة دلما حارة تاريخيه نعم ولكنها أكثر شراسة من حارتنا القميئة هذه يا ويلتها وويلته لم يبقى له طيلة عشر سنوات أخرى من الاشىء سوى إنتظار الموت والعبث فى اللوحات ومشاهده وجهها المرسوم على اللوحة التى وضعها فى المقدمة ولكن خلف الستار حتى لا يراها أحد سواه يتاملها يوميا كل صباح ومساء متسائلا فى نفسه سؤال لا ينضب هل سيراها مره اخرى فى احد الايام وهو جالس على كرسيه الابدى كعادته أشرقت الشمس على ذلك الجزء المهمش من المكتبة وغيرت إضائة المكان بالضبط كما كانت تفعل حين تأتيه قطة ماذا تفعل الشمس في هذا الركن وما هي التفاعلات التي يحدثها شعاعها فى الاشياء المكدسة هاهنا لتخرج كل هذا الدفئ وتلك الرائحه لتعيد صياغه المكان والزمان تذكرها وأبتسم وهم أن يقوم ليلقى نظرة على صورتها حين دلفت الى المكتبة امرأه برفقة طفل تسأله عن كتاب دراسى له فقام وقبل أن يمد يده ليناولها الكتاب القى عليها نظرة عابرة فهاله ما رأى انها قطة , لا ليست هى هل فعلت به السنين والحنين لرؤيتها هذا أم انها هى قطة بالفعل , لا لا انها ليست هى ماهذا أين العيون البريئه وما الذى حدث للشفاه الجميلة ماهذا الانقلاب الثابت فى ثغرها وما هذه الخرابيش فى وجنتيها هل هى من أثر معركة مع قطة شرسه أم من شىء أخر وما هذا الاستعداد الدائم فى وجهها لاقامة معركة تجرأ وسالها أأنت قطة , فإبتسمت إبتسامه غير إبتسامتها قائلة - أيوه يا عم صادق انت فاكرنى .. تجمد فى مكانه لحظات ثم التفت الى الداخل وعاد من خلف الستار حاملا لوحتها التى رسمها ووضعها أمامها ’ نظرت إليها مليا وسادهما الصمت .. أين هذه القطة الوديعة من معارك النساء القذره بالفاظها النابية والوجوه العابثة المتحفزة كم شاهد بعض هذه الندوات من نساء الحى تناثرت خلالها شعورهن المنكوشة وجلابيبهن الممزقة من المعركة وردح مقفى بعناية . هل وقعت قطة فريسة لهؤلاء هل طبعوا على وجهها البرىء هذه النظرات البائسة والتجاعيد العابثة والتى لا تختفى حتى لو إبتسمت أين الوجه النابض بالحياة والخير أين قطة .. لم تعد لها وجود إلا على صفحة اللوحة المرسومة من سنين مضت انه يستطيع ان يرى روحها الان انهم لم يكتفوا باتلاف الجسد بل طالت روحها بعض الخدوش الا من بعض حبات اللؤلؤ السائلة على الخد الذي كان ناعما سالفا دمعات متكسرة تدحرجت على وجنات شاحبه وروح كانت هنا من سنين مضت كانت قطة تنظر الى صورتها وتزرف الدمع بغزاره , ومازال الحى خلفها يظهر من زجاج المكتبة ويغط فى حركة ونشاط .

بداية الصفحة