كانت آخر فترة ممكن تستمتع فيها بمصر ، و تستمتع هنا يعني تتمشى و تشرب كوباية عصير أو تاكل كوزين ذرة مشوي ع الكورنيش ، تنزل وسط البلد تاكل من التابعي أو آخر ساعة و تظبط بآيس كريم من العبد و ممكن تدخل سينما كمان و تدفع لك ٢٠ جنيه بس

الزحمة كانت مرتبطة بذهاب و عودة الموظفين و المدارس ، باقي اليوم براءة ، تركب أحسن أتوبيس و تقعد لوحدك كمان طول المشوار ،

فترة التسعينات كانت من وجهة نظري مرحلة التوازن الصحي بين الإنسان و الآلة ، لا الإنسان يعرف يعيش من غير آلة و لا الآلة بيبقى ليها لازمة من غير إنسان! وكانت برضو مرحلة التوازن بين الموارد و الإنفاق ، توازن بين الوارد و المنصرف في كل البيوت ، حتى الحكومة نفسها مكانتش بتستلف ، كان صعب تلاقي حد مزنوق إلا لو في جواز بنته أو ابنه ، أو مريض مرض كبير و ربنا يديم علينا نعمه و عافيته ، و كان برضو في فرص عمل للكل ، حتى طلبة الكليات كانت بتشتغل في الصيف علشان تجيب مصاريف الكلية ،

الناس كانت عايشة على نمط واحد و وموجة واحدة و ذوق واحد حتى بدون إتفاق ، بتقعد على قهوة بتقرأ الجورنال و بتسمع ام كلثوم ، بتروح مناسبة عائلية بتسمع حميد الشاعري و عمرو دياب و فؤاد و منير و ايهاب توفيق و ممكن مصطفى قمر ، بتروح فرح بتسمع مطرب صوته حلو ، و كل ده بإتفاق عجيب بين كل الحاضرين!

كانت سنين إستقرار سياسي لا فيها عاركة و لا فيها مظاهرة ، لا فيها حقوق إنسان و لا فيها حروب ، الطلعة الكبيرة كانت في حرب الكويت و بعد كده شكرًا ، و حتى حرب الكويت محسيناش بيها و لولا حفلة عبد الله الرويشد مكوناش خدنا بالنا منها أساسًا ،

كان في إستقرار إجتماعي كبير ، علشان تاخد نمرة بيت بنت فأنت كأنك في مهمة في تل أبيب بالضبط ، و لما تجيبها و تتصل و يرد عليك أبوها فتقفل على طول و أنت متنرفز ، مكانش في Dating بقى حتى لو بتشرب سجاير يبقى تشربها على مسافة ٥ كيلو من البيت علشان لو اتقفشت هتزعل و تجيب ناس تزعل معاك ، لو عاكست والبنت في منطقتها برضو بتزعل ، لو قولت لفظ وحش بتلاقي اللي يقف لك و يقولك اتلم ياض

كان الناس بتزور بعض و بتقابل بعض ، كانت الأسرة ليها طقوسها المقدسة في كل حاجة ، كان في اتيكيت من غير ما نتفرج على أمينة شلباية ، كان في فرصة لأي حد مخنوق أو زعلان إنه يتكلم و يحكي ، النهاردة كل ده بلعه الإنترنت و قفل عليه ألف باب! التسعينات مكانتش فترة ذهبية و كانت ليها مشاكلها أكيد ، لكن اللي يفرقها عن اللي قبلها و اللي بعدها هو التوازن ، لا هي فترة ضغوط قاسية زي السبعينات و الثمانينات ، و لا هي فترة رفاهية مستفزة و انفلات ممنهج زي اليومين دول ، تحسها كده فترة جت ع الكيف ، خدت فيها منابك و فوق منه حتة جدعنة كمان ، و أظن كل اللي عاشها بيحس النهاردة إنه ناقصه كتير رغم إنه مش ناقصه أي حاجة ، بس ايه هي الحاجة اللي ناقصة دي ، الله أعلم!