الأدب

قصة فصيرة ' عدالة الذئاب '

كتب في : الاثنين 16 سبتمبر 2019 - 10:47 مساءً بقلم : عبد الكريم علمي

قصة قصيرة كانت مناظرة فكرية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية ... تلك التي جمعت بين الخروف والذئب، كال فيها الذئب التهم الكثيرة للخروف، ولكن الخروف استطاع تفنيد كل ادِّعاءاته، ولم يترك له مجالا إلا وبَيَّنَ فيه بالأدلة القاطعة والحجج الدامغة، بطلان وزيف دعاويه وتهافت حججه، وبعد أن نفدت كل حيل الذئب من أجل إيجاد حجة أو سبب لإهلاكه، وباءت بالفشل كل مؤامراته ودسائسه، وكل ما اختلق من أسباب واهية، ولمَّا لم يجد أيّ شيء يبرر به عداءه وخصومته له، فلقد ضحك ضحكا شديدا حتى ليكاد أن يقع على الأرض من شدة هذا الضحك الهستيري، ثم انقض على الخروف انقضاضا شديدا وافترسه.

وكان الشهود والأعضاء الذين حضروا هذه المناظرة، هم مجموعة من الذئاب، استقدمهم الذئب لتلك المناظرة العلنية، حتى يكونوا حكما وفيصلا بينه وبين الخروف، وقبل الخروف مُرغما بهؤلاء الشهود لأنه الحلقة الأضعف، ولأن الذئب هو الأقوى، ولذلك استطاع فرض شروطه، وسأل الشهودُ ابن قبيلتهم عن وَجاهة بطشه بالخروف وقتله، لاسيما وأن الخروف أفحمه، وما جاء بسبب أو حجة إلا دحضها وأبطلها.

الذئب (بكل ثبات ويقين وهدوء): الغبي!، إنه يقول ترهات، وسخافات، وحُججه واهية، ويقولُ كلاما هُراءً ينم عن جهله وغبائه وتفاهته، يتكلم ولا يستحي، ويتطاول على سيده، ويُثرثر بلا فائدة، إني خلصتكم من ثرثرته أيها السادة، إن أمثاله لا يستحقون العيش، إن العيش من حق السادة والنبلاء، وهذا نذل تافه، سافل ووضيع من السفلة الموجودين في غابتنا، عبد من عبيدنا، شيء من أشيائنا، وجبة من وجباتنا، أكل من مأكولاتنا ...  فلتذهب روحه إلى الجحيم، وليذهب لحمه إلى كرشي وكروشكم أيها السادة النبلاء الأفاضل ...  أم أنكم تريدون أن نموت جوعا ؟! .

فنظر جميعهم إلى بعضهم بعضا بابتسامة ماكرة، وانقضوا على الخروف، ولم يُبقوا منه شيئا.

وبعدما أنهوا وليمتهم، سأله أحدهم: ولكن ما جدوى حوارك معه إذا كنت قد عزمت على افتراسه، أما كان من الأجدر بك أن تفعل ذلك، دون كل هذه الأمور والإجراءات التي أقدمت عليها وقمت بها، وتوفر على نفسك كل هذا العناء؟.

الذئب:  أيها السادة الأماجد النبلاء، إن من الواجب علينا نحن الأقوياء الشرفاء، أن نتميز بالعدالة في الحوار، فقبل أن ندق أعناق أولئك السفلة، نترك لهم حق الرد في الكلام ـ وإن كانوا لا يستحقون ذلك ـ للدفاع عن أنفسهم، حتى يُشعروننا بعظمتنا، ونسخر منهم في قرارة أنفسنا، عندما نراهم خائفين مرعوبين، ويستجدوننا في إبقائهم على قيد الحياة، فتبتهج نفوسنا لذلك، ويُسرّى عن خواطرنا، فنأكلهم بشهية وفرح ومرح، وهذه عدالة وإنصاف، يجب تسويقها وتعميمها على كل المجتمعات الحيوانية في هذه الدنيا، فتعمل بها في إعطاء المتهم والغير حرية الكلام، والرد على ما يُنسب إليهم من تهم، فنحن قوم عادلون منصفون، ولسنا همجيين وإرهابيين مثلهم، فهم لا يُقيمون للحق والعدل أيّ قيمة أو اعتبار، ولا يحترمون حقوق الحيوان، إن من الواجب علينا نحن صفوة المجتمعات الحيوانية وخيارها، أن نعمل على تحضير أولئك المتخلفين الهمجيين، ونُعَلِّمَهُم ونربيهم حتى لا يُحرجوننا بغبائهم، ويعرفون حقوقنا ويعملون على تأديتها لنا دون أن ُنذكّـرهم بذلك، أو نشن الحروب عليهم، كحال ذلك الهمجي العنيف الذي التهمناه قبل قليل، يتطاول على أسياده ولا يعرف حقوقهم، وفي ذلك ضرر بالغ لمصالحنا، وتهديد  وجوديٌّ خطير ومباشر لمصدر قوتنا ورزقنا، إن مصلحة القوي أولويَّة مُقدَّمة على من دونه، تفرضها الاعتبارات وتُقررها الوقائع وتُعززها الظروف الملحة، كان عليه أن يعرف أنه طعام لنا، وعليه أن يرضى ويقبل بشرف ذلك، إنه لشرف له ولأمثاله أن يكونوا طعاما للسادة الأفاضل، إن مجادلة الضعيف للقويّ ومقارعته له وصراعه معه غباء وتخريف منه، وهو منه مضيعة لوقته وجهد لا طائل من  ورائه، فمتى يفهم هؤلاء أن القوة لا تردعها إلا القوة، وأن الحديد لا يفلّه إلا الحديد، إلى أن يفهموا هذا وحتى ذلك الوقت، فهم طعامنا شاؤوا أم أبوا، أحبُّوا أم كرهوا.

إن مهمتنا وعلى عاتقنا تغيير هذا العالم إلى الأفضل، وإحلال السلام فيه، ونشر العدالة بين ربوعه، هذا واجبنا، وهذه مهمتنا، وهذه أخلاقنا السمحة المجيدة التي يُعادوننا لأجلها، إنني لست أدري كيف كان سيكون حال هذا العالم لو لم يُخلق الذئاب فيه ويكونون عنصرا أساسيا في تركيبته، من المؤكد أن العدالة ستكون هي الغائب الأكبر، وهضم الحقوق والتعدي عليها هي الحاضر الأكبر، والعنوان الأبرز، فهنيئا للعالم بنا وبعدالتنا، وإنها لنعم العدالة ... ونعم القيم ... ولكن الهمجيين الإرهابيين لا يفقهون ولا يعلمون.

 

بداية الصفحة