كتاب وآراء
المليشيا لا تبني دولة .

ثمة مبالغات قد يتخيلها العقل المليشيوي على أنه قادر على بناء دولة وممارسة مقاليد الحكم ، وقد يلون افكاره ببعض الكلمات والجمل المطلوبة لممارسة الحكم من تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة امام القانون وغيرها من العبارات التي تقتضيها الحداثة التي يعيشها العالم حالياً، لكن بين الاحاديث والتسويق الاعلامي والحقيقة فروقات شاسعة على ارض الواقع . فكيف اذا كانت هذه المليشيات ترتكز على عقل ديني سلفي تكفيري ، وهذا ما يحصل في سوريا ، فقد تأسست حركة تحرير الشام استناداً على عقل ديني إسلامي تكفيري متشدد والتي كان يرتكز على نظريات القاعدة والقريبة إلى حدٍ ما الى العقل الداعشي مع بعض الاختلافات السطحية فكانت بداية حركة النصرة ثم تغيرت الى حركة تحرير الشام ورافقها الرئيس السوري الحالي " ابومحمد الجولاني " منذ أن ان انشق عن داعش وبعد فترة ووفق تطور الازمة السورية وانتقل الى منطقة إدلب حيث اتخذت مقراً له ومارس السلطة بعد جولات من حروب الاخوة والاصدقاء الحلفاء الى ان استتب له الامر . وبعد سنوات طوال وبقدة قادر تطورت الامور وانتصرت حركة تحرير الشام واستلمت مقاليد الحكم ، وفيها مجموعات من الفصائل المتشددة والتي تختزن في عقلها تكفير كل ما هو خارجها اي غير منتمي لها وفيها مجموعة فصائل اجانب من جنسيات مختلفة ابرزهم من الاقلية الصينية " الايغور " وبعض الشيشان والافغان وغيرهم من جنسيات مختلفة وهم مقاتلون لهم تأثيرهم في معارك الحركة والاكثر تشدداً . فهذا الخليط وصل الى سدة الحكم في سوريا ، وهذه البلاد تختزن خليط قومي وديني ومذهبي متعدد ومتنوع وهم بالنسبة لحركة تحرير الشام كفاراً ومرتدين ويجب قتلهم او اعتناقهم الاسلام . وفي هذا الوقت تغير قائدها ابومحمد الجولاني الى الرئيس احمد الشرع وتخلص من البذة العسكرية وارتدى بذة مدنية وربطة عنق وشذب لحيته واتخذ له مقراً في قصر الرئاسة " قصر تشرين الذي كان يقيم فيه الحاكم من عائلة الاسد والذي هرب في ليلة ليلاء وترك كل شيء خلفه ما عدا الاموال النقدية التي اصطحبها معه من دون حتى ان يخبر اقرب المقربين منه . الحكم الجديد والقادة هم من رفاق الشرع ومن قادة فصائله وكلهم من ذوي اللحى المسلمين المتشددين وإن غيروا بعض مفردات خطاباتهم السياسي بعض الشيء . ولم يطل بهم الامر حتى حدث المحظور وكانت مجازر الساحل السوري " منطقة الاقلية العلوية " ورغم كل الاسباب ومن افتعلها إنما الحدث هو مجزرة بكل معنى الكلمة وإن اتخذت بعض العبارات طريقها للإعلام من لجنة تحقيق وغيرها من ادوات وعلى الرغم من كل الاجراءات ووعود بمحاسبة الفاعلين وإحالتهم على المحاكمة ، إلا ان الامر لن يطول كثيراً حتى بدأت المناوشات والاعتداءات في منطقة السويداء حيث تقطن اكثرية ابناء الاقلية الدرزية والتي إستتبع بمجزرة كبرى ايضاً لم تنتهي فصولهااو حلا نهائيا لها بعد ، على رغم تدخل الوسطاء وبعض الحكماء والمبعوثين العرب والدوليين والتوصل الى تكليف لحنة تقصي الحقائق والتحقيق وذات الوعود التي أعطيت للعلويين من قبل ، لكن الظروف هذه المرة كان مختلفة حيث اصحى لاسرائيل كلمة الفصل في الجنوب السوري ووضعت حدوداً ممنوع على فصائل الدولة السورية الوليدة واجهزتها من دخول السويداء حيث لم تنتهي ذيوبها بعد بل لازالت تتفاعل على الرغم من المساعي الحميدة التي رافقت احداثها . وفي هذا الوقت لازال الحكم الجديد يستقطب الدعم والاحتضان العربي والدولي وحتى الولايات المتحدة اقدمت على رفع كل العقوبات عن نظام الحكم الجديد والذي أُعطي الفرص الكثيرة والكبيرة ولا زالت سُبُل الدعم العربي والاحتضان التركي والدولي والفرص الاستثمارية تتوالى في سوريا وعليها . إلا ان الواقع أن المليشيات وعقلها الاسلامي لا يمكن ان يبني دولة فعلية ، فنظام الحكم الحالي ينفتح على الخارج فقط للضرورة أم في الداخل فلم ولن يتغير قيد أُنملة فمسرحية الانتخابات الهجينة تشبه الى حدٍ ما قانون الانتحاب اللبناني المسمى نسبية وهو لا يشبه النسبية واقانيمها سوى بالاسم ، كذلك في سوريا انتخابات تنتخب جماعات وفق نظام هجين يسمى انتقالي والرئيس يعين ما يقارب سبعين عضواً بالاسم يمثلون التعددية السورية واختلفاتها الدينية والقومية ، وفي الحقيقة هم بالاسم نواب ولكن الحكم الفعلي في يد الرئيس الشرع وحده فقط ومع المجموعة الضيقة التي ترافقه وتحكم معه . وذلك لان الفكر الديني المستند على افكار إبن تيمية والتطرف الاسلامي والذي يكفر الاخرين لا يمكن ان يؤسس دولة حديثة تمارس تقاليد الديمقراطية بل نسخة مشوهة عنها فقط لا تشبه إلا من وضعها ، ولكم في لبنان وعلى الرغم من الوجه الحضاري للبنان لا زال يدور في حلقة مفرغة من رجال وقادة المليشيات والذين لم يستطيعوا من تأسيس حكم حديث بل نسخاً مشوهة تبتدع نظريات ديمقراطية توافقية غير موجودة سوى في لبنان ، فالدولة لها دستور مدني إلا ان المماىسة طائفية بامتياز والمحاصصات بين قادة المليشياة والطوائف لا زالت سائدة وبقوة . فدول هذا المشرق التي إبتليت بحكم المليشيات وعلى رأسها إيران ومن ثم من يدور في فلكها واخير سوريا التي تحررت من حكم الطاغية ومن الفلك الايراني فلا زالت تحت حكم المليشيات ولم تستطيع أن تبني دولة ولن تستطيع .