كتاب وآراء

امرأة بألف رجل

كتب في : الأربعاء 26 يونيو 2019 - 7:46 صباحاً بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري

 كيف لا تكون المرأة بألف رجل ؟ .. وقد نشأت على القيم الموروثة .. والعادات .. والتقاليد الصعيدية المعروفة .. في كنف أسرة عريقة .. تنتمي لإحدى القبائل العربية الأصيلة .. المشهورة بكرم الضيافة ، والمعروفة بالشهامة ، والمرؤة ، وقوة الشكيمة .. إنها الأستاذة عبلة الهواري عضوة مجلس النواب التي تعد من الرموز النسائية البارزة في الصعيد .. بنت قبيلة البلابيش .. المنحدرة من سلالة العز ابن عبدالسلام ... قاضي القضاة الذي قاتل الصليبيين ... وشارك في الحرب ضد التتار ... ولقب بسلطان العلماء ، كما لقب أيضا بشيخ الإسلام ، وبائع الأمراء والملوك والسلاطين . لا يمكن لحفيدة العز ابن عبدالسلام ، وابنة المستشار محمد عمر الهواري ، شيخ المحامين في ستينيات القرن الماضي .. وشقيقة قيادات عليا في مؤسسات الدولة .. وزوجة طيب الذكر وعطر السيرة الغائب الحاضر .. العمدة عزالدين عبدالشافي – صديقي الحميم – الذي أجمع على حبه واحترامه أبناء مركز دار السلام من النفق إلى الخزان ... وتجسدت فيه إرادة شباب الدائرة ... وتعلقت به أفئدتهم في لحظة تاريخية نادرة .... لكنه رحل عن هذه الدنيا الفانية في عنفوان شبابه ... فخسرنا برحيله رجلا ذو همة ومكانة ، لو أطال الله في عمره ، وحقق حلمه ، لتغيرت على يده معالم خريطة مركز دار السلام بأثره ... هذا المركز الأقل حظا والأكثر طردا للاستثمار والسكان .. هذا المركز الذي هوى إلى ذيل القائمة من حيث التنظيم ، والتطوير ، والتنمية .. وأصبح في المقدمة من حيث التهميش ، والبطالة ، وحوادث الطرق ، ومعدلات الفقر والجريمة .. وأم لأربعة من الأبناء احتلوا عن جدارة مراكز وظيفية مهمة في جهات سيادية حساسة .. إلا أن تكون بألف رجل . منذ تخرجها من كلية الحقوق جامعة القاهرة ، والتحاقها بوظيفة باحث قانوني في ديوان عام محافظة سوهاج ... وتدرجها في المناصب حتى وصلت إلى منصب مدير عام الشئون القانونية بالمحافظة .. إضافة إلى عضويتها في المجلس المحلي .. ورئاستها للمجلس القومي للمرأة ... إلى أن تم اختيارها عضوة في مجلس الشورى قبل ثورة 25 يناير الشعبية الخالدة .. ضمن ثلث أعضائه المعينين من قبل رئيس الجمهورية حسب دستور 1971.. ثم اختيارها أيضا عضوة في مجلس النواب عقب ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة ضمن الثمانية وعشرين عضوا المعينين من قبل رئيس الجمهورية حسب دستور 2014 ... كما أنها بالإضافة إلى ما تقدم ... مثلت مصر في عدة مؤتمرات دولية في الخارج .. قدمت النائبة عبلة الهواري لأبناء قرى ونجوع مركز دار السلام خلال هذه الرحلة الطويلة في مجال العمل العام العديد من الخدمات المهمة التي لا يمكن الاستغناء عنها .. من بينها تخصيص عدد من المشاريع الخدمية كالمدارس ، ومراكز الشباب ، والوحدات الصحية . ليس ضروريا أن تعرف النائبة عبلة الهواري عن قرب .. أو تتعامل معها مباشرة .. أو تقابلها وجها لوجه ... كي تقيم أدائها البرلماني ... أو تكون عنها فكرة كشخصية عامة .... بل يكفي أن تشاهد أحد اللقاءات التليفزيونية التي تجرى معها ، أو تحضر أحد المؤتمرات الشعبية التي تقيمها ، أو تتابع إحدى الندوات الثقافية التي تشارك فيها ، وستلاحظ بنفسك إيمانها الكامل بالقضايا الوطنية ، وإلمامها الشامل بالمشاكل الحياتية ... وإحساسها العالي بمعاناة البسطاء ، واستعدادها لخدمتهم ، وحرصها الشديد على تبني حلول جذرية لمشاكلهم .. وستقدر الجهود الكبيرة التي تبذلها هذه السيدة الفاضلة ، وما تتكبده من متاعب ومشقة في متابعة مستوى الخدمة التي تقدمها المرافق العامة لأبناء بلدها .. وما زالوا ينتظرون منها المزيد .. وما تخوضه من معارك فكرية دفاعا عن حقوق المرأة والطفولة .. والتي أصبحت على أثرها تمثل للمرأة الصعيدية المثل الأعلى والقدوة الحسنة .. وستلاحظ كذلك أيضا حجم التأييد الشعبي الذي تحظى به .. وما تتمتع به من كاريزما ، وحضور ، وثقافة عامة .. وهكذا تكون المرأة الصعيدية إذا توفرت لها الإمكانيات اللازمة ... وأتيحت لها الفرصة المناسبة ... وما صاحب هذا القلم إلا واحد من المتابعين لمسيرة هذه القامة والقيمة .. رغم أنه لم يلتق بها يوما ، ولم تقدم له أية خدمة .. وإن كان من أكثر العارفين بمسيرة حياتها العامة ... ومن أشد المؤيدين لمواقفها المبدئية ... ومن أكثر المتابعين لما تقدمه من خدمات .. وما تحققه من إنجازات على المستويات كافة . لا شك أن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الجديد بشقيه الموضوعي وهو الخاص بالضوابط والأحكام المتعلقة بالخطوبة والزواج والطلاق ، والإجرائي وهو الخاص برسوم وإجراءات التقاضي .. يعد من أكثر إنجازات النائبة عبلة الهواري .. التي حظيت بتغطية إعلامية غير مسبوقة ، وأثارت اهتمام النخبة من المثقفين والمفكرين ورجال القانون وعلماء الدين ، وأحدثت أصداء واسعة بين أبناء الشعب المصري المتدين بالفطرة ، والمؤمن بالسليقة .. والذي تحتل الأسرة في وعيه الجمعي مكانة عالية تصل إلى درجة القداسة ، بالرغم من حالة التصدع الاجتماعي التي أصابتها خلال العقود الثلاثة الفائتة ... نظرا لسياسة الهيمنة والاستحواذ ، وغياب العدالة الاجتماعية .. وما ترتب عليه من تردى الظروف الاقتصادية للغالبية العظمى من أبناء هذا الشعب الطيب الصبور . وما كان لمشروع قانون الأحوال الشخصية أن يحدث هذه الضجة الإعلامية لولا أنه جاء جامعا مانعا مواكبا للمستجدات التي طرأت على المجتمع في الفترة الأخيرة .. مستهدفا استقرار الأسرة ، وتنظيم العلاقة بين أفرادها ، وتحقيق العدالة الناجزة .. حيث لم تترك النائبة عبلة الهواري واردة أو شاردة أو ثغرة ... إلا تناولتها بالبحث والتحليل والدراسة ... والأهم أن مشروع تعديل هذا القانون الذي مضى على صدوره مائة عام أو يزيد .. شمل ضوابط جديدة فيما يخص أحكام النفقة .. كما نص على تجريم الزواج العرفي وغيره من أنواع الزواج الأخرى غير الموثقة ... كما وضع تصور لتقنين الخطوبة ، وتوثيقها ، وتحديد مدتها ... من أجل حماية الحقوق المادية والمعنوية ... وتحديد الواجبات المتبادلة ، ولا شك أن بعض علماء الشريعة طالبوا بتوثيق الخطوبة منذ عدة عقود ، ذلك بعدما كثرت المشاكل .. وخربت الذمم ، وفسدت الضمائر .. ورغم ذلك لم يتخذ أي من المسئولين على مدى العهود السابقة أية خطوة عملية على أرض الواقع في هذا الاتجاه ... إلى أن شملته النائبة عبلة الهواري بذكاء شديد في مشروع القانون الجديد الذي قدمته لمجلس النواب في دور الانعقاد الثاني . حسنا فعلت الدولة قبل الثورتين الشعبيتين الخالدتين وبعدهما ... حينما اختارت الأستاذة عبلة الهواري نائبة في البرلمان كنوع من التكريم باعتبارها شخصية عامة أفنت حياتها في خدمة الوطن .. وقدمت لأبنائه الكثير ... وضمانا للتمثيل المتوازن للمرأة ... ورغبة في إفساح المجال للاستفادة من خبراتها المتعددة في دفع عجلة التنمية والمشاركة الإيجابية في المسيرة الوطنية .. لكن هذا التكريم على أهميته لا يرضي طموح أبناء بلدها الذين يتطلعون إلى توزيرها ، ولا يرتقي إلى مستوى توقعات رؤسائها أو مرؤوسيها الذين عملوا معها .. ولا يتناسب مع ما حصلت عليه من مؤهلات علمية ، وما اجتازته من دورات تدريبية ، وما اكتسبته من خبرات عملية وما تملكه من مهارات وقدرات شخصية تجعلها أقرب إلى تولي حقيبة وزارية منها إلى التعيين كنائبة برلمانية .

بداية الصفحة