كتاب وآراء

مدى مشروعيه 'مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ في القانون'

كتب في : الجمعة 02 يوليو 2021 - 8:05 مساءً بقلم : أيمن عبد اللطبف

 

عدّ مبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بقانون، من المبادئ الراسخة في أغلب النظم القانونية، ومقتضاه أنه لا يمكن عدّ أي فعل جريمة لم يجرّمه المشرّع مسبقاً، كما لا يمكن فرض أي عقوبة لم يجعلها المشرّع من العقوبات التي يجب إنزالها بحق الجاني عند ارتكابه لجريمة ما، وهذا المبدأ يُعدّ من المبادئ الدولية، فمثلاً ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة 11 (لا يدان أي شخص من جراء فعل أو ترك إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي)؛ كما تضمنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 حيث نص صراحة في المادة (22) منه على أن (لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة). وتنص المادة (23) من هذا النظام أيضاً على أن (لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي) 
وهل تسري قاعدة لاعقوبه ولا جريمه الا بنص تسري على الجرائم الجنائية فقط ولا تسري على الجرائم التأديبية.
من المعلوم أن التشريعات الجنائية المعاصرة تقوم علي مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص وهو ما يسمى بمبدأ الشرعية الجنائية، فالقانون هو الذي يحدد التجريم والعقاب عليه ، أي أن هذا المبدأ يستلزم وجود قاعدة قانونية تحرم السلوك وتعاقب عليه ، كما يستلزم ان تكون القاعدة الجنائية سارية في الزمان والمكان الذي ارتكبت فيه الجريمة وهذا ما يقتضي تحديد نطاق سريان القاعدة الجنائية من حيث الزمان والمكان . 
وقد نصت المواثيق والمعاهدات الدولية علي هذا المبدأ حتى تضمن سلامة تطبيقه وأعماله في الدساتير الوطنية باعتباره حقا قانونيا ودستوريا يجب الا يحرم منه أحد وهذا ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة (1948) واستقر في وجدان الجماعة الانسانية ، وصارت لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق يحدد الافعال التي تشكل جريمة من الجرائم وتبين العقوبة المناسبة لها. 
و يذكر أن هذه القاعدة ترجع في أصولها إلى الثورة الفرنسية التي عبرت عن آراء فلاسفة القرن الثامن عشر وتعد سياجا للحرية الشخصية للأفراد والتي تنحصر في فعل ما يبيحه القانون لا في فعل ما يريده الفرد، فقد وردت لأول مرة ضمن ما أعلنته الثورة الفرنسية من حقوق للإنسان، ثم نص عليها في المادة الرابعة من قانون العقوبات الفرنسي الصادر 1810 كما أن النظام الاساسي للحكم في المملكة العربية السعودية قد نص في المادة (38) منه على: (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي نص أو نص نظامي ولا عقاب إلا علي الاعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي ) . 
وخلافا لما هو شائع عن أن هذا المبدأ جاء بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 فإن أصل هذا المبدأ نجده في الشريعة الإسلامية التي عرفت هذه القاعدة من مدة تزيد عن أربعة عشر قرنا ، والواقع أنه ليس في نصوص القرآن والسنة نص واضح الدلالة على العمل بهذه القاعدة في مجال التشريع الجنائي أو بعبارة أخرى فإنه ليس هناك نص بعينه يفيد الأخذ بهذه القاعدة في التشريع الجنائي الإسلامي ومع ذلك فإنه يمكن استنتاج القاعدة من بعض النصوص القرآنية ومن القواعد الأصولية . 
فأما آيات القرآن الكريم فمنها قوله تعالى : ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”. 
كما نجد الاشارة إليه في قاعدتين اصوليتين هما
1- لا حكم لأفعال العقلاء قبل ورد النص.
2- الأصل في الاشياء والأفعال الاباحة . 
ويترتب علي قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص نتائج هامة منها : 
• عدم رجعية القانون .
• قصر التجريم وترتيب العقوبات علي القانون المكتوب دون غيره من المصادر القانونية . 
غير أن الشريعة الإسلامية لا تطبق هذه القاعدة على إطلاقها في كل الجرائم والعقوبات بل ميزت في لتطبيق بين :-
• جرائم الحدود
• و جرائم القصاص
• و جرائم التعزير
وهل تسري قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” على جميع أنواع الجرائم 
السند القانوني: 
تنص المادة رقم 95 من دستور 2014 على أن:
العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون 
وقد جاء في حكم المحكمة الادارية العليا رقم 2891 لسنة 37 ق على أنه: “فيما يتعلق بقاعدة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ـ تسرى هذه القاعدة على الجرائم الجنائية ـ أما بالنسبة للجرائم التأديبية فإن المستقر عليه أن أي إخلال بواجبات الوظيفة يعد جريمة تأديبية حتى لو لم يرد بها نص صريح خاص بذلك:
مؤدى ذلك: أن المحاكمة التأديبية لا تستوجب تحديد نص قانونى معين بتقرير المخالفة”. 
وفي حكم آخر للمحكمة الادارية العليا رقم 8653 لسنة 53 ق جاء فيه: “العقوبات التأديبية محددة بنص ، أما الجرائم التأديبية فغير محددة علي سبيل الحصر ، إذ أن أي إخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضى الواجب الوظيفي يعد مخالفة تأديبية تستوجب المجازاة عنها حتى ولم يرد بشأنها نص. 
وقد أخذ مواد الدستور فى الدول العربيه مثلا  الدستور العراقي النافذ لعام 2005 بهذا المبدأ في المادة (١٩) التي تنص (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). أما الدستور اللبناني لعام 1926 المعدل في المادة (7) ينص على أن (الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون، ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون). 
ومن إيجابيات هذا المبدأ أنه يحدد الجرائم مسبقاً بحيث إن كافة أفراد المجتمع على علم بأن الأفعال التي تعدّ جريمة، وأيّها لا يعدّ، فضلاً عن ذلك، فإن القاضي لا يستطيع أن يختلق أو يبتكر عقوبات غير منصوص عليها سواء في قانون العقوبات أو القوانين العقابية الأخرى، فالقاضي يصدر فقط تلك العقوبات المنصوص عليها في القانون. 
أما في القانون الإداري، فإن أغلب التشريعات التي تنظم علاقة الموظف بالإدارة لا تنص على هذا المبدأ بصورة مطلقة، فهي لا تنص على مبدأ لا جريمة إلا بنص، ففي القانون الإداري لا يمكن تحديد الافعال التي تعد عقوبات مسبقاً، وذلك لكثرتها وصعوبة تحديدها، كما أن عدم النص على التجريم المسبق للافعال التي تعد جريمة في #القانون الاداري هو من باب منح سلطة تقديرية للإدارة لتحديد الأفعال التي تشكل جريمة إدارية من عدمها، ولكن بالمقابل فإن المشرع لم يجعل سلطة الإدارة تقديرية في فرض أية عقوبة، بل تدخّل ونصّ على العقوبات التي يجب أن تفرض على الموظف وذلك حرصاً من المشرع على حماية الموظف من تعسف الادارة، فلو لم يتدخل المشرع في تحديد العقوبات الادارية لأصبح فرض العقوبة سلطة تقديرية للادارة، وهذا الأمر سيؤدي إلى فرض عقوبات قاسية على الموظف قد لا يُقصد منها تحقيق مصلحة عامة، بل قد يكون الهدف من وراء فرضها تحقيق مصلحة خاصة كانتقام من الموظف نتيجة لعدم قيامه بأعمال يطلبها منه رئيسه الإداري.

بداية الصفحة