تقارير
الطائرات في السماء والجوع والظلام على الأرض.. غزة محاصرة من جميع الاتجاهات.. 70 % من الأسر تفتقر إلى مياه نظيفة بشكل منتظم ومحطات التحلية والمعالجة تعتمد بشكل كامل على الكهرباء

في قطاع غزة المحاصر، لا تقتصر معاناة السكان على القصف والدمار، بل تتعمق في تفاصيل الحياة اليومية التي باتت شبه مستحيلة دون طاقة. فمن انعدام الكهرباء إلى غياب وقود الطهي، ومن تعطل المستشفيات إلى شلل خدمات المياه، يعيش الفلسطينيون تحت وطأة أزمة إنسانية خانقة.
كشف تقرير جديد صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في غزة عن الأثر الكارثي لانعدام مصادر الطاقة الموثوقة على الحياة اليومية والخدمات الأساسية، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل لإعادة توفير الوقود والكهرباء ووسائل الطهي الآمنة، مؤكدًا أن كل ساعة دون طاقة قد تعني الفارق بين الحياة والموت.
التقرير، الذي حمل عنوان «استعادة الكرامة: الحاجة المُلحّة للوصول إلى الطاقة في غزة»، يستند إلى تقييم أجرته مجموعة المأوى الفلسطينية ومنظمة "نوركاب" التابع للمجلس النرويجي للاجئين.
ويُبرز كيف أن الطاقة تُشكّل عنصرًا أساسيًا غير مرئي في دعم الحياة الأسرية والخدمات الحيوية، من تشغيل المطابخ والمستشفيات ومضخات المياه، إلى إعداد الطعام وتسيير الخدمات اللوجستية الإنسانية. فبدونها، تصبح حتى أبسط أشكال المساعدة الإنسانية مستحيلة.
وقالت بينيديكت جيفر، المديرة التنفيذية لمنظمة «نور كاب»: «في غزة، الطاقة لا تتعلق بالراحة، بل بالبقاء على قيد الحياة». وأضافت أن عدم قدرة العائلات على طهي الطعام، وغرق المستشفيات في الظلام، وتوقف مضخات المياه، يؤدي إلى عواقب فورية وخطيرة، مشددة على ضرورة أن يُعطي المجتمع الدولي أولوية لمسألة الطاقة ضمن جهود الاستجابة الإنسانية.
التقييم اعتمد على بيانات ميدانية جمعها أعضاء مجموعة المأوى في ظروف صعبة في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، وسلّط الضوء على تأثير نقص الطاقة في عدة مجالات:
الرعاية الصحية: توقف أجهزة التنفس الصناعي والحاضنات وأجهزة غسيل الكلى عن العمل في غياب الكهرباء، فضلًا عن تعطل سلاسل تبريد اللقاحات، وتأجيل أو إلغاء العمليات الجراحية الطارئة.
المياه والصرف الصحي: 70% من الأسر تفتقر إلى مياه نظيفة بشكل منتظم، وتعتمد محطات التحلية والمعالجة بشكل كامل على الكهرباء لتشغيلها.
الأمن الغذائي: يُجبر نقص الوقود العائلات على استخدام البلاستيك والحطام في الطهي، ما يعرّضها لأبخرة سامة، فيما تُقتصر المساعدات الغذائية على المعلبات.
المأوى والحماية: غياب الإضاءة في الملاجئ المكتظة يزيد من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي ويقيّد الحركة بعد حلول الظلام.
العمليات الإنسانية: نقص الوقود والانقطاع المستمر للكهرباء يُعيقان إيصال المساعدات والتنسيق بين الفرق العاملة.
وأكدت جيفر: «لا يمكننا الحديث عن استعادة الكرامة أو إعادة بناء الحياة دون معالجة قضية الطاقة»، مشيرة إلى أن الطاقة تُشكّل عاملًا أساسيًا يتيح للناس العيش بأمان وكرامة، ولا يجب اعتبارها خيارًا، بل ضرورة إنسانية.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 2.1 مليون شخص في غزة لا تتوفر لديهم إمكانية الوصول إلى الكهرباء. ويشير التقرير إلى أن أكثر من 90% من الأسر تقع ضمن أدنى مستويات الحصول على الطاقة، إذ بالكاد تكفي الكهرباء المتاحة لشحن الهاتف المحمول، وهو المصدر الأكثر شيوعًا للإضاءة.
كما تفيد منظمة الصحة العالمية بأن 94% من المرافق الصحية تعرّضت للتدمير أو الضرر، ويعمل العديد منها دون كهرباء للمعدات الحيوية، بينما تضررت 89% من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، بحسب تقارير أممية، مع غياب تام لمحطات المعالجة الفعالة.
وأشار التقرير إلى ارتفاع أسعار غاز البترول المسال (LPG)، ما دفع العائلات إلى حرق النفايات والبلاستيك للطهي، علمًا بأن الغاز كان المصدر الرئيسي للطاقة المنزلية قبل اندلاع الحرب الحالية.