كتاب وآراء

حين تتكلم الطقوس / قراءة عبر ثقافية في العقل الجمعي

كتب في : الأربعاء 09 يوليو 2025 - 4:03 مساءً بقلم : د. ليلى صبحى

 

 لسنا بصدد الحديث عن وظائف ودلالات الطقوس قبل أن نذكر معني الطقوس في علم النفس ، حيث يهتم علم النفس بالطقوس من حيث تأثيرها علي الصحة العقلية للافراد والجماعات ، أما الطقوس في علم الاجتماع هي مجموعة من الإجراءات التي يؤديها بعض الأشخاص والتي تقام أساسا لقيمتها الرمزية ، وقد يحدد تلك الطقوس أو المراسم تراث الجماعة المشتركة ، الذي لا يلبث أن يشكل العقل الجمعي والصورة النمطية لعقل الجماعة ، اما الطقوس في علم الانثربولوجيا هي أنماط سلوكية منظمة ومتكررة ذات أهمية رمزية او دينية او اجتماعية ، وغالبا ما يتم تكرارها في سياقات ثقافية محددة وهي تهدف الي تشكيل الهوية وتعزيز التماسك الاجتماعي. ذكر المؤرخ الفرنسي "الفرد بيل" مثالا لطقوس غريبة كان يقوم بها سكان شمال افريقيا لطلب الغيث من السماء تحت مسمي " طقوس الاستسقاء"، أما الفيلسوف الألماني " ارنست كاسيرر"فقد وصف الطقوس وسماتها بأنها ثابته رسميا لا تلين عن موقف الإلتزام الصارم بأداءه ، ضاربا مثال بكونشرتو البيانو لموسارت الذي يتكون بشكل رسمي مثل أي طقس من الطقوس ، لكن الكلام عن صلابته عبثي حيث يصف التدوين الموسيقي تسلسل النغمات ، هذا وقد أكد الكثير من الكتاب علي صلابة الطقوس بمعني ثباتها الرسمي الذي لا يلين في ظل تنوع السياق ، مثلما ذكر الفيلسوف "نيلسون جودمان" مصطلح الطقوس الخطية أو غير الخطية ،ذكر أنها تعتمد علي الخاصية التاريخية للاداء المرتبطة بها ومن ثم تكون غير نمطية ولا تشكل العقل الجمعي بحال من الأحوال. من الجدير بالذكر أن الطقوس كيانات رمزية متعددة لا مفردة، والطقوس تعرف بالممارسة لا بأداء الفرد ، لكن بمجموعات من الأداء تلبي مواصفات معينة وهي في ذلك تشبة الأعمال الموسيقية والنقوش، فعندما تبدأ الطقوس في التعبير عن نفسها ؛ وحين نتكلم عن تغير الطقوس فنحن نتطرق الي العوالم الرمزية كالعلم والفن واللغة والطقوس ، ومن هذا المنطلق تعرف الطقوس بأنها أشكال الأداء التي تعتبر مميزه للطقس،ذلك أن الطقوس تبلورت من أحداث وممارسات ولم تتشكل بعد مواصفاتها وشروط هويتها غير ثابته ، وهذا يؤكد ما قاله "كاسيرر" عن تمييز مسألة هوية الطقوس عن صلابتها ، وتتعلق الصلابة بالموقف المتخذ تجاه طقس معين طبقا لتعريفه إلتزام مرعب بالمعتقد ، وهو ما أطلق عليه قوته وفعاليته، وفي سياق متصل الطقوس سواء كانت فردية أو جماعية يمكن ان توفر الشعور بالأمان وتقلل من التوتر وتعزز التماسك وتقلل من الاستجابة العصبية لفشل الأداء ، تساعد علي تحسين الأداء لأنها تحشد الحالات التحفيزية والتنظيمية اما من خلال تحسين التركيز أو خلق الإستعداد البدني ، وهذا رأي علم النفس الايجابي في الطقوس , حيث يري أن الطقوس كنايه عن السلوكيات المتكررة التي ترتبط ببيئة رمزية ، والطقوس والعادات اليومية متشابهة فكلاهما يتضمن أفعالا متكررة تشكل العقل الجمعي إلا أن الإختلاف الجوهري يكمن في مستوي الوعي وراء كل فعل، وهناك أمثلة علي الطقوس الإجتماعية مثل طقوس الزواج الراسخة في بيئة معينه وتختلف من بيئة لاخري حسب ثقافة وعادات وتقاليد وقيم ومباديء ومعايير الجماعة وهي ترتبط بالصورة الذهنية للفرد والصورة النمطية والعقل الجمعي للجماعة. من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الطقوس قال تعالي في (سورة الأنفال ١١) "اذ يغشيكم النعاس أمنه منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط علي قلوبكم ويثبت به الأقدام "وان كانت الطقوس الحديثة يمكن أن تفصل الروحانية عن الدين مثل دروس اليوجا والتأمل والرحلات الروحية الغير مرتبطة بالمعتقدات الدينية ولكنها لا تزال تعزز الشعور بالروحانية والمجتمع ، والطقوس الروحيه تعني للعالم العقلي ما يعنيه الطب الوقائي من الناحية الطبية، تفتح الطريق من العقل والفكر الي الروح والقلب ، وكلما زاد ثقل الطقوس كلما اصبحت أنماطا عقلية تعطي تحررا من معطيات الجسد والارتباط به وتعدنا لنكون روحانيين ذات قيمة رمزية ، ونخلص مما ذكر أن الطقوس هي أي سلوك متكرر نمطي تفرضه أو ترتبط به جماعة من الناس سواء كان معتقدات أو عادة ، وقد ذكرت وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية أن الإسلام دين معاملات لا دين طقوس .

بداية الصفحة